لندن- “القدس العربي”: نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرًا أعده جيسون بيرك قال فيه إن خطة ترامب المكونة من 20 نقطة لوقف الحرب في غزة أجبرت المتنافسين في المنطقة على دفن خلافاتهم والتعاون بعد سنوات من التنافس.
وقال إنه إذا كانت للحرب عواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط، حيث قلبت الافتراضات الراسخة وأعادت رسم الخريطة الجيوسياسية، وأثارت تحولات هائلة في الرأي العام، فمن المرجح أن يكون لأي سلام دائم آثار بالغة الأهمية.
نايتس: يمكنكم رؤية العراق ينجذب الآن نحو المحور العربي، وهذا تحول كبير. إنه يدرس حتى المساهمة بقوات في غزة
ونقل الكاتب عن مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، والمقيم حاليًا في القاهرة: “لم يمضِ سوى أقل من عشرة أيام، ونحن نشهد انتهاكات متعددة لوقف إطلاق النار من جانب إسرائيل وحماس. أعتقد أنه بعد كل هذا الدمار وإراقة الدماء، سيستغرق الأمر بعض الوقت للتحرك في أي اتجاه إيجابي”.
إلا أن الطريقة التي انتهت بها الحرب كان لها بالفعل تأثير كبير على سياسات المنطقة. فقد أدت فكرة الرئيس دونالد ترامب لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بدون سكانها الفلسطينيين إلى حشد القوى الإقليمية بطريقة غير مسبوقة، ثم تسارعت الأمور بعد خطة ترامب وتنفيذ مراحلها.
ذلك أن التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى من الخطة جاء بعد الضغط الأمريكي على إسرائيل، بالإضافة إلى الضغط القوي من قطر وتركيا على “حماس”. وباتت قطر الآن في دائرة القوى التي يثق بها ترامب، وكذلك رجب طيب أردوغان، الزعيم التركي المخضرم، الذي أشاد به الرئيس الأمريكي في القمة التي عُقدت على عجل في شرم الشيخ، المنتجع المصري، الأسبوع الماضي، ووصفه بأنه “شخصية قوية” و”صديق”. ولم تكن هذه دائمًا وجهة نظر الرئيس الأمريكي الزئبقي، ولم يشاركه بها دائمًا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان ظاهريًا شريكه في استضافة القمة.
ومع ذلك، حدث تحول هنا أيضًا، وتُعتبر تركيا ومصر، وربما الأردن، من أبرز المرشحين للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية الجديدة في غزة. وسيتيح هذا الأمر لكل من تركيا ومصر فرصًا، ولكنه ينطوي أيضًا على مخاطر. وستحاولان تقليل الاحتكاك، على الأقل في المدى القريب. وقد رصد مراقبون مطلعون تفاصيل أخرى من القمة تشير إلى تحولات محتملة أكبر.
وكان من بين القادة في شرم الشيخ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي يواجه معركة شرسة للفوز بولاية ثانية في انتخابات ستُجرى في أقل من شهر، والتقط صورة مع ترامب، ووصف توني بلير، مرشح الرئيس الأمريكي لقيادة “مجلس السلام”- وهي هيئة من التكنوقراط الفلسطينيين من المقرر تشكيلها لإدارة غزة بموجب خطة العشرين نقطة- بأنه “صديق عزيز للعراق”، وربما أثار هذا دهشة في المنطقة، بل وأبعد من ذلك.
وكان العراق جزءًا من دائرة النفوذ الإيراني منذ الغزو الأمريكي عام 2003، لكن هذا الوضع ربما بدأ بالتغير الآن، حسب مايكل نايتس، رئيس قسم الأبحاث في شركة الاستشارات العالمية “هورايزون إنغيج” والمحلل المخضرم في شؤون العراق.
وأضاف نايتس: “يمكنكم رؤية العراق ينجذب الآن نحو المحور العربي، وهذا تحول كبير”، مشيرًا إلى أنه يفهم أن بغداد تدرس حتى المساهمة بقوات في قوة الاستقرار الدولية المخطط لها في غزة.
وعلّق بيرك بأن هذا التحول نحو الدول العربية قد يُغضب طهران، لكن وقف إطلاق النار يترك القيادة الإيرانية في مواجهة تقييم قاتم لنتائج 24 شهرًا من الصراع، حيث كشفت حرب إيران القصيرة مع إسرائيل عن ضعفها العسكري. ولا شك أن برنامجها النووي الباهظ التكلفة قد تضرر، حتى وإن لم نكن نعرف حجم الضرر، وأُعيد فرض العقوبات الأوروبية والبريطانية والأمريكية.
بيرك: كل قائد في المنطقة يدرك جيداً الغضب الشعبي إزاء حرب غزة
بالإضافة إلى ذلك، يعلن وقف إطلاق النار نهاية تحالف الجماعات المسلحة المتفاوتة الكفاءة والاستقلالية والالتزام، والذي كان محور إستراتيجية طهران “الدفاع الأمامي”. فقد أصبح “حزب الله” في لبنان مجرد ظل لما كان عليه سابقًا، ويواجه مستقبلًا غامضًا، بما في ذلك احتمال نزع سلاحه. أما نظام الأسد الصديق في سوريا، فقد انتهى. وقد توقفت “حماس” للتو عن القتال، وقد تُجبر على تسليم أسلحتها التي تهدد إسرائيل. ويعتقد نايتس أن وقف إطلاق النار قد يكون بمثابة محرك للتكامل داخل المنطقة.
وسيُعيد فتح الحديث عن الروابط البرية الرئيسية من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى الحوار الأوسع حول التطبيع [الدبلوماسي والاقتصادي] مع إسرائيل.
وفي الوقت الحالي، يقول بيرك إن كل قائد في المنطقة يدرك جيدًا الغضب الشعبي إزاء حرب غزة، التي دمرها هجوم إسرائيلي أودى بحياة 68,000 شخص. لكن وقف إطلاق النار يعني أن الحديث عن توسيع اتفاقيات أبراهام، وهي اتفاقيات التطبيع التي اتفقت عليها أربع دول عربية قبل خمس سنوات، أصبح ممكنًا نظريًا، على الرغم من أن مسألة الدولة الفلسطينية المستقبلية تلوح في الأفق. وقال ترامب إن الاتفاق الذي توسّط فيه يتجاوز غزة بكثير، حيث كان يشير إلى إمكانية تطبيع إسرائيل العلاقات مع السعودية، وإندونيسيا أيضًا، وربما دول أخرى.