الوثيقة | مشاهدة الموضوع - قراءة حديثة في سر تأخر العرب – عبد علي سفيح
تغيير حجم الخط     

قراءة حديثة في سر تأخر العرب – عبد علي سفيح

مشاركة » الخميس يناير 20, 2022 10:58 am

هذا السؤال سأله العرب والمسلمون وتزامن مع كل الأزمنة، قبل الاستعمار ، وأثناء الاستعمار، وما بعد الاستعمار والاستقلال، والى يومنا هذا.

سؤال مركب ومعقد. لن يجدي كتاب أو بحث أو تعليق أو مقالة للاجابة عليه. لكنه نتيجة وكردة فعل للحداثة التي أخذت حيزا مهما في الخطاب العربي والاسلامي. يبقى سبب تأخر العرب سؤالا شرعيا لأنه ولد من واقع العرب وحالهم والذي أصبح ظاهرة لافتة للنظر.

تبقى قضية التقدم والتخلف، شائكة من حيث الأسباب والدوافع والامكانيات. التخلف هو عكس التقدم. التخلف مصطلح شائع في العالم وتعني التدني على جميع المستويات، المدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية.

أشكال التخلف هي التخلف الفردي والاجتماعي والسياسي والاخلاقي. اما مظاهره هي انتشار الجهل والفقر والحرمان وتدني الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية وانتشار التسول وغياب القانون وتشريد الكفاءات والنخب.

اما أسباب التخلف العربي فممكن أن نلخصها بما عزاه النخب والمفكرون والمختصون بالدراسات السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ والفلسفة من العرب والمسلمين، الى: ثقافة البداوة، الدين، غياب الديمقراطية، ثقافة المجتمع الأبوي والذكوري، الاستعمار والقوى الطامعة، النفط، الجهل والأمية، الاستبداد.

اهتمت النخب العربية بالاجابة على هذا السؤال بشتى الطرق وحاولوا جاهدين الاجابة عليه. هذه الاجابات أخذت أشكالا مختلفة، على شكل نظريات وفرضيات واقتراحات وشروحات ومقارنات للاستدلال على أسباب التخلف وايجاد العلاج الناجع.

يمكن تقسيم هذه الأجوبة على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى وهي قبل الاستعمار اي نهاية القرن التاسع عشر وحتى سقوط الخلافة العثمانية:

رواد هذه المرحلة جمال الدين الأفغاني(1838-1897) الشيخ محمد عبده (1849-1905) ومحمد رشيد رضا(1865-1935). وهي شخصيات كبرى كان لها أكبر الأثر في حركة الاصلاح العربي والاسلامي في العصر الحديث.

بدأت دعوتهم في منتصف القرن التاسع عشر. وهذه الدعوة مثلت حجر الزاوية في نهضة العرب والمسلمين في تاريخهم الحديث.وهذه الدعوة هي سابقة لظهور المدارس الاصلاحية والتي تكونت عبر المراحل المختلفة بألوان دينية وقومية وعلمانية واصلاحية وثورية سواء يمينية أو يسارية الاتجاه. وكان مشروعهم هو الاصلاح السياسي عن طريق اقامة الجامعة الاسلامية على ضوء دول الكومنويلث الانكليزية (1).

المرحلة الثانية هي أثناء الاستعمار: ومن روادها طه حسين ومالك ابن نبي.
واقع المجتمع

طه حسين ( 1889-1973) تبنى مشروع التنوير العربي في بداية القرن العشرين. أفكاره لم تكن منفصلة عن واقع المجتمع العربي، بل نابعة من قضاياه واشكالياته التي مر بها. جاءت أفكاره بهدف نهضة حقيقية تقوم على علاقة جدلية بين الانسان ومحيطه الاجتماعي وأساسه اللغة العربية.

نظرية طه حسين تقول: لو صلحت اللغة العربية، لصلح حال التعليم. ولو صلح التعليم، صلح المجتمع. ولو صلح المجتمع، صلحت السياسة. الاصلاح الاجتماعي كان أساسا في نظرية طه حسين.

اما مالك ابن نبي ( 1905-1973) ويعتبر من رواد النهضة الفكرية. ويمكن اعتباره امتداد لابن خلدون. استخدم في نهجه علم النفس الاجتماعي وكانت نظريته مشابهة الى طه حسين من حيت اعطى الأولوية الى الاصلاح الاجتماعي.

المرحلة الثالثة وهي بعد استقلال العرب من الاستعمار: رواد هذه المرحلة شخصوا سبب علة العرب وتأخرهم هي علة بنيوية. أي مشكلة في البناء الفكري والاجتماعي والثقافي. وأشهر رواد هذه المرحلة هم:

محمد أركون (1928-2010) في كتابه الشهير نقد العقل الديني في 1957.

صادق جلال العظم ( 1934-2016) في كتابه الشهير نقد الفكر الديني في عام 1969.

محمد عابد الجابري ( 1935-2010) في كتابه الشهير نقد العقل العربي في عام 1984.

وحامد أبو زيد ( 1943-2010) الذي نقد الأدوات المعرفية في التعامل مع النصوص القديمة والحديثة. أي معتزلي في مواجهة الأشاعرة.

جل هؤلاء المفكرين العرب اضافة الى آخرين، اتبعوا المنهج الأوربي الذي استخدمه الفلاسفة ومنهم الفيلسوف الألماني ايمانويل كانط ( 1724-1804) في كتابه الشهير نقد الفكر المجرد عام 1781.

السؤال الذي ممكن أن نضعه هو: لماذا المصلحين والمفكرين والنخب العربية رغم جهودهم الحثيثة ونواياهم الطيبة لم يستطيعوا أن يوقفوا عجلة التدهور والتخلف المستمر؟ هل كانوا غير واقعيين، وغير مؤثرين، وغير عقلانيين؟.

الجواب طبعا لا. اذن أين الخلل؟. باعتقادنا الخلل يعود لسببين.

السبب الأول: العلة ليست في الفكرة ولا في الواقع الذي يتقبل الفكرة بل في سيتراتيجية التطبيق.و سوف أوضح هذه الفكرة:

الحداثة في العالم الغربي مرت بمراحل. البداية كانت في القرن السادس عشر بدأت بنقد الفكر والتقاليد والثقافة، وبدأت من الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت (1596-1650) والفيلسوف التنويري سبينوزا( 1632-1677) وبعدها الفيلسوف الألماني كانط مرورا بكل فلاسفة النور.

هذه المرحلة مهدت الأرضية الخصبة للمرحلة الثانية وهي فلسفة بناء الدولة الحديثة عن طريق دولة القانون. وكان من روادها الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو( 1689-1755) في كتابه الشهير روح القوانين. مهدت المرحلة الثانية الى المرحلة الثالثة وهي اصلاح المجتمع وأذكر هنا الأديب والفيلسوف الفرنسي فولتير(1689-1755) في كتابه الشهير كانديد. ومنها الى المرحلة الرابعة بعد أن تم صلاح الدولة والمجتمع، وهي بناء عقد بين المجتمع والدولة. ومن روادها هو الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو ( 1712-1778). بعده وجد المفكرين والفلاسفة أن العطل لا في الدولة ولا في المجتمع ولا في العقد المبرم بين الدولة والمجتمع، بل العطل هو في النظام السياسي. وضع الأدباء والمفكرين جهدهم في الاصلاح السياسي وعلى رأسهم الأديب والفيلسوف فيكتور هيغو(1802-1885) ورواياته الشهيرة من البؤساء، وأحدب نوتردام، وملائكة بين اللهب والرجل الضاحك هي خير تعبير عن ضرورة الاصلاح السياسي.

الذي حصل لدينا هو العكس. المرحلة الأولى من الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وهي مرحلة الأصلاح السياسي، المفروض أن تكون آخر مرحلة ، والمرحلة الأخيرة من محمد الجابري ومحمد أركون وغيره المفروض أن تكون المرحلة الأولى وليست المرحلة الأخيرة. المرحلة الوحيدة التي وجدت مكانها الصحيح هي مرحلة الاصلاح الاجتماعي لطه حسين ومالك بن نبي. لذلك هذه الجهود الكبيرة التي امتدت على فترة أكثر من 100 عام لن تثمر رغم جدية أصحابها.

السبب الثاني: هؤلاء المصلحين والمفكرين والفلاسفة العرب طرحوا آراءهم قبل الثمانينات من القرن الماضي، أي قبل ولادة ظاهرة الحداثة في الخليج العربي. هذه الظاهرة لفهم سر هذا التحول السريع، تستحق الكثير من الدراسات والتحليلات. وممكن أن نسميها ظاهرة التأثيرات المتعددة والمتتالية على الصعيد السياسي، الثقافي، الاجتماعي والاقتصادي ويرى البعض سر هذا التطور والحداثة هو ثنائية النفط والتعليم ( 2).

ظاهرة الخليج العربي نسفت كل النظريات والفرضيات والدراسات والادعاءات للمفكرين والأكاديميين والسياسيين العرب حول سبب التأخر المستمر للعرب، كما أسقطت ظاهرة الصين نظرية الفيلسوف فرنسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والانسان الأخير في 1992.بالرغم من نظام الحكم القبلي والعائلي والأبوي والرجولي، اضافة الى انعدام الديمقراطية وعدم مساهمة المرأة بشكل فعال، مع هيمنة الثقافة البدوية والتقاليد العربية، وقوة الدين، مع وجود قوي لقوى الدول الغربية المهيمنة ، كذلك وجود النفط مع غياب الموروث النخبوي والعلمي والتاريخي لهذه المنطقة، الا أن دول الخليج العربي استطاعت بناء دول حديثة دولة نظام وقانون، مما جعلوا من دبي وقطر حواضر عالمية من العمران والنظافة والخدمات الصحية والأمن وتوفير كل الخدمات التي تحفظ كرامة الانسان. هذه الظاهرة زاوجت بشكل متوازن بين الاصالة والحداثة، وبين الدين والدولة، وبين الحاضر والمستقبل.
بناء الدولة

اذا افترضنا أن ظاهرة الخليج العربي أسقطت كل النظريات والآراء في بناء الدولة الحديثة في الوطن العربي، المفروض أن نجد جوابا جديدا.جواب يأخذ بنظر الاعتبار بأن الحداثة في الوطن العربي لا تشترط بالديمقراطية والعلمانية وهيمنة القوى الخارجية، ولا بمحاربة التقاليد ولا بوجود نخب عالية. اذن ما هو سر هذا التأخر المستمر منذ أكثر من 80 عاما؟.

الجواب الأقرب الى الحقيقة يأتي من ظاهرة الخليج العربي. بدل اشغال أنفسنا بسر التأخر، فلنرى ما هو سر تطور دول الخليج المستمر منذ 50 سنة تقريبا دون تأخر.

ممكن أن نقول فرضيتنا مبنية على أساس : الاستقرار سمة الخليج العربي مثل استقرار الأنواء الجوية. منذ أكثر من 100 عام يشهد الخليج العربي استقرارا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. هذا الاستقرار وفر بيئة لجذب كل قوى الابداع العمرااني والثقافي والفكري والاقتصادي. لمس العالم سمة الاستقرار من ثلاث ظواهر كبيرة وهي:

1- في الوقت الذي قسمت فيه اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية في 1916 العالم العربي الى دويلات وامارات وممالك، نهض عبد العزيز بن سعود ( 1876-1953) ساعيا لتوحيد غالبية شبه الجزيرة العربية واعلان نفسه ملكا في عام 1926.

2- في الوقت الذي فشلت فيه كل مشاريع الوحدة في الوطن العربي، برز الأمير زايد بن سلطان آل مهيان (1918-2004) موحدا 7 امارات في الخليج العربي عام 1971.

3- لن ولم يشهد تاريخ البشرية منذ أكثر من 6 آلاف سنة أن حكموا اخوة من نفس العائلة مملكة منذ ما يقارب 70 سنة دون نشوء خلاف أو قتل أو اقصاء، وهي المملكة العربية السعودية.

هذه الظواهر الثلاث النادرة حصلت في منطقة الخليج العربي، مما أعطت علامات الاستقرار الدائم. وهذه سمة لم يشهدها العالم العربي منذ 100 عام.

الآن اسمحوا لي بالتنقيب والحفر أكثر فأكثر في هذا الموضوع لوضع اصبعنا على الذي ضيّع وسرق سمة الاستقرار من عالمنا العربي؟ قد نتفاجأ لو قلنا أن الجيوش الوطنية العربية هي سبب عدم استقرار الدول العربية. سوف أوضح هذه الفكرة:

الجيش مؤسسة وطنية تأسست للدفاع عن الوطن وتحقيق الاستقرار والبناء فيها. هذه المؤسسات الوطنية استوعبت أبناء الفقراء والطبقات المتوسطة وبعمر 18 سنة ممن لم يحالفه الحظ بدخول الجامعات لاسباب اقتصادية أو لمحدودية ذكاءهم المعرفي. هذه المؤسسة هي التي سيطرت على السلطة وعلى مقاليد الحكم بالرغم من نواياهم الحسنة واندفاعاتهم الوطنية واحساسهم بالظلم وعدم المساوات. الا أن محدودية ثقافتهم وتجربتهم في الادارة والحكم، هي التي جعلتهم يديرون النزاعات حسب مهنتهم وذلك باعطاء الأولوية للقوة والعنف في ادارة النزاع، خاصة بعد ولادة دولة اسرائيل في عام 1948 مما أعطت شرعية كاملة لمؤسسة الجيش في الحكم.

المؤسسة العسكرية أصبحت البيئة التي أيقظت الموروث القبلي المبني على الولاء وليس على الكفاءة، وكذلك أيقظت موروث المماليك والسلاجقة في نظام الحكم والمبني على عسكرة المجتمع. وليس عجبا أن نرى الدول العربية هي آخر دول العالم تبنت الديمقراطية. والدولة الوحيدة في العالم التي لا زال يحكمها العسكر هي مصر وهي مولد المماليك.

الجيوش الوطنية العربية حولت الدول العربية صاحبة الحواضر التاريخية الى سوح قتال محطمة كراسي الحداثة الرقيقة وأصبح كل شيء من أجل المعركة مثل العراق وسوريا وليبيل واليمن ومصر، تدفع شعوبها فاتورة الحروب الخاسرة والنصف الخاسرة ، بينما دول الخليج العربي التي لا تملك جيوش جرارة هي أكثر تطورا وحداثة.

المراجع

1- علي سالم: كتاب الاصلاح السياسي والاسلامي من الأفغاني الى رشيد رضا. الفكر الاسلامي المعاصر. القاهرة 2001.

2- عبد المالك خلف التميمي: كتاب الحداثة والتحديث في دول الخليج العربي منذ منتصف القرن العشرين. سلسلة عالم المعرفة. الكويت.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron