بغداد/ تميم الحسن
بدأت فصائل مسلّحة بتقليص عدد عناصرها داخل المقرّات بشكل ملحوظ، في إجراء احترازي خوفاً من هجمات محتملة.
وتزامنت هذه الإجراءات مع شكاوى عراقيين، الأسبوع الماضي، من “تشويش” على بعض تطبيقات الهاتف المتعلقة بالخرائط.
ويبدو أن هذه التحركات تأتي في ظل توتر أمني متصاعد وتبادل رسائل حاد بين طهران وواشنطن، نُقلت تفاصيله إلى مسؤولين عراقيين رفيعين خلال الأسبوع الأخير.
وكشفت معلومات أن بعض الفصائل المسلّحة، ضمن مايعرف بـ”محور المقاومة”، بدأت بتنفيذ إجراءات احترازية جديدة تمثّلت “بتخفيض كبير لمقاتليها داخل المقرات، وجعل التواجد بنسبة 20 او 30% فقط من المجموع الكلي للعناصر”.
وبحسب المعلومات المتداولة عبر جهات امنية، فإن التخفيض اقتصر على العناصر البشرية فقط، في حين لم تُسجّل عمليات نقل أو تفريغ للآليات والمركبات من داخل المقرات، ما يشير إلى أن الخطوة تهدف إلى تقليل الخسائر البشرية في حال وقوع ضربات جوية أو استهداف دقيق، أكثر من كونها عملية انسحاب ميداني. وكانت الفصائل قد أجرت، في أيلول الماضي، عمليات إخلاء لعدد من مقارّها تزامناً مع تصاعد التهديدات باحتمال استئناف المواجهة بين إسرائيل وإيران.
وفي الشهر الماضي، قرّرت واشنطن إدراج أربع مجموعات مسلّحة ضمن لائحة العقوبات، فيما كشفت “حركة النجباء”، إحدى أبرز تلك الفصائل، أن القوات الأمنية العراقية “مخترقة” من قبل دول غربية، معتبرة أن ذلك يشكّل خطراً عليها.
عطل في الخرائط !
بموازاة ذلك، سجّل عدد من العراقيين خلال الأيام الخمسة الأخيرة شكاوى من تعطّل تطبيقات الخرائط على الهواتف الذكية، وهي التطبيقات التي تعتمد عليها شركات النقل والتوصيل في عملها اليومي.
ورجّحت صفحات إلكترونية قريبة من الحكومة، ومتخصّصة بالشأن التقني، أن تكون هناك عمليات “تشويش مقصودة” قد تستمر حتى ما بعد الانتخابات المقرّرة في 11 تشرين الثاني المقبل.
وبرّرت تلك الصفحات الإجراءات بأنها تهدف إلى منع استغلال تطبيقات الخرائط في تتبّع مراكز الاقتراع أو الشخصيات السياسية خلال فترة الانتخابات، ووصفتها بأنها “إجراءات سيادية “تندرج ضمن ما سمّته “مفهوم الأمن الذكي”.
ودافعت الصفحات عن هذه الإجراءات بالقول إنها تعكس نضج الأجهزة الأمنية في إدارة التوازن بين الحرية الرقمية والأمن الوطني، بحسب ما ورد في منشوراتها.
وتصاعدت تنبيهات المستخدمين بشأن وجود خلل في تطبيقات الخرائط، عقب مكالمة أجراها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، مساء الثلاثاء الماضي، مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وخلال الاتصال، شدّد الوزير الأميركي على أهمية نزع سلاح الميليشيات المدعومة من إيران، معتبراً أنها تقوّض سيادة العراق وتهدّد حياة ومصالح الأميركيين والعراقيين، وتنهب موارد البلاد لصالح طهران.
وجاء ذلك بالتزامن مع تسريبات تحدّثت عن وجود قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني في بغداد ولقائه زعامات شيعية بارزة. كما رافقته تحذيرات صدرت عن مسؤولين إيرانيين من “مخطط أميركي لاحتلال العراق”، وفق ما نُقل عن لقاء جمع مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي مع رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء عبد الرحيم موسوي، خلال زيارة الأعرجي الأخيرة إلى طهران.
وكانت واشنطن قد أعادت الدفء إلى علاقاتها مع بغداد، وفق دبلوماسي عراقي سابق، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إرسال مبعوثه الجديد إلى العراق، مارك سافايا، وهو من الأصول العراقية المسيحية.
وأكد سافايا، يوم الجمعة الماضي، أن مهمته تركز على إعادة بناء الثقة وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، بحسب ما ذكرت مواقع إخبارية أميركية.
“الحرب المتقطعة”
بدوره يرى الباحث في الشأن السياسي المقيم في أستراليا، أحمد الياسري، أن استراتيجية “قطع الأطراف الإيرانية” تمثل سياسة أميركية متواصلة منذ سنوات، وتندرج ضمن التداعيات غير المباشرة لحرب ” 7 أكتوبر”.
وقال الياسري إن هذه الاستراتيجية تعني أن “كلّ الأطراف المرتبطة بإيران في المنطقة، بما في ذلك العراق والفصائل المسلحة، يجب إضعافها أو تهميش دورها لإلحاق الضرر بإيران والحدّ من قدراتها الصاروخية والعسكرية”.
وأضاف: “هناك موجات متقطعة وحرب متقطعة بين أميركا وإيران لا تؤدي إلى اضطراب إقليمي واسع على غرار حرب الخليج، وفي الوقت نفسه تحقق أهداف الحرب”. وأشار أيضاً إلى أن إيران بدأت تغيير تكتيكاتها في هذا الصراع المتقطع، واستعدت لاستيعاب الصدمات، ووضعت استراتيجية تستند إلى اتفاقيات قديمة وحديثة مع كل من روسيا والصين.
وفي أيلول الماضي، كشفت عن رسالة أميركية وصلت إلى زعماء شيعة بارزين نصّت على “تجنّبوا الضربة الإسرائيلية”، وهو تحذير نُقل لاحقاً إلى أطراف “الإطار التنسيقي” وقوى سياسية عراقية أخرى.
وكانت التقديرات تشير إلى أن مبررات الهجوم الإسرائيلي المحتمل قد تتعلق باستهداف فصائل محلية تستضيف مسلحين أجانب في العراق، مثل حركتي “حماس” و”الحوثيين”.
وفي هذا الإطار، كان قد سافر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى العاصمة القطرية الدوحة، وطلب ضمانات بعدم تعرض العراق لضربات عسكرية، وفق محللين، بعد أن تسلّمت بغداد تقريراً استخباراتياً يشير إلى احتمال تنفيذ هجوم إسرائيلي.