الوثيقة | مشاهدة الموضوع - تسليم البشير لمحكمة الجِنايات الدوليّة خطيئةٌ أُخرى للحُكومة السودانيّة والرئيس البرهان بعد خطيئة لِقاء القمّة مع نِتنياهو.. السودان بانتِظار “سوار ذهب” آخر يضع حدًّا للابتِزاز الأمريكيّ الإسرائيليّ ولا نَستبعِد وصوله.. وهذه أسبابنا
تغيير حجم الخط     

تسليم البشير لمحكمة الجِنايات الدوليّة خطيئةٌ أُخرى للحُكومة السودانيّة والرئيس البرهان بعد خطيئة لِقاء القمّة مع نِتنياهو.. السودان بانتِظار “سوار ذهب” آخر يضع حدًّا للابتِزاز الأمريكيّ الإسرائيليّ ولا نَستبعِد وصوله.. وهذه أسبابنا

مشاركة » الثلاثاء فبراير 18, 2020 5:43 pm

2.jpg
 
الحُكومة السودانيّة الانتقاليّة الحاليّة التي من المُفتَرض أن تكون مُنبثقةً عن ثورةٍ شعبيّةٍ استمرّت عدّة أشهر وأبرز مطالبها اجتِثاث الفساد وإنهاء الحُكم الديكتاتوريّ، ترتكب الخطأ تِلو الآخر، وبِما يُسِيء إلى السودان وإرثه الوطنيّ وكرامة شعبه.
بعد اللّقاء المُعيب بين رئيس مجلس السّيادة الفريق عبد الفتاح البرهان مع بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في مدينة عنتيبي الأوغنديّة، ها هي الحُكومة السودانيّة التي يتقاسم مقاعِدها الوزاريّة مُناصفةً الحِراك الشعبيّ مع المؤسّسة العسكريّة، تُعلِن عن استِعدادها تسليم عمر البشير، الرئيس السابق، إلى محكمة الجنايات الدوليّة لمُواجهة اتّهامات بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.
السيّد فيصل محمد صالح، المتحدّث باسم هذه الحُكومة، ووزير الثقافة والإعلام في الوقت نفسه، أكّد على وجود اتّفاق بين حُكومته ومحكمة الجنايات الدوليّة على تسليم الرئيس المعزول إلى المحكمة، ومُثوله أمامها من أجل تحقيق العدالة، وما زالت المُشاورات مُستمرّةً حول طريقة وكيفيّة التّسليم.
الدول التي تحترم مُؤسّساتها الدستوريّة والهويّة الوطنيّة لشُعوبها لا تُسَلِّم مُواطنيها إلى محاكمٍ دوليّة سياسيّة الطّابع، وثأريّة الهدف والمُنطَلقات، مهما كان الثّمن المعروض في المُقابل، ولكن يبدو أنّ هذه المعايير خارج قاموس وأعراف حُكومة “الثّورة” الانتقاليّة الحاكِمة حاليًّا في السودان، وتُسيطِر عليها المؤسّسة العسكريّة التي ما زالت هي صاحبة القرار النهائيّ، وبطريقةٍ أكثر ديكتاتوريّة من سابِقَتها.
حتّى لا يُساء فهمنا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” نُؤكّد هُنا أنّنا اختلفنا كثيرًا مع حُكم الرئيس البشير وسِياساته، خاصّةً في السّنوات الأخيرة بعد أن تنكّر لجميع حُلفائه، وارتكب خطيئة إرسال 15 ألف جندي سوداني للمُشاركة في حرب اليمن، التي أدّت إلى مقتل أكثر من مئة ألف من اليمنيين الأبرياء الجوعى والمُحاصرين، ودون الرّجوع للشّعب السوداني، وهي الخطيئة التي رفضت العديد من الدول العربيّة الوقوع فيها رُغم الإغراءات الماليّة الضّخمة، وازدادت مُعارضتنا للبشير عندما جرى العُثور على ما قيمته 150 مليون دولار نقدًا في منزله بعد اقتِحامه، كانت “مُكافأةً” له من الحُكومة السعوديّة على اقتِرافه هذه الرّشوة “الإثم”.
نُدرك جيّدًا أنّ المُقابل المعروض على الحُكومة الانتقاليّة لتشجيعها على تسليم الرئيس البشير، هو الطّعم نفسه الذي ابتَلعه بلِقاء رئيس مجلس سِيادتها لنِتنياهو، وهو نفسه الذي دفع الرئيس البشير لإرسال قوّاته إلى اليمن، أيّ رفع العُقوبات الأمريكيّة المفروضة على السودان، وإزالة اسمه من قائمة الإرهاب، ولكنّنا نعتقد أنّ هذه الإغراءات هي مجرّد قمّة جبل ثلج سلسلة هائلة ومُكلِفَة من الشّروط الابتزازيّة، وقد يكون أبرزها تقسيم السودان، واستِقلال بعض مناطقه، وأوّلها إقليم دارفور، على طريقة انفِصال الجنوب، فالقرار بتفتيت السودان صدَر، ولكنّ التّطبيق سيكون بالتّقسيط، إذا لم يتم التصدّي له وإحباطه.
ومثلما لم تُؤدّ المُشاركة في حرب اليمن إلى رفع هذه العُقوبات رغم الوعود والنّفوذ السعوديّ والإماراتيّ القويّ في الولايات المتحدة، وإدارة الرئيس دونالد ترامب على وجه الخُصوص، فإنّ تسليم الرئيس البشير إلى محكمة الجنايات الدوليّة التي لا تعترف بها أمريكا، أو التّطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي لن يكونا أفضَلَ حالًا.
وربّما يُفيد التّذكير بأنّ الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري انزلق إلى الخطايا نفسها عندما “طبّع” عُلاقاته مع دولة الاحتلال سِرًّا، وحقّق لها مطالبها في ترحيل يهود الفلاشا، والتقى إرييل شارون، مُجرم الحرب، ومُهندس عمليّة التّرحيل هذه، وانتهى به الأمر معزولًا ولاجِئًا سِياسيًّا، ولم تنفعه أمريكا، ولم تمنع إسرائيل إطاحته من الحُكم، ولم تتحسّن أوضاع السودان الاقتصاديّة بل زادت تأزُّمًا.
الجيش السوداني لم يقبل بهذه الإهانة، أيّ التّطبيع مع دولة الاحتلال، وإمدادها باليهود الفلاشا، وقام بثورته المُباركة بقِيادة الجِنرال المُؤمِن والخلوق سوار الذهب الزّاهد في الحُكم، وأطاح بحُكم الرئيس نميري الذي لم يَعُد من زيارته لواشنطن إلا بعد عدّة سنوات، ولأسبابٍ إنسانيّة، وقاد المرحلة الانتقاليّة وصولًا إلى الحُكم الديمقراطيّ المُنتَخب، ولا نستبعد أن يتكرّر السّيناريو نفسه، فهؤلاء الجِنرالات الذين انقلبوا على رئيسهم البشير، كانوا شُركاء له في جرائم الحرب في دارفور، وجريمة إرسال القوّات السودانيّة إلى “محرقة” حرب اليمن، ولن يَغفِر لهُم الشعب السوداني هذه الجرائم وسيأتي القصاص عاجِلًا أم آجِلًا.
الشعب السوداني الذي يعيش هذه الأيّام أزمة خُبز وهو الذي يملك أكثر الأراضي الزراعيّة خُصوبةً في العالم بأسْرِه، وأكثر من 18 مِليار متر مكعٍب حصّته السنويّة من مِياه النيل إلى جانب الأمطار والمياه الجوفيّة ليس بحاجةٍ إلى رفع العُقوبات الأمريكيّة ويستطيع أن يتمتّع بالحياة الكريمة بُدونها إذا وجَد الحُكم الرّشيد الذي يرتقي إلى مُستوى كرامته وعزّته الوطنيّة، ويُجَسِّد هُويّته السياديّة المُستقلّة.
السودان يَعيشُ أزمةً حقيقيّةً عُنوانها الأبرز تجويعه وتجريده من كرامته وتشويه تاريخه الوطنيّ، مرفوقةً بحملة ابتِزاز غير مسبوقة، ولا نعتقد أنّ هذهِ المُؤامرة الأمريكيّة الإسرائيليّة ستنجح لأنّنا على ثقةٍ أنّ هذا الشّعب السوداني الكريم والشّهم سيتصدّى لها ويُحبِطها مِثلَما أحبط الكثيرات قبلها.. والأيّام بيننا.
“رأي اليوم”
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى اراء

cron