لندن ـ «القدس العربي»: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته التي أجراها في الشرق الأوسط خلال الأسبوع الجاري عن صفقات ضخمة مع بعض الدول العربية ومنها ما سمي كأكبر صفقة في تاريخ السلاح بـ 142 مليار دولار مع العربية السعودية. وتبقى هذه الصفقة مجرد إعلان نوايا مثلها مثل الصفقة التي أعلنها سنة 2017 بـ 417 مليار دولار، ولم ينفذ منها تقريبا أي شيء.
وتتناول وسائل الإعلام الدولية خبر صفقة الأسلحة مع العربية السعودية، وتقدمها بأنها أكبر صفقة سلاح في التاريخ. غير أن معطيات الواقع تشير إلى صعوبة تنفيذ هذه الصفقة لأسباب لوجستية كذلك السياسة التي تتبناها العربية السعودية في التسلح والصناعة العسكرية.
وفي هذا الصدد، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في لقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن واشنطن ستبيع الرياض أسلحة بقيمة 417 مليار دولار، وتبين بعد نهاية ولاية ترامب في كانون الثاني/يناير 2021 أن المبيعات لم تتعد بضع مليارات دولار لا تصل إلى أصابع اليد الواحدة. ويتكرر سيناريو إعلان الصفقة مجددا في ايار/مايو 2025، أي بعد ثمان سنوات. ويجري الحديث عن أكبر صفقة سلاح في التاريخ، لكن المحللين تناسوا مآل صفقة 2017 للقياس عليها لمعرفة هل يمكن الاعتماد على إعلان صفقات ترامب أم انتظار تسليم السلاح؟ وكانت دراسة دقيقة لهيئة التحقيقات التابعة للكونغرس الأمريكي قد أظهرت سنة 2017 أنه يوجد فرق كبير بين إعلان الصفقات وتنفيذها، وتبين لها أن مختلف الصفقات بالكاد يتم تنفيذ 20 في المئة فقط مما جرى الإعلان عنه. وعليه، لا يمكن انتظار تنفيذ الصفقة الحالية، ولن تكون الأكبر من نوعها في التاريخ للأسباب التالية:
أولا، جاء الإعلان عن الصفقة من طرف الرئيس ترامب كإعلان يقترب من شعار انتخابي وليس نتيجة اجتماعات لجنة من الخبراء السعوديين والأمريكيين، إذ أن الصفقات العادية تتطلب فترة زمنية طويلة من الدراسات لمعرفة وتحديد الاحتياجات بدقة، وتنسيق جداول التسليم، بدا هذا الإعلان مفاجئاً ويفتقر إلى السياق الفني والمؤسسي المعتاد في مثل هذه الترتيبات. ويضاف إلى هذا، لم يتم نهائيا تحديد نوعية الأسلحة المتضمنة في الصفقة بل الاكتفاء بعناوين تجريدية مثل أسلحة للدفاع أكثر منها للهجوم. ونتيجة هذا، يبقى التساؤل: في غياب تحديد نوعية السلاح، كيف تم تحديد المبلغ؟
ثانيا، عملية المصادقة على الصفقات العسكرية في الولايات المتحدة تتطلب مساطر معقدة من وزارة الخارجية والكونغرس والبنتاغون، وعادة ما يعارض الكونغرس الأمريكي الكثير من الصفقات مع الدول العربية الحليفة مثلما حدث مع العربية السعودية والإمارات العربية والمغرب خلال السنوات الأخيرة. مثلا، تعهد ترامب سنة 2019 ببيع الإمارات العربية مقاتلات إف 35، وألغت إدارة بايدن الصفقة ما جعل الإمارات تراهن على مقاتلة الرافال الفرنسية. ويكفي أنه بعد نهاية زيارة ترامب الحالية، أعلن نواب الحزب الديمقراطي في الكونغرس الأمريكي معارضتهم لبيع أسلحة للإمارات. في مثال آخر، تعهد ترامب سنة 2020 ببيع المغرب الطائرات المسيرة إم كيو 9، ولم يصادق الكونغرس على الصفقة ما جعل المغرب يتوجه إلى تركيا والصين لشراء الدرون الحربي. ولا تنقص الأدلة، وما زالت الرياض تنتظر التوصل بأنظمة ثاد للدفاع الجوي. يضاف إلى هذا أن إنتاج الأسلحة يتطلب ما بين سنتين إلى ثماني سنوات، ونظرا لسياسة عدم الاستقرار في البيت الأبيض بمعنى أن رئيسا يتخذ قرارا ويلغيه خلفه، يصبح التراجع عن الصفقات المزمع توقيعها مع الإمارات والسعودية بالأمر الوارد جدا إذا وصل الديمقراطيون إلى الحكم في ظرف أربع سنوات.
ثالثا، ويبقى الإشكال الكبير ما الذي ستبيعه الولايات المتحدة للسعودية خلال السنوات المقبلة لتحقيق مبيعات 142 مليار دولار. في هذا الصدد، يجري الحديث عن أسلحة دفاعية، وهذا يعني أن واشنطن لن تصادق على مبيعات المقاتلات المتطورة مثل إف 35، ولا تبيع نهائيا المقنبلات ولا تبيع سفنا حربية مثل المدمرات أو حاملات الطائرات. ويبقى مبلغ 142 مليار دولار ضخما للغاية. في الوقت ذاته، الجيش السعودي هو متوسط إلى قوي وليس بالجيش الكبير الذي ينتشر في عدد من مناطق العالم مثل الفرنسي والبريطاني، ولا حتى التركي الذي بدأ يمتلك قواعد في الخارج. ولا يمكنه نهائيا استيعاب أسلحة كثيرة، لأن شراء أسلحة كثيرة خلال السنوات المقبلة بقيمة 142 مليار دولار يعني إعادة هيكلة الجيش من جديد. ومن باب الافتراض أن السعودية ستشتري هذه الأسلحة، فهذا يعني أنها يجب أن تشتري أكثر من 300 طائرة إف 35، و500 طائرة مروحية أباتشي، ومدمرات وخمس حاملات طائرات وعشر غواصات وعشرين من أنظمة ثاد، وهذا مستحيل عمليا.
رابعا، لا يمكن لدولة مثل العربية السعودية المغامرة بميزانية ضخمة مثل 142 مليار دولار لشراء أسلحة أمريكية فقط، في وقت تختلف فيه الآن أجندة الجيش السعودي عن الماضي، وتسعى إلى تنويع أسواق السلاح بالانفتاح على السوق الصينية والتركية والتنسيق مع باكستان. في الوقت ذاته، الرهان على المشاركة في التصنيع، وهي تمتلك برامج مع باكستان والصين وتركيا. ولا تريد السعودية أن تبقى الدولة ذات الوزن في الشرق الأوسط من دون صناعة عسكرية بينما دول بدون موارد مالية كبيرة مثل إيران وتركيا وباكستان قد قطعت خطوات عملاقة في هذا المجال. ولهذا، فهي تبحث عمن يساعدها على صناعة الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي وكذلك إنتاج المسيرات. وقد اتفقت مع تركيا على إقامة مصنع في الأراضي السعودية لهذا الغرض.
وأخيرا، تدرك العربية السعودية أن الأسلحة التي ستحصل عليها من الولايات المتحدة ستكون بشروط، ومنها عدم القدرة على التحكم في تشغيلها بشكل تام وبكل حرية، إذ يمكن للبنتاغون وقف تشغيل بعض المقاتلات وأنظمة الدفاع. وهذا من الأسباب التي جعلت بعض الدول تتريث في شراء أسلحة أمريكية ومنها مقاتلات إف 35.
في غضون ذلك، يبقى ما سمي بأكبر صفقة سلاح في التاريخ هي الأولى التي لم يتم تحديد مضمونها، وقد تكون مثل سابقتها سنة 2017 عندما قال ترامب إنه اتفق مع السعودية على صفقة أسلحة بـ417 مليار دولار، ولم تنفذ نهائيا.