الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الانتخابات العراقية والعودة بخفي حنين : مصطفى العبيدي
تغيير حجم الخط     

الانتخابات العراقية والعودة بخفي حنين : مصطفى العبيدي

مشاركة » الأحد أكتوبر 17, 2021 5:31 am

جاءت نتائج الانتخابات المبكرة التي كان بعض العراقيين يعولون عليها من أجل التغيير والإصلاح، مخيبة للآمال بتكرار نفس الوجوه والأحزاب جراء مقاطعة شعبية واسعة للتصويت، وسط مخاوف من اندلاع صراع مسلح بين القوى والفصائل المسلحة الخاسرة في الانتخابات والتي رفضها الناخبون لعلاقاتها المشبوهة بالأجندات الإقليمية.
وبمجرد إعلان النتائج الاولية للانتخابات والكتل الفائزة، اندلع نزاع وتبادل التهديدات والاتهامات بالتزوير والتلاعب وخاصة من قبل الفصائل الشيعية التي فشلت في تحقيق ادعاءها بتحقيق الأغلبية مقابل تمسك التيار الصدري بكونه الكتلة الأكبر التي تشكل الحكومة الصدرية المقبلة.
وقد أظهرت النتائج الأولية للتصويت التي أعلنتها مفوضية الانتخابات حصول التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، على أعلى عدد مقاعد في البرلمان بواقع 73 مقعدا، وحل حزب «تقدم» بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في المركز الثاني بعد أن حصد 41 مقعدا، وحلت كتلة دولة القانون، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في المرتبة الثالثة بحصولها على 37 مقعدا.
وقد مني تحالف الفتح الذي يضم الفصائل المسلحة، بهزيمة ساحقة حيث حصل على 14 مقعدا فقط، بعد ان كان القوة الثانية في البرلمان السابق بـ 48 مقعدا، فكانت ضربة قوية لحلفاء إيران من الفصائل المسلحة وأظهرت رفض الشارع الشيعي لها لاتهامها بقمع التظاهرات، وارتباطها بالاجندات الخارجية.
وفي كردستان حصلت الأحزاب الكردية على 61 مقعدا، منها 32 للحزب الديمقراطي «حزب بارزاني» و15 لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وكانت أكبر المفاجآت في انتخابات الإقليم، أن لا أصوات لحركة التغيير، مع تقدم الجيل الجديد (المعارض) وحصوله على 9 مقاعد وأعلى الأصوات.
أما النشطاء في انتفاضة تشرين، ورغم انقسامهم بين المقاطعة والمشاركة في الانتخابات، فإن «حركة امتداد» بقيادة الدكتور علاء الركابي ، حصلت على 10 مقاعد، إضافة إلى مقاعد لأشخاص آخرين لهم علاقة بالانتفاضة.
وكما متوقع وعقب ظهور النتائج الأولية للانتخابات اعترضت العديد من القوى المشاركة عليها، وكانت أبرز الاعتراضات على النتائج من كتلة الفتح، التي تضم الفصائل المسلحة الولائية، حيث قال زعيمها هادي العامري: «لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن وسندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة» كما طالبت كتائب حزب الله، «فصائل المقاومة» بالاستعداد، مدعية «إن ما حصل في الانتخابات التشريعية يمثل أكبر عملية احتيال والتفاف على الشعب العراقي» وان»على الحشد الشعبي أن يحزم أمره ويستعد للدفاع عن كيانه المقدس». أما «الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية» الذي يضم القوى الحليفة لطهران، ويتزعمه زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، فقد اعتبر نتائج الانتخابات الحالية بأنها «تعرّض السلم الأهلي للخطر» وذلك للضغط على مفوضية الانتخابات لتغيير النتائج لصالحها، وللحصول على مقاعد إضافية وتشكيل تحالف الكتلة الأكبر بمواجهة التيار الصدري.
ورغم هذه الاعتراضات، فإن الصدر يبدو مصمما وبقوة على تحقيق حلمه، متمسكا بانه الكتلة الأكبر وان الحكومة المقبلة ورئيس الوزراء سيكونان من تياره حصرا، لذا حدد الصدر في خطاب تلفزيوني بعض ملامح سياسة الحكومة الصدرية المقبلة. مشيرا إلى أنه «لا مكان للفساد والفاسدين بعد اليوم». وشدد على «وجوب حصر السلاح بيد الدولة ومنع استخدامه خارجها حتى ممن يدعون المقاومة» مضيفا «آن للشعب أن يعيش بسلام بلا ميليشيات» وهي الإشارة التي استفزت الفصائل المسلحة بالتأكيد. كما أكد الصدر، على ضرورة عدم التدخل في قرارات مفوضية الانتخابات أو الضغط عليها سواء داخلياً أو من قبل دول أجنبية، وإضافة إلى ذلك شكل الصدر لجنة للتفاوض مع باقي القوى لتشكيل الحكومة.
وسوى كتلة الفتح، أعلنت بعض القوى السياسية رفض نتائج الانتخابات، ومنها الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، والقوى السنية تحالف عزم والحزب الإسلامي وحزب للعراق متحدون، معلنين تقديم شكاوى إلى المفوضية، بحجة التلاعب بنتائجهم. فيما أعلن ائتلاف «الوطنية» بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، رفضه لنتائج الانتخابات، محذرا «من دخول العراق في فوضى» ومؤكدا ان «الانتخابات المبكرة لم تختلف عن سابقاتها، بل قد تكون أسوأ من حيث الحديث عن شبهات التلاعب والتزوير».
وأما بالنسبة للدور الإيراني المعتاد في لعبة تشكيل الحكومة العراقية، ورغم ان وزارة الخارجية الإيرانية رحبت بنتائج الانتخابات، إلا ان وسائل الإعلام الإيرانية أبرزت رفض بعض الخاسرين لنتائج الانتخابات، فيما أقرت بخسارة حلفاء إيران جزءا كبيرا من مقاعد البرلمان، جراء سياسة إيران وتخوف بلدان المنطقة منها. كما اعتبرت ان خسارة الفصائل الولائية قد يعرقل المطالبة بسحب القوات الأمريكية من العراق في البرلمان.
وهكذا فإن كل الإجراءات التي نفذتها الحكومة بهدف إقناع الناخبين بالمشاركة، مثل تغيير مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات والرقابة الدولية، أثبتت انها شكلية وغير ذات جدوى، لأنها من إعداد نفس القوى المتحكمة والمستبدة وتكرس وجودها.
وإذا كانت الإيجابية الوحيدة لهذه الانتخابات، في إضعاف الفصائل المسلحة سياسيا، وصعود محدود للمعارضة مثل الجيل الجديد ونشطاء تشرين إلى البرلمان، فإن نتائج الانتخابات التشريعية، جاءت لتؤكد صحة توقعات المقاطعين بأن أحزاب السلطة تجيد لعبة الانتخابات للإبقاء على وجودها في السلطة، وان لا تغيير جذريا في توازن القوى يحصل عبر الانتخابات، بغياب معارضة وطنية قوية منظمة قادرة على المواجهة، ووسط مقاطعة شعبية واسعة جراء غياب الثقة بأحزاب السلطة. وبالتالي فإن الهدف المعلن من الانتخابات المبكرة وهو امتصاص غضب الشعب وتغيير الأحزاب الحاكمة والعملية السياسية، لم يتحقق بالتأكيد، بل عزز خيبة الأمل من امكانية التغيير والإصلاح، مع مخاوف حقيقية من تداعيات أمنية على المشهد العراقي نتيجة الصراع بين الفصائل المسلحة على السلطة، ومتطلبات الأجندات الخارجية.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات