“كُنْ شرِسًا وأنتَ تدافِع عن الحقّ، فهذا العالم المُتوحِّش لا يحتمِل المزيد من الجبناء”. (تشي جيفارا).
ad
لا يوجد لدينا أدنى شكٍّ بأنّ حرب غزّة أسقطت القناع عن القناع، وكشفت عن أولئك الذي لا يُميِّزون، أوْ لا يرغبون بذلك، بين الغثّ والسمين، كما أكّدت الحرب أنّ العرب، قيادةً وشعوبًا، هم ليسوا أكثر من ظاهرةٍ صوتيّةٍ، وأنّ تصريحاتهم لا تعدو كونها جعجعةً دون طحينٍ، والزعماء تحديدًا يملؤون كروشهم بهدف المحافظة على عروشهم المُهتزّة والمهترئة، ويعملون دون كللٍ أوْ مللٍ على قمع الشعوب واستغلال جيوشهم الجرارّة للعروض العسكريّة، ولذا نقول ونفصِل إنّ مَنْ يُعوِّل عليهم لا يُعوَّل عليه.
***
ad
الادعاء أو الزعم بأنّ إسرائيل مدعومةً من الولايات المُتحدّة الأمريكيّة بشكلٍ خاصٍّ، ومن الغرب بصورةٍ عامّةٍ، رغم صحّته ودقّته، إلّا أنّ التشبث به يدخل في إطار العذر الأقبح من الذنب، ولا يشفع لنا، كعربٍ وكمُسلمين، أنْ نلوم الآخر لتبرير حالة الذُلّ والهوان التي وصلنا إليها، لذا يجِب توجيه السؤال: وأنتم يا سادتي غير الكرام، ماذا فعلتم كي تتحرّروا من هذه المصيبة؟ أين أموالكم؟ أين مشاريعكم؟ ماذا مع إستراتيجياتكم الهادفة لتغيير هذا الوضع في الشرق الأوسط، الذي أصبح فيه سادةً وعبيد؟
***
وهنا المكان وهذا الزمان للتذكير: في الثالث من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، عندما كان أرئيل شارون، رئيسًا للوزراء في إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. شيمعون بيريس، حذّر في الجلسة عينها من أنّ عدم موافقة الكيان على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبًا على العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة. شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة العبريّة، والتي لم ينفِها آنذاك رئيس الوزراء، ردّ على مطلب بيريس بالقول: “لا تقلق بشأن الضغط الأمريكيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك”. وتابع شارون: “أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين”، لافتًا إلى أنّ اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام بالولايات المُتحدّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونغرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. النفوذ اليهوديّ، تابع شارون، يُهيمن تمامًا على الساحة الأمريكيّة، مؤكِّدًا: “السفارة الإسرائيليّة في واشنطن هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود الأثرياء جدًا في أمريكا”، قال شارون لبيريس.
***
نقولها بحسرةٍ وألمٍ شديديْن إنّ العرب لم يفعلوا أيّ شيءٍ لتغيير هذا الغُبنْ الجائر، إنْ جاز التعبير، وكأنّه كُتِبَ علينا أنْ نعيش تحت قبضة الأمريكيّ الأبيض والصهيونيّ المُتغطرس، ونتراقص على موسيقى أنغامهما النشاز، لا بلْ أنكى من ذلك، عوضًا عن اتخاذ المواقف وتنفيذها، اختارت، هذا إذا سلّمنا أنّها تملك خيار القرار، الأنظمة العربيّة بسوادها الأعظم، وليس من منطلق (مكره أخاك لا بطل) أنْ تكون “شُرّابة خُرج” لواشنطن وتل أبيب، والمعروف أنّ (شُرّابة خُرج) هي عبارة تُقال عن الإنسان الذي لا يقوم بأيّ دورٍ وليس لوجوده أيّ نفعٍ ولا ضررٍ. والخُرج، بضمّ الخاء، هو الجراب أو الكيس الذي تُوضَع فيه الأشياء حتى تُحمَل، والشرّابة، بضمّ الشين وتشديد الراء، هي زينة تُوضَع على طرف الخراج، فإذا لم تكن هناك شُرّابة فلا ضير لأنّها مجرد زينة، فإذا كنتم زينة أقيموا المتاحِف واعرضوا أنفسكم فيها.
***
المؤسِف، المُعيب والمُستفّز أنّ الأنظمة العربيّة، وعلى نحوٍ خاصٍّ المُطبِّعة مع دولة الاحتلال، رفعت راية الاستسلام، وليس الهدنة أو السلام، حتى قبل إطلاق رصاصةٍ واحدةٍ، أيْ هَزَمَتْ نفسها بنفسها، ففيما يُقتَل الفلسطينيّ بأسلحةٍ أمريكيّةٍ في غزّة، يُستقبَل الرئيس العجوز، دونالد ترامب، استقبال الملوك في عدّة دولٍ خليجيّةٍ، التي تُبدي كرمًا حاتميًا وتُغدِق عليه الهدايا، في رسالةٍ واضحةٍ وحادةٍ كالموس: اجتزنا مرحلة الخجل والوجل، وباتت اللعبة الآن على المكشوف، نعم، تركتم الشعب العربيّ-الفلسطينيّ يُذبَح من الوريد إلى الوريد، تمامًا مثل الأيتام على موائد اللئام. هل هذه هي النخوة العربيّة؟ أمْ الشهامة العربيّة؟ وأنتم الذين صدّعتم رؤوسنا بعبارات التعاضد والتماسك والشجب والاستنكار والتعبير عن الامتعاض، التي لا تُسمِن ولا تُغني عن جوعٍ ولا تُساوي الورق الذي تُكتَب عليه، دعونا من النخوة والشهامة، هيّا، من فضلكم، يا مَنْ تنطقون بالضاد، نتحدّث عن كوننا بشرًا قبل كوننا عربًا، أين اختفت إنسانيتكم؟ تذّكروا مقولة الفيلسوف الراحِل، جبران خليل جبران “ما أسهل أنْ تكون متدينًا، وما أصعب أنْ تكون إنسانًا، الإنسانية نهرٌ من النور يسير من أودية الأزل إلى بحر الأبد”!
***
أناشدكم من على هذا المنبر، ولا أقول أشُدّ على إياديكم، القطار فاتكم، والتاريخ لن يرحمكم، وشعوبكم لن تُسامِحكم على هذه المواقف الراضِخة لاستعلاء الأمريكيّ ولعنجهيّة الإسرائيليّ، برّبكم ودينكم، كيف تُفسِّروا لأنفسكم ولشعوبكم أنّ مواقف بعض الدول الغربيّة أصبحت مُشرّفةً أكثر من مواقفكم، كفى أنْ تتابعوا الفضائيات لتُشاهدوا بأمّ أعينكم المظاهرات الجبارّة نُصرةً لفلسطين، في حين أصيب الإنسان العربيّ، بسبب استبداد الأنظمة الحاكِمة، بالشلل التّام في كلّ ما يتعلّق بدعم فلسطين الداميّة والجريحة. تذّكروا مقولة أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهن أمهاتهم أحرارًا”.
***
وأخيرًا، أقولها بملء الفمّ وعلى رؤوس الأشهاد، والله أخجل من عروبتي، ربّما عروبتي تخجِل منّي ومنّا جميعًا، لم أكُن أتصوّر أنْ ننحدِر إلى هذا الدرك الأسفل، ولكن في حالتنا العينيّة يبدو أنّ الواقع تفوّق على الخيال، مع أنّ ذلك لا يحدث إلّا لمامًا.
كاتبٌ عربيٌّ من بلدة ترشيحا، شمال فلسطين