بغداد/المسلة:تهزّ الانتهاكات التركية المتكررة على الأراضي العراقية مشهد السيادة الهشّ، حيث تتصاعد أصوات الغضب الشعبي والسياسي مع كل غارة جوية أو توغل بري يطال شمال البلاد، لتطرح أسئلة صاخبة عن حدود قدرة الحكومة المركزية في بغداد على حماية أراضيها وإدارة ملفاتها الأمنية والدبلوماسية الحساسة.
التوسع التركي بلا قيود
ويتمدد الوجود العسكري التركي منذ سنوات في عمق إقليم كردستان العراق، بذريعة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني، غير أن تلك الذريعة سقطت مع انحسار نشاط الحزب في العديد من المناطق، فيما تواصل أنقرة تعزيز قواعدها العسكرية وإنشاء طرق لوجستية عابرة للحدود، الأمر الذي يحوّل شمال العراق إلى ما يشبه منطقة نفوذ تركي شبه دائم.
ردود رسمية باهتة
ويثير غياب الموقف الرسمي الحازم انتقادات متصاعدة، حيث تكتفي بغداد بإدانة شكلية أو استدعاء للسفير التركي بين الفينة والأخرى، فيما يتساءل مراقبون عن جدوى هذه الخطوات في ظل استمرار الضربات التركية التي تستهدف قرى ومناطق جبلية، مسببة نزوح العشرات من العائلات وسقوط ضحايا مدنيين.
فشل إخراج القوات الأجنبية
ويعكس عجز الحكومة عن إنهاء التواجد التركي صورة أوسع عن إخفاق بغداد في معالجة ملف القوات الأجنبية عموماً، حيث ما زالت البلاد مسرحاً لتواجد عسكري دولي متشابك، من بقايا التحالف الدولي ضد “داعش” إلى النفوذ الإيراني والأميركي المتنافس، ما يجعل العراق ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية أكثر من كونه دولة ذات سيادة كاملة.
مخاوف من سيادة منقوصة
ويخشى مراقبون أن تتحول الانتهاكات التركية المتكررة إلى أمر واقع يُفرض على الحكومة العراقية، بما يشجع قوى أخرى على التجرؤ على أراضي البلاد، في ظل ضعف الأداء الدبلوماسي وعدم وجود استراتيجية دفاعية متكاملة. ويشير محللون إلى أن تكرار التوغلات دون ردع كافٍ قد يعزز الانطباع بأن العراق دولة عاجزة عن حماية حدودها الشمالية.
أصوات غاضبة في الداخل
ويعبر ناشطون على منصات التواصل عن استيائهم من المواقف الرسمية، حيث كتب أحدهم على منصة “إكس”: “كل يوم تُنتهك أرضنا وسيادتنا ولا نسمع سوى بيانات تنديد”، فيما غرّد آخر قائلاً: “تركيا تتوسع، والحكومة تكتفي بالاستنكار… السيادة لا تُصان بالبيانات”. وتكشف هذه التدوينات عن فجوة واسعة بين الشارع والسلطة، وعن شعور متزايد بالخذلان الوطني.
مستقبل مجهول للحدود
ويتخوف خبراء من أن استمرار التوسع العسكري التركي دون أفق للحل سيزيد من هشاشة الوضع الأمني، خاصة مع احتمال استغلال جماعات مسلحة أخرى للفراغ السيادي. ويحذر محللون من أن أي صدام مباشر قد يشعل جبهة جديدة في بلد لم يتعافَ بعد من عقدين من الحروب والأزمات.