الوثيقة | مشاهدة الموضوع - تجديد التفاؤل بشخصية غير متناقضة – منير حداد
تغيير حجم الخط     

تجديد التفاؤل بشخصية غير متناقضة – منير حداد

مشاركة » الجمعة مايو 14, 2021 4:10 pm

التأمل في الأحداث بنظرة مبتهجة وإنتظار الأفضل، يعني التفاؤل.. كما أفهم.. وهو ليس بعيدا عن تعريف علم النفس… هكذا أعيش قاهرا الأقدار برحمة الله التي وسعت كل شيء.

في العراق.. موظف لا توصيف لمنصبه إداريا، يجتهد في ترويج معاملة، إنطلاقا من مزاج موتور، ملزما المراجع بشروط تعجيزية، غير مطلوبة فعليا، أمر يبعث شؤما ميدانيا يفند نظريات التفاؤل.. صخرة يتشظى عليها الكلام الى مزق أصوات غير مفهومة ولا جدوى منها ولا… ولا تستحق الإصغاء.

سائق كيا مغتر بعضلاته، يضطهد الركاب؛ ولا يقوى أحدهم على ملاواته؛ فلا يبقى أمام من يحتك به سوى اللجوء الى مسدس.. يرديه قتيلا، وتنهار منظومة حياة تأملية بسبب شخص أهوج.

منتسب أمني في سيطرة، يدع السيارات كلها تمر من دون إستفهام، وعندما تصل كوستر فيها بنات، يقرأ ملفات وزارات الداخلية والامن الوطني والدفاع ومجلسي الشيوخ الامريكي والعموم البريطاني، مفعتلا مشادة مع اول راكب يتأفأف مستاءً من نفسه.. يخفي ضجره لكن: “نحن رجال الامن مدربون على إصطياد من يكتم حقدا وطنيا في نفسه”… و”تعال طلع هالزمال من هالورطة”.

لو شاء متفرغ لتدوين الإستفزازات في يوم عراقي، لملأ مجلدات خلال اربع وعشرين ساعة.

الإستفزاز نازل ممن يمتلكون هامش سلطة، مرورا بالناس في ما بينهم.. الإعتداء على الضعيف والإستخذاء بين يدي القوي، صفة عراقية لشعب لا يعيش متوازنا بإحترام لأنسانية الآخر..

المعادلة الاجتماعية لا تستقيم في العراق إنما لا بد من إختلال.. أقوى يهين ريثما يجيء الاقوى منه.. نفرا او سلطة او عضلات، فيكسر شوكته ويشجها في رؤوس الآخرين.

ارض السواد

عُرِفَتْ هذه الحقيقة في ارض السواد منذ زمن سحيق، كما ورد في “الادب الزاهر” من اراد كنوز الارزاق والدم المراق فليذهب الى العراق، وأول تدوين على ذمة الخليفة، جاء في مروج الذهب، على لسان معاوية: “يثورون على الحق والباطل؛ لذلك إقتلوا لأدنى شبهة” وبهذا وضعت الدولة الأموية ميسما يكوي داء الإستهتار المتأصل في الشخصية العراقية.. الغني منهم والفقير.. على حد سواء… لأن الفقراء ليسو أقل سوءاً من الأغنياء مع الأسف.

وبهذه المناسبة أقص حكاية ساعٍ في إحدى المحاكم.. عرفت زميلتنا المحامية “ولنفترض إسمها فاطمة” بأنه يعيش مع أمه العجوز تحت الجسر؛ فأجرت له.. على نفقتها الشخصية.. سكنا معقولا يؤويهما، دافعة ايجار سنة كاملة، طلبت منه إستنساخ حكم لقضية ترافعت بها فاطمة، ومكتب الاستنساخ ليس بعيدا.. تحت بناية المحكمة؛ فنتر بوجهي: “أشتغل عندك لو عند فاطمة!”.

ناكرو الجميل والمستهترون بكرامة الآخرين الذين يستحوذون على الشارع و”الكعدة” ومراجعة الدوائر، كما لو أن الله خلق الكون لهم وحدهم.. يتصرفون على هذا الأساس، الى أن يأتي الاقوى منهم بالسلطة او الرجال او العضلات، فيتحولون من عدوانيين الى مسالمين يتلكمون بالرحمن و”خطف الخضر” و”خل الله بين عيونك”.. إنهم عراقيون أصلاء؛ لأن العراقي فقط.. من بين شعوب الارض، لا يهدأ إلا إذا أهين ولا يكف شره عن الناس إلا بشر أقوى يكتسحه.

لكن بالمقابل ثمة مثل يردده مراهقو ثقافة وحديثو عهد بالوجاهة الاجتماعية، مفاده “إنظر الى النصف الممتلئ من الكأس” وهو صحيح مائة بالمائة، مهما كان مستهلكا…

الإيجاب في الحياة العراقية والشهامة أوسع من سطوة المستهترين على الشارع، لكن كونهم قلة والسيئون غالبية عظمى؛ تلاشى الصالحون وتحولوا الى إهزوءات إجتماعية؛ مما أدى الى إنتشار المنكر وإنحسار المعروف في بلاد الرافدين.. وحتى الرافدان فقدناهما وأصبحا ساقيتين آسنتين.

سطوة المستهترين أوسع من شهامة النبلاد في بلاد الساقيتين الآسنتين، لكن ذلك لا يعني التنكر لمن يقطع رزقه ويغلق محله ويقودك الى المكان الذي تسأل عنه، إذا كنت قادما من محافظة أخرى او “ما تندل”.

ولأن الخطأ شائع أكثر من الصواب، فما نشهده من سلوكيات سوية، لن تلفت نظرنا، أما النشاز فيعلق في ذاكراتنا وننشره بالتداول.

تتعمق المشكلة بالاشتباك الداخلي الذي تنوء به شخصية العراقي؛ لأنها حمالة نقائض، تعاني من إزدواج الرفعة والوضاعة معا في الوقت نفسه؛ لأن من عهدته شهما تراه في موقف بمنتهى النذالة، وكلاهما يصدقان عليه.. فهو عراقي.. تجتمع فيه النقائض.

{ قاضي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron