الوثيقة | مشاهدة الموضوع - هيبة الدولة – علي الشكري
تغيير حجم الخط     

هيبة الدولة – علي الشكري

مشاركة » الأحد مايو 23, 2021 9:37 am

يتفق الفقه الدستوري على أن للدولة ثلاث اركان دونها لا تنهض كيان مستقل عضو في المجتمع الدولي ، فالدولة شعب وأرض وسلطة ، ولا يمكن تقديم ركن على ركن في اكتمال مقتضيات الكيان السياسي القانوني . ويتحدث الفقه الدستوري اليوم عن مائة وأربعة وتسعون دولة ، ولكن شتان بين دولة ودولة ، فدولة شامخة وأخرى محدودبة ، وثانية متصدية وأخرى منزوية ، وثالثة غنية وأخرى فقيرة تستجدي ، ورابعة كبيرة متبوعة وكثيرة صغيرة تابعة ، وتعددت تصنيفات الدول ، لكن الاهم الصغير والكبير ، وبالقطع أن هذا المعيار لا ينصرف الى المساحة الجغرافية التي تنهض عليها كياناً مستقل ، لكن الكبير بشعبه ، وقوته ، وغناه ، وتصدره ، وعزه لشعبه ، وهيبته ، ونفاذ قراره داخلياً وخارجياً ، فالكثير خاضع تابع والقليل متسيد متبوع . ويقيناً أن ساسة الدولة هم صناع كرامتها وراسمو مكانتها ، وبناة قيمتها ، فالمكانة والكرامة والقيمة لا يصنعها اجنبي وافد ، ولا قزم تابع ، ولا فاشل فاسد ، ولا عميل خانع ، فالدولة برجالاتها ، وكيفما يكون الشعب يكون حكامه ، وكيفما يكون الحكام تكون للدولة . وبالقطع أن هيبة المواطن من هيبة الحاكم ، وهيبة الحاكم من هيبة الدولة ، ولا هيبة للدولة دون سلطة مؤمنة أن الشعب أغلى الموجودات ، وكرامته مُقدم لا مُقدم عليه ، وأمنه خط لا يمكن بحال من الأحوال تجاوزه ، وإلا انتهى الأمر الى الفوضى ، وتحولت الدولة الى غاب البقاء فيه للأقوى ، وبالتأكيد أن دولة غير قادرة على تأمين أمن مواطنها ، هي دولة غير قادرة على صيانة حدودها وحماية حقوقها ، والدفاع عن مكتسباتها ، وزوالها أولى من وجودها ، فأما دولة قادرة مقتدرة ، تقف الى جانب الكبار ، تتصدر الصفوف ، تقرر وتشارك وتبدي الرأي وتعترض ، أو دولة خاضعة خانعة تابعة ، وبالقطع أن مثل هذه الدول إن حضرت لا تعد وأن غابت لا تفتقد ، وهي لن تتعدى كونها تكملة عدد أو استكمال نصاب ، يتخذ بصوتها القرار ، أو يسقط به . ويقيناً أن قادة الدولة والمتصدين من الساسة هم صناع الهيبة والعيبة ، فيهم تتجسد مكانة الدولة ، ومنهم تنبع كرامتها ، وبقراراتهم وسلوكهم يُكرم الشعب أو يُهان ، فليس من الشعوب من خُلق ولديه كرامة ، وليس منهم من خُلق وهو مُهان يقف في مؤخرة الركب . فكرامة الشعب ليس بغنى الدولة ، ولا بسعة مساحتها ، ولا بأهمية موقعها الجغرافي ، ولكن بحنكة حكامها وحكمة ولاة أمرها ونزاهة مسؤوليها ووسطية ساستها وأبوية حكمائها وعدالة رجال دينها ، فحاكم عادل منصف مقسط نزيه يسعى على شعبه ولشعبه ، قادر على النهوض ببلده وعزة شعبه وبناء مجده واثبات وجود كيانه ، وإن شحت في بلده الخيرات وقلت الواردات وندرت الإمكانيات ، فالبلدان الأكثر ديمقراطية ليست الأكثر تديناً ، والأوطان الأكثر رفاهية ليست الأكثر غناً ، والدول الأكثر تطوراً ليست الأكثر شهادات ، لكنها الأكثر إيماناً بالشعب ، فالشعب مصنع الحكام ، ومصدر الإبداع ، ومنبع الرفاهية ، كيفما يكون ، يكون الحاكم والقابض على السلطة ، فشعب حي متجدد مؤمن بالحرية متطلع للحياة الكريمة ، لا يمكن أن يُنتج حاكم مستبد متسلط جبار ، فالحاكم واجهة الشعب ، والمتصدي خيار الناخب ، وشعب غير قادر على انتاج الصالح من الحاكم ، ليس له التطلع لوطن آمن مستقر مترف مزدهر ، فالبلدان الأكثر تطوراً وديمقراطية ورفاهية ، هي البلدان النابض شعبها بالحياة ، المتصدي للحاضر ، المتطلع للمستقبل . الشعب الذي لو اخفق في خياره لسوء تقدير ، أو مراعاة ظرف ، أو استجابة لتأثير، سارع للتصحيح دون تردد ، فالوطن فوق الميول ، وأسمى من الاتجاهات ، هو باقٍ وغيره الى زوال ، ويقيناً أن خط سير تطور البلدان ، كما الخط البياني الرياضي ، متأرجح صعوداً ونزول ، فليس المهم أن يهبط لظرف أو مستجد أو طارىء ، لكن الأهم أن يستعيد المبادرة ، وينفض الغبار ، ويصحح المسار ، ويقف حيث ينبغي أن يكون ، فالكبير شامخ شاخص وإن تكالب عليه الأضداد والحساد والمأزومون ، والصغير محدود مأزوم منزوي وإن حرص ، وفي الأثر قيل ، أن الدول أحوال ، لكن ليس للكبير الا أن يقف مع الكبار ، وليس للصغير إلا أن يكون تابع لاهث ، والعاقبة للكبير النابض شعبه بالحياة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron