الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هل هناك نوايا سعودية للتقارب جديا مع ايران؟ وما الجديد الذي يقف خلف هذا التغيير “المشروط”؟ وكيف سيكون رد الفعل الإيراني؟ ولماذا جرى اختيار وزير الخارجية لتمرير الرسائل المشفّرة وفي هذا التوقيت؟
تغيير حجم الخط     

هل هناك نوايا سعودية للتقارب جديا مع ايران؟ وما الجديد الذي يقف خلف هذا التغيير “المشروط”؟ وكيف سيكون رد الفعل الإيراني؟ ولماذا جرى اختيار وزير الخارجية لتمرير الرسائل المشفّرة وفي هذا التوقيت؟

مشاركة » السبت إبريل 03, 2021 4:57 pm

عبد الباري عطوان
يشتكي معظم المسؤولون السعوديون، وآخرهم الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية، من قيام ايران بأنشطة تزعزع الامن والاستقرار في المنطقة، ابتداء من لبنان، ومرورا بسورية، والعراق، واليمن، وانتهاء بالمملكة العربية السعودية نفسها، ويقدمون انفسهم وبلدهم على انهم “حملان وديعة” منزهة عن الأخطاء، وهذا في تقديرنا يشكل خللا كبيرا في سياسات المملكة، تعكس هروبا من الاعتراف بهذه الأخطاء كمقدمة ضرورية للمراجعة والإصلاح، واستعادة دورهم ومكانة بلادهم كقوة إقليمية رئيسية في المنطقة.
الأمير بن فرحان قال بالأمس في تصريحات لمحطة الـ” سي ان ان” “ان هناك فرصة ليس للتقارب مع ايران فقط، وانما لشراكة معها أيضا، اذا أوقفت سلوكها المزعزع للاستقرار، وتزود الإرهابيين بمعدات صنع القنابل” في إشارة الى اليمن، ولكنه ينسى في الوقت نفسه ان التدخل العسكري الذي قادته بلاده فيها، أي اليمن، منذ ست سنوات، وضخ المليارات وآلاف الاطنان من الأسلحة والمعدات الثقيلة لحركات مسلحة لزعزعة استقرار سورية، ودعم الغزو الأمريكي للعراق، واستخدام الجامعة العربية لتوفير الغطاء الشرعي العربي لقصف حلف الناتو لليبيا وتغيير النظام فيها، كلها عوامل اضعفت العمل العربي المشترك، وخدمت الطموحات الإيرانية في التدخل في شؤون المنطقة وتحويلها الى قوة إقليمية عظمى.
***
ايران مثل المملكة، او أي دولة اخرى، تسعى من اجل مصالحها، وتقوية نفوذها وتوسيعه، وهذا طموح مشروع، ولكن ما يميزها عن غيرها، انها اعتمدت على قدراتها الذاتية في اطار صناعة عسكرية، وبناء دولة مؤسسات بما مكنها من حماية نفسها، وتطوير قدرات دفاعية عسكرية متقدمة جدا في المجالات كافة، رغم الحصار الأمريكي الخانق، بينما اقدم العرب في المقابل، وعلى رأسهم المملكة، على تدمير قدراتهم الدفاعية، والانخراط في المشاريع الامريكية لتدمير مراكز قوتهم في العراق وسورية وليبيا واليمن، والتخلي عن ثوابتهم القومية وابرزها قضية فلسطين، وفتح اجوائهم وحدودهم واسواقهم لإسرائيل وبضائعها، والوقوف في خندقها في مواجهة حركات المقاومة، والسقوط في خندق الطائفية.
فاذا كانت ايران متهمة ببذر بذور الطائفية في المنطقة، فان الطرق الأقوى لمواجهة هذا الخطر، ليس بالسلاح نفسه، وانما بالسلاح المضاد له، أي “اللاطائفية” وإصلاح البين العربي وتعزيزه، وتعبئة الامة وقدراتها وارصدتها البشرية والمالية الضخمة، لبناء مشروع نهضة عربي في كل المجالات، ولكن هذا لم يحدث، وما حدث هو العكس، أي الارتماء في الحضن الأمريكي، والآن الحضن الإسرائيلي، وجاءت النتيجة خسارة الهوية الإسلامية، واصبحنا “مثل الغراب الذي قلد الحسون، فلم يصبح حسونا، ولم يبق غرابا”.
الأمير فيصل بن فرحان يعتقد في تصريحاته الأخيرة ان ايران تنتظر التقارب السعودي معها، او حتى الشراكة على احر من الجمر، وهذا اعتقاد خاطئ تثبته التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة لصالحها لعدة أسباب:

الأول: توقيعها معاهدة استراتيجية اقتصادية وامنية وعسكرية مع الصين لمدة 25 عاما، سيكون عمودها الفقري استثمار 450 مليار دولار لبناء البنى التحتية الإيرانية، واستيراد الصين مليوني برميل من النفط الإيراني يوميا مرشحة للارتفاع بشكل تدريجي.
الثاني: استجداء الإدارة الامريكية الحالية ايران للعودة الى الاتفاق النووي دون أي شروط مسبقة بما في ذلك انخراط البلدين في تنازلات متبادلة متزامنة، وإصرار ايران في المقابل على رفع كامل وفوري للعقوبات دفعة واحدة قبل أي حديث مباشر لان الوضع الحالي يناسبها وليس في عجلة من امرها.
الثالث: انخراط ايران في حلف “وارسو” جديد يضم قوتين عظميين هما الصين وروسيا، وثالثة نووية هي كوريا الشمالية، ومفتوح لضم قوى إقليمية أخرى مثل فنزويلا والهند وباكستان وربما تركيا ومصر أيضا، بينما تواجه إسرائيل حليفة بعض الدول الخليجية الازمات الداخلية المتفاقمة، والحصار الصاروخي على حافة حرب أهلية، وانقسامات حادة.
الرابع: استثمار ايران في قضية العرب المركزية، وتسليحها وتمويلها اذرع عسكرية مقاومة عقائدية إسلامية في العراق واليمن ولبنان وقطاع غزة، بينما تستثمر السعودية وبعض حلفائها في التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر، او غير مباشر، وبعد ان فقدت الكثير من تفوقها، وقدرتها على حسم الحروب لصالحها بسرعة مثلما كان عليه الحال في الماضي، مضافا الى ذلك ان سلاح المال الخليجي يفقد سحره بشكل متسارع وربما يضمحل نهائيا في السنوات العشر المقبلة على الأكثر.

قبل اقل من عشر سنوات كانت هناك شراكة وتقارب سعودية إيراني غير مسبوق خاصة في زمن الرئيسين هاشمي رفسنجاني، واحمدي نجاد، وكان الرئيسيان المذكوران يحظيان باستقبال حميم جدا من نظرائهم السعوديين، ويتقدمان على معظم، ان لم يكن كل، الزعماء العرب بما فيهم مصر وسورية والجزائر، في بروتوكولات الاستقبال في القمم الإسلامية، ومن المفارقة ان هذا التقارب تحول الى عداء بعد تولي السيد حسن روحاني الزعيم الإصلاحي المعتدل، الحكم في ايران، واعلن لصحيفة “الشرق الاوسط” السعودية ان اول دولة سيزورها هي السعودية، الامر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول نهج مؤسسة صنع السياسات في المملكة.
***
إدارة باراك أوباما الديمقراطية خدعت السعودية وطعنتها في الظهر، عندما تفاوضت من خلف ظهرها مع ايران لمدة ستة اشهر في مسقط، وتوصلت الى الاتفاق النووي عام 2015، بينما كانت تبيعها صفقات أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات استعدادا لشن حرب ضدها، ومن غير المستبعد ان يتكرر السيناريو نفسه مع تهافت إدارة بايدن الديمقراطية للعودة الى الاتفاق نفسه بأي ثمن، والأكثر من ذلك وقف بيع الأسلحة كخطوة أولى لتغيير موازين القوة في اليمن، ومن المفارقة ان التوصيفات السعودية للايرانيين كمجوس وعبدة النار مستمرة بموازاة اطلاق حرب شرسة للجيوش الالكترونية عليهم بينما يأتي رد حلفائهم في اليمن بالصواريخ الباليستية والطيران المسيّر الملغوم باتجاه منشآت الطاقة في العمق السعودي… والله اعلم.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron