أكد وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله، أن انخفاض مناسيب المياه في بحر النجف يعد ظاهرة طبيعية ناجمة عن قلة تساقط الأمطار وعدم ورود السيول خلال الموسم الحالي.
وقال الوزير في بيان: إن “أسباب هذا الانخفاض ترتبط أيضاً بعدم وجود فائض من مياه الري والبزل، إضافة إلى غلق الآبار المتدفقة ذاتياً والسيطرة عليها للحفاظ على المياه الجوفية من الاستنزاف”. وأوضح أن “وزارة الموارد المائية ترفض منح بحر النجف كفرصة استثمارية لأي غرض غير زراعي، باعتباره منخفضاً طبيعياً يعتمد امتلاؤه على الأمطار والسيول الموسمية”.
وأشار إلى أن الوزارة اتخذت عدة إجراءات لضمان التوزيع العادل للمياه بما يتناسب مع الحدود الدنيا المطلوبة لتأمين الجريان البيئي لنهري دجلة والفرات، فضلاً عن إيصال المياه إلى محطات الإسالة التي تُعد أولوية قصوى، داعياً الحكومات المحلية والمزارعين إلى التعاون مع ملاكات الوزارة لتجاوز الأزمات.
من جانبه، يرى الخبير البيئي أحمد الراوي أن انخفاض مناسيب بحر النجف لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد “ظاهرة طبيعية”، بل هو مؤشر على هشاشة النظام المائي العراقي أمام المتغيرات المناخية.
وقال الراوي: إن “قلة الأمطار وعدم ورود السيول عوامل مؤثرة بلا شك، لكن المشكلة الأعمق تكمن في غياب سياسة متكاملة لإدارة الأحواض المائية والبحيرات الطبيعية”.
وأضاف أن “بحر النجف يُعد خزّاناً مائياً مهماً يسهم في تغذية الخزين الجوفي، كما أنه يؤدي دوراً بيئياً في تلطيف المناخ المحلي والحد من التصحر. لكن انخفاض مناسيبه المتكرر يفاقم مشكلات بيئية عدة، منها زيادة ملوحة التربة في محيطه وتراجع الغطاء النباتي، فضلاً عن تهديد التنوع الأحيائي في المنطقة”.
وأشار الراوي إلى أن أي خطة لمعالجة الوضع ينبغي أن تراعي استدامة البحر، من خلال مشاريع حصاد المياه، والاستثمار في تقنيات الخزن الاصطناعي للأمطار، وعدم تحويل البحر إلى مشاريع استثمارية غير زراعية. واعتبر أن “أهمية بحر النجف لا تقتصر على كونه مورداً مائياً، بل يمتد ليشمل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والدينية، ما يستدعي حمايته من الاستنزاف والإهمال”.
يُعد بحر النجف واحداً من أبرز المعالم الطبيعية في العراق، وهو منخفض واسع يمتد على مساحة تقدَّر بنحو 350 كيلومتراً مربعاً، يقع إلى الغرب من مدينة النجف الأشرف. كان البحر في العصور القديمة يتصل بمجرى الفرات عبر قنوات طبيعية، وكان يمتلئ بالمياه في مواسم الفيضانات والسيول، بينما يتحول في سنوات الجفاف إلى مساحات شبه صحراوية.
تاريخياً، لعب بحر النجف دوراً استراتيجياً في حماية مدينة النجف وكربلاء من الغزوات القادمة من الصحراء، إذ كان يشكل حاجزاً طبيعياً يصعب اجتيازه. كما أن المنطقة المحيطة به عُرفت بأراضيها الزراعية الخصبة عندما كانت مناسيب البحر مرتفعة.
أما في العصر الحديث، فقد تراجع حضور البحر كمورد مائي رئيس بسبب التغيرات المناخية وتراجع الأمطار، إلى جانب شح الإطلاقات المائية من دول الجوار. ومع ذلك، ما يزال البحر يحظى بمكانة خاصة، سواء من الناحية الدينية لقربه من مرقد الإمام علي (ع)، أو من الناحية الاقتصادية لارتباطه بالأنشطة الزراعية والرعوية.
ويجمع خبراء البيئة على أن مستقبل بحر النجف يعتمد على إدارة ذكية للموارد المائية، مع تبني سياسات جديدة لحصاد مياه الأمطار والسيول، وتطوير بدائل تكنولوجية تقلل من الهدر، إلى جانب الحفاظ على التوازن البيئي الذي يوفره وجود هذا البحر في قلب بيئة هشة تواجه تحديات متزايدة.