الوثيقة | مشاهدة الموضوع - طريق الأحلام» البيلاروسي مغلق سياسيا والمهاجرون عالقون على بوابات أوروبا : عبد الله امين الحلاق
تغيير حجم الخط     

طريق الأحلام» البيلاروسي مغلق سياسيا والمهاجرون عالقون على بوابات أوروبا : عبد الله امين الحلاق

مشاركة » الأحد نوفمبر 21, 2021 10:01 am

15.jpg
 
غداً تنتهي مدة إقامتنا في بيلاروسيا، وسيكون من الصعب علينا تجديدها واستمرار الإقامة في الفندق بدون أوراق نظامية، وهذا يعني أننا قد ننام في الشارع».
بهذه الكلمات ختم محمد العلي (سوري) حديثه لـ «القدس العربي» من أحد الفنادق في العاصمة البيلاروسية مينسك، التي وصلها قادماً من لبنان بصحبة زوجته وأخيه وزوجة أخيه الحامل في الشهر السابع. «قمنا ببيع كل ما نملكه في لبنان: بعتُ أثاث بيتي وسيارتي ومجوهرات زوجتي. وكلفتني فيزا الخروج من لبنان إلى بيلاروسيا 4 آلاف دولار، وقام الأمن العام اللبناني بوضع ختْم على جوازات سفرنا لمنْع دخولنا إلى لبنان مجدداً. نحن محاصرون هنا ولا مكان نستطيع الذهاب إليه.. وناطرين الفرَج».

لاجئون «محظوظون»

هذه واحدة من آلاف الحالات السورية وغير السورية العالقة على الحدود البيلاروسية-البولندية أو على مداخل دول الاتحاد الأوروبي الثلاث، لاتفيا وليتوانيا وبولندا، بعد أن قام الرئيس البيلاروسي بفتح بلاده أمام أبناء الدول التي تعيش حروباً وعدم استقرار أمني وسياسي واقتصادي في خطوة شكلت تحدياً لسياسات الاتحاد الأوروبي ولعباً بمسألة إنسانية بالغة التأثير.
حاول العلي ومن معه الانتقال من بيلاروسيا إلى بولندا بالسيارة ثم القطار ثم مشياً على الأقدام، قبل أن يعودوا إلى بيلاروسيا بسبب استحالة العبور. ثمة مهاجرون يبيتيون في أوتيلات من الممكن أن يطردوا منها في أي لحظة، وآخرون في العراء، وغيرهم هم الآن في الطريق إلى بيلاروسيا التي لم تغلق مجالها الجوي حتى ساعة إعداد هذه المادة.
تغيَّر الأمر «نحو الأفضل» نسبياً، في الأيام الأخيرة بحسب ما نقلت «وكالة الأنباء البيلاروسية» حيث تم نقل مركزين (معسكرين) لتواجد المهاجرين على الحدود البولندية يقع أحدهما بالقرب من معبر كوزنيكا الحدودي إلى أحد المستودعات، بدلاً من استمرار نوم المهاجرين في العراء وفي درجة حرارة تقل عن الصفر ليلاً. «الحظ الأفضل» كان من نصيب عدد من اللاجئين العراقيين الذين سيرت الحكومة العراقية رحلات جوية بهدف الإعادة الطوعية لهم، وبمبادرة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وبالفعل عاد 431 شخصاً منهم إلى بغداد في حين رفض آخرون العودة.
هذه الكارثة الإنسانية ذات الخلفية السياسية هي جزء من مسلسل طويل بدأ مع شهر تموز/يوليو الماضي عندما قام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بفتح حدود بلاده الجوية أمام المهاجرين واللاجئين القادمين من سوريا والعراق والصومال واليمن وأفغانستان بشكل رئيسي، وتمكنت شريحة من هؤلاء من الدخول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي قبل أن يبادر الأخير إلى إغلاق ممرات العبور إليه ضداً على سياسات لوكاشينكو التي اعتبرتها أوروبا «رداً على العقوبات المفروضة على بيلاروسيا نتيجة قمع المعارضة بقوة في ذلك البلد واستثماراً سياسياً في قضية اللاجئين الإنسانية». وقد حاول آلاف الأشخاص دخول الاتحاد الأوروبي عبر بيلاروسيا خلال عام 2021 وسجلت بولندا 5100 محاولة عبور حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، مات من تلك الحالات 12 شخصاً حتى الآن في الغابات وعلى الطرقات، من بينهم طفل سوري عمره عام واحد وُجد ميتاً في إحدى الغابات الحدودية يوم الثلاثاء الماضي.
مبادرة الحكومة العراقية لإعادة عراقيين إلى بلدهم عوضاً عن بقائهم في العراء، وقيام كل تركيا وأوزبكستان ولبنان بإغلاق مجالها الجوي أمام مسافرين إلى بيلاروسيا، هي جزء من محاولات احتواء الأزمة الحالية نتيجة الضغوطات، ووقف التدفق البشري إلى ذلك البلد الذي لا يجد فيه كثيرون فرصة كبيرة للعودة إلى المناطق التي خرجوا منها.

«تقدّم سياسي» لاحتواء الأزمة

مع توسيع الاتحاد الأوروبي نطاق ودرجة عقوباته على بيلاروسيا، واستمرار تدفق المهاجرين إليها، نقلت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية تصريحاً للمتحدثة باسم الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو، ناتاليا إيسمونت، قالت فيه إن «هناك حوالي 7000 مهاجر موجودون اليوم في بيلاروسيا من بينهم 2000 فقط متواجدون على الحدود مع بولندا» ومشيرة إلى أن «لوكاشينكو أبلغ المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بضرورة قيام الاتحاد الأوروبي بإنشاء ممر إنساني لألفي لاجئ في المخيم، بينما ستعمل مينسك على ضمان بقاء الخمسة آلاف مهاجر الآخرين وتمكينهم من العودة إلى بلادهم الأصلية». من جانبها تستعد المفوضية الأوروبية للتدخل بحوالي 700 ألف يورو لتوصيل الطعام والبطانيات ومستلزمات النظافة والإسعافات الأولية إلى اللاجئين والمهاجرين الموجودين في بيلاروسيا.
كل ذلك يشير إلى احتمال حلْحلة جزئية في هذا الملف خصوصاً مع يقين لوكاشينكو أن أوروبا لن تفتح الحدود رغم تدفق اللاجئين والمهاجرين اليومي إلى بلاده.
وإلى جانب الحالة الإنسانية التي يعاني منها العالقون على الحدود، فإن هذه الموجة تبدو مختلفة عن تلك التي سبقتها عام 2015. وعلى رغم وجود تقاطعات كبيرة أيضاً من ناحية كون اللاجئين هم فارون من بلاد غير مستقرة وغير آمنة وغارقة في الاضطهاد والفقر، ويبحثون عن مستقبل أفضل، فإنه يتم استغلالهم أيضاً من قبل تجار الأزمات والمهربين، بحسب الحالة. لا معلومات واضحة حول ما تقدمه المنظمات الإنسانية في تلك المناطق، وقد حاولنا التواصل مع إحدى المنظمات العاملة في بيلاروسيا وهي منظمة «Legalminsk» من دون أي تجاوب من المنظمة.
في عام 2015 وصل أكثر من مليون لاجئ ومهاجر فروا بشكل رئيسي من الشرق الأوسط إلى أوروبا، واتّبع معظمهم طريق البلقان. وقررت الدول الواقعة على طول الحدود مثل المجر إقامة جدران من الأسلاك الشائكة لحماية نفسها. في صيف ذلك العام، رحبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وبمبادرة ستسجل في التاريخ باللاجئين.
وفي اذار/مارس 2016 تم حل مشكلة ضغط الهجرة على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي من خلال اتفاق بشأن المهاجرين مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حيث وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم مبلغ 6 مليارات يورو مقابل قيام أنقرة بمنع تدفقات الهجرة غير النظامية إلى الاتحاد الأوروبي. كما نصت الاتفاقية على إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين عبروا من تركيا إلى الجزر اليونانية اعتبارًا من 20 اذار/مارس 2016 إلى تركيا. من جانبها تعهدت أنقرة باتخاذ أي تدابير ضرورية لتجنب الطرق البحرية أو البرية الجديدة للهجرة غير النظامية من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي والتعاون مع الدول المجاورة ومع الاتحاد الأوروبي لتحقيق هذا الهدف.
وفي عام 2020 بدأت تركيا بالضغط على الاتحاد الأوروبي لفتح حدوده مرة أخرى، في حين أكد قادة الاتحاد الأوروبي على استمرار التمويل لصالح اللاجئين السوريين. وفي الأزمة الحالية اتهم رئيس الوزراء البولندي أنقرة بالتواطؤ مع مينسك لأن تركيا هي منطقة عبور للمهاجرين الذين يصلون بعد ذلك إلى حدودها. وتحت التهديد بالعقوبات، أعلنت الخطوط الجوية التركية أنها لن تقبل بعد الآن مواطنين سوريين أو عراقيين أو أفغان على رحلاتها المباشرة من تركيا إلى مينسك باستثناء أولئك الذين يسافرون بجواز سفر دبلوماسي.
استخدام اللاجئين كورقة ليس جديداً ولا يقتصر على تركيا، فقد فعل المغرب الشيء ذاته تجاه مدريد، عندما دفعت الرباط آلاف المهاجرين إلى مدينة سبتة الإسبانية رداً على استقبال إسبانيا زعيم جبهة البوليساريو. ويبدو بشار الأسد وفلاديمير بوتين شركاء أيضاً في الضغط على الاتحاد الأوروبي من هذا الجانب، عبر كثيرين من السوريين الذين يسافرون بيسر وسهولة من سوريا إلى بيلاروسيا مباشرة، أو إلى روسيا ثم بيلاروسيا، ما يشير إلى تحول اللاجئين والمهاجرين السوريين (وغير السوريين بدرجة ما) إلى ورقة يرتمي بسببها أطفال وعائلات كاملة على الطرقات المغلقة والغابات المظلمة وفي ظروف إنسانية بالغة السوء. إلى ذلك، تعتزم بولندا بناء جدار عازل ابتداءً من شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل لمنع عبور اللاجئين، وسينتهي العمل عليه في النصف الأول من عام 2022 بحسب كلام لوزير الداخلية البولندي ماريوس كامينسك.
«نحن لسنا خائفين» هكذا كان رد المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جينتيلوني في تأكيد على عدم قبول سياسة «ليّ الذراع» من قبل تلك الأنظمة. من جانبها كانت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية دانا سبينانت واضحة جداً بالقول إن «لوكاشينكو يعرف ما يفعله ويعرف جيدًا أنه يستغل المهاجرين ويقوم بمعلومات مضللة، ويمارس ضغوطًا على حدود الاتحاد». بناء على ذلك وغيره من مواقف واضحة، «لا يبدو أن ثمة نية من بروكسل للتصالح مع لوكاشينكو» بحسب تقرير أجرته الصحافية الإيطالية فرنشيسكا باسّو لصحيفة «كوريري ديلا سيرا» الإيطالية.

بيلاروسيا ذهاب إياب

إلى جانب الخط والطريق الجديد والمغلق، طريق بيلاروسيا، تستمر طرقات الهجرة غير الشرعية الأخرى عبر البحر، من اليونان إلى إيطاليا، ومن شمال أفريقيا إلى السواحل الشمالية للمتوسط. وصلت سهى (اسم مستعار) إلى هولندا عبر طريق طويل وصعب جداً من أزمير ثم اليونان ثم إيطاليا، قبل مغادرتها إلى هولندا. «أفضّل أي طريق على أن أذهب من تركيا إلى بيلاروسيا بالطائرة».
وتنشط مجموعات مغلقة ومفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً «فيسبوك» لتبادل الآراء والنقاشات والمعلومات وأرقام المهربين وغير ذلك، غير أن المتابعة اليومية لتلك الصفحات تشير إلى تراجع قليل نسبياً في الطموحات التي بناها المسافرون إلى مينسك باعتبارها معبراً إلى «أرض الأحلام» أوروبا. فأحد السوريين ينصح أعضاء المجموعة بالسفر إلى تونس ثم إيطاليا بدلاً من الذهاب إلى بيلاروسيا، وثمة نداء استغاثة من سوري عالق في مينسك وانتهت مدة صلاحية أوراق إقامته فيها: «أريد أرجع لسوريا. شو الحل بظل وضع الطيران علماً أني طلعت من لبنان بشكل نظامي؟».
لكن كل تلك الأصوات المحبطة لا تلغي وجود أصوات تصر على الرحيل والهجرة «شباب.. معي فيزا على بيلاروسيا اليوم استلمتها من الشام، في طيران من أي مكان؟ اللي عندو معلومات يفيدنا وجزاكم الله كل خير».
هي ليست المرّة الأولى التي يتم فيها اللعب بهذه الورقة من قبل أنظمة استبدادية عاجزة عن فتح مجال للحريات والاستقرار الاقتصادي لمواطنيها، غير أن ضغط الصور اليومية وفظاعة الفيديوهات المتداولة والتقارير المكتوبة يومياً والمنشورة في الصحافة الغربية والعربية، كل ذلك يشير إلى استحالة الاستقرار القريب في مناطق الحروب والنزاعات، وإلى حجم الكارثة هناك بالنظر إلى الاستمرار في الاستعداد اليومي للسفر إلى بيلاروسيا رغم كل المحاذير والعواقب الواضحة، وهي قضية رافقت العديد من الهجرات وحركات النزوح والانتقال الديموغرافي في العالم في أوروبا والأمريكيتين والعالم العربي خلال حروبه الكثيرة، والمستمرة.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron