ارتفعت سحب الدخان فجراً في سماء قضاء أبي الخصيب جنوبي البصرة، بعدما دوّت أصوات الرصاص بين النخيل، معلنة فصلاً جديداً من فصول الثأر العشائري الذي لا يخمد إلا ليشتعل من جديد، فشهدت الليلة الدامية مقتل ستة أشخاص وإصابة أربعة آخرين، في اشتباك دموي بين أبناء العمومة من عشيرة واحدة، في نزاع متجذر لم تنفع فيه جهود الصلح ولا هدوء الليل.
وأكدت مصادر محلية أن الاشتباك المسلح اندلع بسبب “ثأر قديم يعود إلى عام 2019″، حين قُتل شاب في ظروف غامضة، لتُعاد فتح الجراح اليوم إثر شجار تطور إلى استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فيما نشر حساب “صوت البصرة الحر” عبر منصة X (تويتر سابقاً) مقطعاً صوتياً يُظهر دوي الرصاص المتواصل، مع تعليق: “كأنها ساحة حرب لا منطقة سكنية، وأين الدولة؟”.
وانتشرت القوات الأمنية فوراً في محيط النزاع، حيث أفاد مصدر أمني بأن “12 شخصاً تم اعتقالهم من الجانبين، وضُبطت ست سيارات مسلحة استخدمت في الاشتباك”، فيما نُقل القتلى إلى دائرة الطب العدلي، والجرحى إلى مستشفى الفيحاء تحت حراسة مشددة خشية تفجر الجولة الثانية من العنف.
وتحدث مواطن يدعى (أبو محمد) قائلاً: “صوت السلاح أقوى من صوت القانون، نحن نعيش في خوف دائم، حتى المناسبات العائلية تحولت إلى ذكرى أليمة”، فيما غرد حساب باسم “علي العبودي” قائلاً: “الناس في البصرة تموت بالرصاص العشائري أكثر من ضحايا الحروب، من سيوقف هذا النزيف؟”.
وأظهرت إحصائية حديثة صادرة عن مرصد الحشد المدني للبصرة أن “أكثر من 41 نزاعاً عشائرياً مسلحاً اندلع في المحافظة منذ بداية عام 2025، تسببت في مقتل 62 شخصاً وإصابة 139 آخرين، غالبيتهم من المدنيين”، في مشهد يؤكد أن الأزمة باتت تتجاوز الأطر المحلية، وتلامس حدود الأمن الوطني.
وانعكست هذه الأوضاع على المشهد الاجتماعي، حيث أغلقت بعض المدارس أبوابها في مناطق متأثرة، وامتنعت عائلات عن إقامة حفلات زفافها، خوفاً من امتداد العنف، وسط دعوات تطالب بـ”نزع السلاح العشائري” ووضع حد لما وصفه أحد النشطاء بـ”ثقافة الكفن بدل القانون”.
وغابت حتى الآن أي مبادرات مصالحة رسمية، فيما اكتفت القيادات الأمنية ببيان مقتضب أعلن عن “السيطرة على الموقف”، من دون الإشارة إلى الجذور المتكررة للأزمة التي تتغذى على ضعف الدولة وفائض السلاح.
وارتفعت أصوات المواطنين في وسائل التواصل، تترجم وجع المدينة المحاصرة بالثأر والانتقام، حيث كتب أحد المدونين: “نحن في أبي الخصيب لا ننتظر الكهرباء، بل ننتظر من يوقفنا عن قتل بعضنا البعض”.