الوثيقة | مشاهدة الموضوع - لماذا يواصل العراقيون منح أصواتهم لرؤساء الحكومات في كل انتخابات؟
تغيير حجم الخط     

لماذا يواصل العراقيون منح أصواتهم لرؤساء الحكومات في كل انتخابات؟

مشاركة » الأحد نوفمبر 16, 2025 12:48 am

1.jpg
 
شهدت الانتخابات العراقية منذ عام 2005 تصدّر قوائم رؤساء الحكومات للنتائج ضمن المراكز الثلاثة الأولى، في ظاهرة يربطها خبراء بعوامل نفسية واجتماعية وغياب البرامج الانتخابية، إضافة إلى اتساع جمهور يعتمد على الخدمات المباشرة والتعيينات.
وقبل عشرين عاما، ومع انتهاء أول انتخابات تُجرى في العراق لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان عام 2005، تشكّلت لدى الناخب العراقي رؤية وُصفت بأنها «مُثيرة للاستغراب»، إذ تصدرت قوائم رؤساء الحكومات جميع الانتخابات اللاحقة وصولا إلى الانتخابات الأخيرة، وكانت دائما ضمن المراكز الثلاثة الأولى.
توجّه الناخب العراقي نحو قائمة رئيس الحكومة، الذي يشارك في كل دورة انتخابية، أثار تساؤلات عديدة. وقد عُزي ذلك لأسباب نفسية تتعلق بفكرة «الرجل القوي»، فضلا عن غياب البرامج الاقتصادية والاجتماعية لدى الأحزاب، ما يدفع الناخب لإعادة انتخاب المسؤول «المجرَّب»، إضافة إلى تكوّن قاعدة «جمهور زبائني» عبر التعيينات والخدمات البلدية.
وشهد عام 2005 أول انتخابات برلمانية جرى فيها التصويت وفق التوجهات العقائدية والمناطقية، وروّجت القوائم على هذا الأساس، في وقت لعبت مؤسسات دينية كبيرة دورا في استمالة الناخبين. وكانت نسبة المشاركة فيها الأعلى بتاريخ الانتخابات العراقية بـ76%.
وبعد تلك الانتخابات وتشكيل أول حكومة، بدأت بوصلة التصويت تتغير. وفيما يلي استعراض لأبرز قوائم رؤساء الحكومات التي تصدرت النتائج، باستثناء عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي اللذين لم يخوضا أي سباق انتخابي بعد توليهما المنصب. في انتخابات 2010، حلّ ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، رئيس الحكومة منذ 2005، ثانيا بـ89 مقعدا، فيما تصدرت القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، الذي شغل أيضا منصب رئيس الحكومة لفترة مؤقتة.
وفي انتخابات 2014، تصدرت قائمة المالكي مجددا بـ92 مقعدا، وكان حينها رئيسا للوزراء بولاية ثانية حصل عليها في انتخابات 2010.
وفي انتخابات 2018، جاءت قائمة رئيس الحكومة آنذاك، حيدر العبادي، الذي تولى منصبه منذ 2014، في المركز الثالث بـ42 مقعدا.
أما انتخابات 2021، فلم يشارك رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بأي قائمة، وتصدرت نتائجها قوائم التيار الصدري بـ73 مقعدا، وحزب تقدم المرتبط برئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي بـ37 مقعدا، وائتلاف دولة القانون بـ33 مقعدا. وفي انتخابات 2025، التي أُجريت قبل أيام، تصدّر ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة منذ انتخابات 2021، النتائج الأولية بـ46 مقعدا.
وحول تصدر قوائم رؤساء الحكومات، يعزو المحلل السياسي المقيم في واشنطن رمضان البدران هذا الأمر إلى وجود «شلل» في العلاقة بين المواطن والسلطة التشريعية، ما أدى لغياب التفاعل بينهما، على عكس السلطة التنفيذية المتمثلة برئيس مجلس الوزراء.
ويشير البدران إلى أن دور السلطة التنفيذية أصبح على تماس مباشر مع المواطن، وخصوصا في الجانب الخدمي، ما أدى إلى تحوّل دور رئيس الحكومة نحو تقديم الخدمات البلدية، وهو ما يصفه بأنه «تشوّه» في النظام، لأن مهام رئيس الوزراء أوسع وتشمل توفير بيئة آمنة، وتوسيع فرص العمل للقطاع الخاص، وجلب الاستثمارات، وإدارة الدولة. ويؤكد أن رؤساء الحكومات اتجهوا نحو الخدمات والتعيينات، ما أسس لجمهور زبائني يمنح ثقته بناء على ما يحصل عليه من خدمات مباشرة. وأدى ذلك إلى ضمور وظائف السلطات وتراجع دورها، سواء التشريعية أو التنفيذية، ودفع المسؤولين للتوجه نحو مناطق الكثافة السكانية لضمان أكبر عدد من الأصوات، مقابل إهمال الأرياف والقرى.
أما من الناحية النفسية، فيؤكد الباحث الاجتماعي والنفسي ولي الخفاجي أن الشخصية العراقية تميل إلى السلطة القوية. ويوضح أن شخصية الفرد العراقي نابعة من بيئته الاجتماعية والظروف المحيطة، وهي ظروف طبعتها الانقلابات السياسية والبطش، إذ لم تنتقل السلطة لعقود بشكل سلمي بل عبر الدماء. لذلك تشكل اعتقاد بأن «البطل هو القوي»، وهو من يحكم من دون مشاركة، وحتى الثقافة الشعبية والأناشيد تمجد هذه الشخصية.
وعن الانتخابات الأخيرة، يرى الخفاجي أنها حققت ما يبحث عنه الناخب وفق هذه القناعة، إذ يميل العراقيون لعدم المجازفة ويختارون «من جُرّب سابقا»، ويستشهدون بأمثال مثل «الشين التعرفه أحسن من الزين ما تعرفه». ويصف هذا المثل بأنه «خطير»، لأنه يعكس رغبة الجمهور بمن يمثل القوة حتى لو لم يثقوا به تماما، في ظل انعدام الثقة بين المواطن والسلطة.
ويضيف المحلل السياسي والدبلوماسي السابق غازي فيصل أن غياب البرامج الانتخابية ساهم بتوجه الناخب نحو الاختيار وفق المذهب أو العرق أو القرب الاجتماعي. ويقول إن الأحزاب لم تقدم برامج حقيقية لمعالجة البطالة والمناخ والاقتصاد وفرص العمل، ما دفع الناخب للاعتماد على الانتماءات والهويات.
ويشير فيصل إلى أن الناخب يسعى للمس «منجز» محدد. فمثلا، كان السوداني وزيرا غير معروف، لكنه بعد توليه رئاسة الوزراء عاد الناخب لانتخابه بعد أن لمس مشاريع خدمية على الأرض. ويرى أن ذلك مرتبط بغياب البرامج، إذ يتجه المواطن لانتخاب من يرى أنه أنجز فعليا، وفي حال عدم وجود منجز يعود للتصويت على أسس مناطقية أو مذهبية أو عرقية.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron