يتوقع مراقبان من بغداد والقدس، عودة المواجهة بين إيران وإسرائيل خلال الأيام المقبلة وبشكل “أكثر ضراوة وقسوة” من حرب 12 يوماً (13 – 24 حزيران/ يونيو 2025)، باستهداف تل أبيب القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية من الصف الأول، فضلاً عن مواقع أكثر حساسية وأهمية من الحرب السابقة.
وبينما يرى المراقبان أن تأثيرها سيمتد إلى دول المنطقة وخاصة العراق باعتباره أحد أهم الأذرع المتبقية لإيران التي لم تُستهدف حتى الآن، يشير باحثان إيرانيان إلى أن اتساع الحرب – في حال اندلاعها مجدداً – إلى مناطق أخرى يتوقف على الطرف الآخر المهاجم.
فمن طهران، يقول أستاذ العلاقات الدولية هادي عيسى دلول، إن “إسرائيل لم تواجه إيران مباشرة في الحرب الأخيرة، بل تمكنت من اختراق شرق البلاد وتجهيز الطائرات المسيّرة، وهذا ما اعتمدت عليه طيلة الحرب بنسبة 90 بالمئة، أما 10 بالمئة الباقية فقد نفذتها واشنطن باستخدام طائراتها في القصف، لأن الطيران الإسرائيلي لم يتمكن من اختراق أجواء البلاد أكثر من 85 كم”.
وعن الظروف الحالية يؤكد دلول أن “منطقة شرق إيران تمت معالجتها عبر ضبط جميع الشبكات وتفكيك مستودعات الأسلحة، وبالتالي نسبة 90 بالمئة لم تعد موجودة، والمتبقي 10 بالمئة فقط الأمريكية، لذلك لا يمكن للكيان الصهيوني استهداف أي موقع داخل البلاد، ما قد يدفعه إلى تنفيذ استهدافات خارج إيران بقصف مقرات دبلوماسية وغيرها”.
ويستبعد الباحث الإيراني “قدرة الكيان على خوض حرب جديدة في ظل عدم استعداد واشنطن لها، وبالتالي إسرائيل لن تفعل شيئاً بلا واشنطن، لأن قوتها غير كافية لمواجهة طهران”، على حد تعبيره.
ورغم أن هذه الرؤية يتفق عليها أيضاً الباحث في الشأن الإيراني، صالح القزويني، بأن “الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي الأخير كان درساً كبيراً لمنعه من العودة إلى العدوان مجدداً”، لكنه يستدرك قائلاً إن “شر هذا الكيان لا يؤمّن خاصة في ظل محاولته إطفاء أي مقاومة له في المنطقة”.
ويوضح القزويني أن “الكيان الصهيوني يريد إضعاف الجميع في المنطقة ونزع سلاح المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وحتى في إيران، لذلك لا يستبعد أن يكون هناك عدوان جديد رغم أن الكيان عرف القدرات الإيرانية الكبيرة وأنها قادرة على الدفاع عن نفسها”.
وفيما يتعلق بفرضية اتساع الحرب إلى مناطق أخرى حال اندلاعها مجدداً، يرى القزويني أن “اتساع الحرب يتوقف على الطرف الآخر، فإذا كانت المواجهة مقتصرة بين إسرائيل وإيران، فلن تكون الحرب شاملة، لكن إذا شارك الآخرون بما فيهم الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى في هذه المواجهة، فمن المرجح أن تتسع الحرب وتنتقل إلى مناطق أخرى”.
ويعلل ذلك بالقول “كما أن الآخرين يدافعون عن الكيان الصهيوني، فإن حلفاء إيران في المنطقة يدافعون عن إيران أيضاً، لكن يبقى هذا متوقفاً على الطرف الآخر وإلى أين يريد إيصال الحرب مع إيران”.
ومن طهران إلى بغداد، يرى الخبير الأمني، مخلد الدرب، أن “عودة المواجهة ما بين الكيان وإيران سيكون لها تأثير على العراق، باعتباره أحد أهم الأذرع الفاعلة المتبقية لإيران ولم تُستهدف بخلاف حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن”.
ويتوقع الدرب أن “في حال إسناد الجبهة الإيرانية من العراق، فإنه سيكون هناك ردة فعل إسرائيلية أو أمريكية على العراق، وبالتالي سيختل الأمن الداخلي، وقد تستغل هذا الوضع بعض الخلايا والمجموعات الإرهابية لخلط الأوراق وهذا ما يتم المراهنة عليه”.
وعن ملامح هذه المواجهة المرتقبة، تتطابق تحذيرات الدرب مع ما أورده الباحث في الشؤون الإسرائيلية والأمريكية من القدس، حسين الديك، بأنها “ستكون أكثر ضراوة وقسوة وستكون قاضية على قوة إيران، وربما تستهدف القيادة السياسية والعسكرية من الصف الأول، لتؤدي إلى فوضى في داخل العمق الإيراني”.
وبينما يتوقع الدرب “استهداف إسرائيل مواقع أكثر حساسية وأهمية لإيران عن الحرب السابقة، عبر استهداف مصادر الطاقة والمياه والمواقع التي تؤثر على الاقتصاد الإيراني لغرض إيصال المجتمع إلى حالة من الفوضى والتذمر، وبالتالي المراهنة على تحريك الشارع ضد النظام”، يشير حسين الديك إلى أن هذه المواجهة “أخذت الضوء الأخضر الأمريكي”.
ويكشف الديك أن “الصحف الإسرائيلية تتوقع اندلاع المواجهة مع إيران قبل نهاية آب/أغسطس الجاري، لكن تل أبيب تنتظر نتائج المباحثات بين الدول الأوروبية وطهران حول برنامجها النووي، ولم يحدث أي اختراق في تلك المفاوضات لحد الآن، ما يعزز فرضية المواجهة القريبة”.
وعما يذهب إليه البعض من تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن إسرائيل، يؤكد الديك بشكل قاطع أن “هذا مستبعد تماماً، ولا يمت إلى الواقع بصلة، بل إن النظرة الأمريكية والإسرائيلية لمستقبل المنطقة هي استراتيجية السلاح الواحد في كل الدول”.
وما يؤكد هذه الاستراتيجية وفق ما يقول الديك في نهاية حديثه هي “المطالبات بنزع سلاح الفصائل ليس في غزة ولبنان فقط، وإنما في العراق أيضاً، فضلاً عن قطع التواصل كل من حماس وحزب الله والحوثيين والفصائل العراقية مع إيران”.