الوثيقة | مشاهدة الموضوع - الإرهاب: مصطلح يفرغه المحتلون من المحتوى : د . سعيد الشهابي
تغيير حجم الخط     

الإرهاب: مصطلح يفرغه المحتلون من المحتوى : د . سعيد الشهابي

مشاركة » الاثنين نوفمبر 22, 2021 12:22 am

في ظل استفحال ظاهرة القمع السلطوي ومحاصرة الحريات العامة خصوصا حرية الكلمة، أصبح المرء، في أغلب مناطق العالم، يحسب ألف حساب لما يقول، خصوصا إذا كان رأيه مخالفا لما تطرحه السلطات الحاكمة. ويزداد الحذر حين يتصل الأمر بموضوع «الإرهاب».
وفي غياب تعريفات دولية متفق عليها لهذا المصطلح أصبح تفسيره خاضعا للجهات الرسمية التي تفرض ما يتناسب مع سياساتها. وبرغم ما يدعيه الغربيون من احترام حرية التعبير أو تخلف حكومات الدول «الصديقة» وما تمارسه من اضطهاد لمواطنيها، فإن هؤلاء الغربيين يتماهون كثيرا مع ما تدعيه أنظمة الاستبداد، ويتواصلون معها بشكل طبيعي حتى لو ارتكبت أفظع الجرائم. ألا تكتظ سجون الإمارات والبحرين بسجناء الرأي الذين لم يرتكبوا جرائم يعاقب القانون الدولي عليها؟ فأين هو موقف «العالم الحر» من هذه الانتهاكات؟ وماذا عن مواقف «العالم الحر» إزاء ما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلية بحق أهل فلسطين من قتل يومي واعتقال وتعذيب وهدم لمنازل الفلسطينيين وتجريف قراهم؟ ألم تستول على مساحات واسعة بحي الشيخ جرّاح بالقدس؟ ألم يصبح الحديث عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين يصنف احيانا ضمن ما يسمى «معاداة الساميّة»؟
يمكن القول أن فشل العالم، ممثلا بمنظمة الأمم المتحدة، في التوافق حول المصطلحات المتصلة بأمن العالم وحرية الشعوب، من كبرى المشاكل التي تهدد أمن البشر وحياة الكثيرين منهم. وفي العقود الأخيرة أصبح مصطلح «الإرهاب» على رأس ما يحتاج لتوافق دولي تعريفا واصطلاحا وممارسة. مع ذلك ما يزال الأمر متروكا لكل حكومة لاستخدامه كما تشاء. فكما يعتبر الغربيون انتقاد السياسات الإسرائيلية ضمن معاداة السامية، فان مواقف النقد والتصريحات والمقالات الناقدة لسياسات أنظمة الاستبداد كثيرا ما صنّفت ضمن مقولة «الإرهاب». هذا التصنيف يتم توسيعه تدريجيا حتى يصل إلى مستوى استهداف كل ما يتصل بما يطلق الغربيون عليه «الإسلام السياسي». فاذا كان استهداف هذه الظاهرة قاسيا في العقود الأربعة التي أعقبت التعاطي معه بعد حرب 1967، فإن هذا الإستهداف توسع كثيرا في الأعوام العشرة التي اعقبت انطلاق ثورات الربيع العربي في العام 2011. قبل ذلك استهدفت الظاهرة في بلدان عديدة، وكان أشدها ما حدث في الجزائر بعد الانتخابات البرلمانية في العام 1992 التي حققت الجبهة الإسلامية فيها فوزا ساحقا، يومها حدث انقلاب عسكري على المشروع الديمقراطي، ولم يذرف «العالم الحر» دمعة على «المشروع الديمقراطي» الذي كان يروّج له خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. اما في العقد الأخير، فقد حدث أكبر انقلاب في تاريخ المنطقة المعاصر على الربيع العربي واستهدفت كافة منجزاته وآخرها إسقاط التجربة الديمقراطية المحدودة في تونس.
في الاسبوع الماضي أعلنت وزارة الداخلية البريطانية تصنيف «حماس» الفلسطينية منظمة إرهابية بشكل كامل، بعد أن كان هناك فصل بين جناحيها السياسي والعسكري (لواء القسّام) واقتصر التصنيف سابقا على الجناح العسكري. القرار البريطاني الجديد اعتبره أحد محللي صحيفة التايمز امتدادا للاستهداف الذي طال ما أسماه «الإسلام السياسي» بعد ثورات الربيع العربي. وقال التحليل المقتضب الذي نشر يوم الجمعة الماضية: «ساهمت الانتفاضات العربية في 2011 في اعادة رسم الخريطة الدبلوماسية للشرق الأوسط لغير صالح حماس. وأصبحت دول الخليج التي كانت يوما تدعم القضية الفلسطينية، أكثر تحسسا إزاء نفوذ الإسلام السياسي». فالانقلاب السياسي البريطاني ضد حماس يأتي في سياق الانقلابات الاخرى في السودان وتونس، وجميعها يتماهى مع ما سبق من انقلابات استهدفت منع وصول الإسلاميين إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع.

أما اليوم فبرغم تلاشي العمل العسكري ليس في خارج فلسطين فحسب بل في داخلها أيضا، إلا أن الضغوط تمارس أكثر من أي وقت مضى على المجموعات الفلسطينية

وأصبح على الشعوب العربية أن تصمت على أنظمة الاستبداد والاحتلال لقطع الطريق على الإسلاميين من الوصول إلى مواقع السلطة. واذا كانت هذه السياسة في السابق تمارس بعناوين اخرى، فقد اصبحت اليوم تطرح ليس بوضوح وصراحة فحسب بل بالتمادي في إظهار الوجه الحقيقي للمشروع السياسي المستقبلي للمنطقة. وقد تم التمهيد لذلك بوسائل شتى كان المشروع الطائفي في مقدمتها.
وماذا بعد؟ إلى أين يتجه هذا الصراع الوجودي على الأمة؟ كيف تعمل ديناميكية السياستين الإقليمية والدولية لكي تستطيع أن توصل الأمور إلى هذا المستوى؟ كيف استطاع تحالف «قوى الثورة المضادة» انتزاع السلطة والنفوذ في هذه الأمة من القوى التقليدية الكبرى واستطاع تهميشها إلى درجة العدم؟ إلى متى ستظل الدول العربية والإسلامية الكبرى صامتة امام هذا الوضع الذي تجاوز الحدود وقلب المفاهيم وشوّش معاني «الولاء والبراء» بهذا المستوى؟ هل من المعقول أن تحدث هذه التطورات المتوازية بدون كوابح من أية جهة، فيتم احتضان الاحتلال كشريك سياسي واقتصادي وتكنولوجي، بينما يتم تجريم رافضي الاحتلال وضحاياه واتهامهم بالإرهاب؟ ومن المؤكد ان تركيزا كبيرا سيحدث على عملية إطلاق النار يوم أمس بمدينة القدس التي قتل فيها فلسطيني وإسرائيلي، لتبرير إدراج حماس على قائمة الإرهاب. إنها حوادث يومية تحدث في الاراضي المحتلة كان المستوطنون مشاركين فيها في أغلب الأحيان. ولكن يتم غض الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية وينحصر اللوم على الجانب الفسطيني ان دافع عن نفسه يوما.
إن قضية فلسطين هذه لم تمر بمرحلة أسوأ مما وصلته اليوم. فحتى في ذروة العمل المسلح وحرب الاستنزاف واختطاف الطائرات والعمليات الانتحارية لم تستهدف قضية فلسطين بهذا المستوى. عندما كان كارلوس يصول ويجول مستهدفا الاحتلال داخل فلسطين وخارجها ويخطف وزراء اوبيك المجتمعين في فيينا، وحين كان أبونضال متصديا للعمل العسكري الذي يستهدف الإسرائيليين كانت موازين القوى الدولية والاقليمية تحول دون تجريم العمل العسكري الفلسطيني. أما اليوم فبرغم تلاشي العمل العسكري ليس في خارج فلسطين فحسب بل في داخلها أيضا، إلا أن الضغوط تمارس اكثر من اي وقت مضى على المجموعات الفلسطينية بهدف إجبارها على الاعتراف بالاحتلال والمشاركة في «مفاوضات الحل السلمي». فأصبحت أمام خيار صعب: إما الاعتراف بـ «إسرائيل» والتطبيع معها، او تحمل تبعات الوصم بالإرهاب. لقد مضى ثلاثون عاما على اتفاقات مدريد وأوسلو ولم يتحقق لـ «إسرائيل» ما تريده من تسوية تفضي إلى الاعتراف والتطبيع. ولذلك تحدث هذه المناوشات السياسية بشكل جاد. وثمة فرق نوعي هذه المرة سببه تشكل تحالف قوى الثورة المضادة الذي يهدف لتحقيق ذلك.
لم يعد مستغربا بروز ظاهرة الاستقطاب غير المسبوق بين تيارين يزدادان وضوحا. أولهما تيار التطبيع الشامل والاعتراف بـ «إسرائيل» والتخلي عن مصطلح «الاحتلال» وفرض تحالفات ومنظومات سياسية وعسكرية وامنية واقتصادية، وثانيهما: محور المقاومة الذي ما يزال وجوده هشا، ويضم كلا من إيران وحلفائها الإقليميين من دول ومنظمات. هذا التحالف ما يزال يفتقد التوافق المطلوب لتكوين جبهة فاعلة على غرار تحالف قوى الثورة المضادة. وتعتبر تركيا احد روافد الإسلام السياسي، وداعما قويا للخيار الفلسطيني. ولكن محور المقاومة يفتقد لقيادة تتصدى بشكل فاعل لمحاولات تصفية القضية والتطبيع مع الاحتلال، وتتوافق على سياسة واضحة حول الدول التي تطبّع مع العدو وتتواصل معه كصديق، وتتجاهل القضية الفلسطينية برمّتها.
وكان واضحا في مؤتمر «المنامة» الأخير عمق توجه تحالف قوى الثورة المضادة لاستهداف الحركات الإسلامية المحسوبة على ما يسمى «الإسلام السياسي وتجلياته.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron