الوثيقة | مشاهدة الموضوع - لديمقراطية الدليفري .. قل نعم ولا تصدق – جليل وادي
تغيير حجم الخط     

لديمقراطية الدليفري .. قل نعم ولا تصدق – جليل وادي

مشاركة » السبت يوليو 17, 2021 10:54 pm

كلام أبيض

كل من يقول لك ان العملية الديمقراطية التي رسمها الاحتلال الأمريكي يمكن لها أن تنهض بالعراق وتحقق لشعبه حياة رغيدة ، قل له نعم ولا تصدق ، فالحال الذي نحن فيه هو ما يريده تماما أعداء الأمة الذين تعرفونهم ، بلد لا هو بالميت ولا هو بالمتعافي ، عليل يعاني شتى الأمراض ، ما يجعل العراق ليس خارج التوازنات ، بل خارج التاريخ ، وسيعملون بشتى الطرق على ترسيخ هذه الواقع ، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل لابد من تدمير كل بلد يمكن أن يشكل تهديدا لمصالحهم راهنا او مستقبلا ، او على أقل تقدير تحييده من أن يكون قوة ردع ازاء سياسات الهيمنة والتوسع .

وما كان لنا ان نقول هذا الكلام في سنوات التغيير الأولى بالرغم من قناعتنا الراسخة بما سيكون عليه الحال ، ففرحتنا بالعراق الجديد جعلتنا نسلم بالاحتمالات ، عسى أن تأتي الامور بحسب الهوى ، ولكي لا يتهمنا من تصدوا للتغيير بموقف عداء غير موضوعي ، وان الحكمة تقتضي الانتظار بضع سنين ، لكي يأخذ القائمون عليه فرصة كافية ، وها نحن انتظرنا ما يقرب من العقدين ، وليس من وصف مناسب للعملية السياسية الجارية سوى انها فاشلة بامتياز ، والذي لازال يبني آمالا على الدور الأمريكي واهما ، ولا يفقه من الأمر شيئا . فعراق ما قبل الصناعة هدف أسمى ، وليس من وسيلة ناجعة لتحقيقه من ديمقراطية هشة تتيح للفاشلين والمغامرين والراغبين في الاستثمار السياسي ، ومن ملأت الأحقاد قلوبهم ، والذين مكانهم المزابل ولا يرقون الى أكثر من ذلك اطلاقا ، لكل هؤلاء والذين يتعذر وصفهم فتحت ديمقراطية الدليفري الأمريكية الأبواب لهم ليعيثوا في البلاد فسادا وتخريبا وحرقا . هذه ليست نعوتي ، بل هذا ما يقولونه عن أنفسهم . ومثل هؤلاء لا يمكن لهم أن يبنوا بلدا بحجم العراق وعظمته وتاريخه ودوره الحضاري ، سيظلون صغارا طالما لم يتوافروا على الايمان الحقيقي بالدور القيادي الذي يليق بالعراق .

لن نستعيد عافيتنا الا بقادة يتسمون بالشجاعة والأمانة والاستعداد للتضحية ، والارادة الصادقة للتغيير ، فالذي يخشى على نفسه من الموت او يريد الحفاظ على كرسيه وليس العراق سيتحول الى كرة يتقاذفها الغرباء بخبرتهم ومؤسساتهم الرصينة ، بينما مازال جماعتنا يعيشون في مرحلة الطفولة السياسية ، لا يعرفون أحجامهم ، ولا يُخجلهم السلبي من النعوت التي يطلقها الناس عليهم ، ولا يريدون التنحي عن مهمة تاريخية لمن له القدرة على التغيير والاستعداد للتضحية .

كونوا على يقين ان ديمقراطيتنا وبشكلها الراهن لن تنتج شخصيات سياسية جديدة بمقدورها احداث تحولات يتطلع لها العراقيون ، فالعملية الانتخابية لا تعدو أن تكون عملية تدوير للوجوه القديمة لا أكثر ، وحتى الجديد فيها لن يختلف بشيء عمن سبقه.

أكاد أجزم ان اصلاحا سياسيا يعيد العراق الى وضع طبيعي أمر من بين المستحيلات راهنا ، لأسباب منها : ان قوى اقليمية ودولية لا تريد للإصلاح ان يحدث ، فذلك يعني خسارة العراق كأداة من أدوات ادارة أزماتهم ، يناورون به بحسب مواقف الأزمات ، ثم ان القائمين على العملية السياسية بالأصل غير مؤهلين للإصلاح ، فصرخات الاصلاح ليست بالجديدة ، فقد تعالت منذ سنوات ، وان المراهنة على الانتخابات القادمة كمن يسند ظهره الى كومة قش في صراعه مع الخصوم .

ومع قناعتي بان وضعنا الراهن من الانهيار بمكان يغدو معه الاصلاح غير كاف ، ولا بد من اعادة تأسيس لعملية سياسية جديدة تهدف الى بناء دولة مدنية ، تتوقف فيها هذه العملية ، وتسلم خلالها مقاليد الأمور للجيش لمرحلة انتقالية ، ريثما ننتهي من صياغتها بمواصفات عراقية محكمة يرسمها قانونيون وأكاديميون ، بعيدا عن أهواء الأحزاب والتيارات السياسية وتيجان الرؤوس .

وكأني الآن أسمع قهقهات البعض من كلامي ، فلن يتخلى من لم تخطر بباله حتى في الأحلام أن يكون مديرا وان احترق العراق كله ، ومن يقول لك عكس هذا الكلام قل له نعم ولا تصدق .
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron