الوثيقة | مشاهدة الموضوع - بين الإساءة ” للرموز” وتكميم الأفواه في العراق أمير المفرجي
تغيير حجم الخط     

بين الإساءة ” للرموز” وتكميم الأفواه في العراق أمير المفرجي

مشاركة » الخميس يونيو 16, 2022 12:12 pm

مع تواصل فشل بعثة الأمم المتحدة لوقف أعمال العنف والتهديد المنسوب إلى مؤسسات الدولة العراقية وعناصرها المسلحة، ضد القوى الناشطة المعارضة للأحزاب الطائفية الحاكمة، تستمر الخروقات الهادفة إلى إخماد حرية التعبير، التي هي حقّ أساسي من حقوق المواطن، تنصّ عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث تتعرض حرية الإعلام في العراق للاعتداءات والتشويه، تحت غطاء المساس بالرموز المذهبية في العديد من المجالات، وبسبب دورها الأساسي في ضمان الشفافية على مستوى إدارة السلطات العامة والدينية ومساءلتها.وهذا ما يجعل من طبيعة الخروقات التي تمارسها عناصر بارزة في مؤسسات الدولة العامة، لوحة قاتمة للواقع العراقي، في ما يتعلق بحقوق الإنسان وحرية التعبير، التي وردت في الدستور العراقي، والتي غالباً ما يتم تبريرها على إنها إساءة لمؤسسات الدولة، وبالتالي تمريرها في المحاكم من باب إهانة القضاء والتطاول على رموز البلاد من ساسة ورجال دين.

الرمز الوطني هو رمز سيادة الأمة وقائد نضالها ضد الاستعمار والتبعية الهادف إلى توحيدها، من خلال تمثيله لجميع أفراد المجتمع العراقي

من هنا أصبح من الصعوبة الالتزام الموضوعي بحرية التعبير والنقد الهادف لكشف سلبيات النظام الطائفي، من دون التعرض إلى التهديد والتجريم، بحجة مساسها بقدسية الدولة العراقية، التي تسيطر عليها الأحزاب الطائفية، وبعض الساسة الفاسدين، وعدم احترامها للحدود المرسومة، وبحجة تجاوزها للحق المطلق لحرية التعبير في إبداء الرأي، كي “لا يتحول إلى خطاب للكراهية والتحريض من قبل الشعب على رموز الدولة ورجال الدين”. فثمة من يرى في الرموز العراقية التي تتصدر المشهد السياسي العراقي، أنها ليست سوى فبركة إعلامية وتحصيل حاصل للأحداث التي مرت في العراق، كالدور الأمريكي ومسؤوليته عن إعادة رسم العملية السياسية، إضافة إلى أمور أخرى كمعيار الطائفية ودور إيران في توجيهه لصالحها، حيث سلطت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية طوال أكثر من عقدين، الضوء على رموز سياسية ودينية معينة، وحاولت ان تظهرها للمجتمع العراقي على أنها رموز سياسية وطنية، على الرغم من افتقادها لأدنى سمات الوطنية المتمثلة في جمع العراقيين وتحرير بلدهم من سيطرة الأجنبي. فالرمزية الوطنية العراقية هي التعبير عن نظام من الرموز المتصلة بالأحداث والمعتقدات التي مرت في العراق. فيمكن أن يكون الرمز الوطني علامة تصويرية، تمثل مفهوما كالعلم العراقي الذي يمثل سيادة العراق واستقلاله، وهو صورته وسمته وشعاره. كما يمكن أن يكون الرمز الوطني العراقي شخصية سياسية، أو دينية تجسد تطلعات العراقيين، في دفاعه عن الوطن، وكونه عنصرا وطنيا تقتدي به الأجيال ويجمع العراقيين تحت خيمة الوطن، يدافع عن بلده ضد من حاول احتلاله ومسح هويته الوطنية، ويذكر للأجيال تاريخه المشرف. وهنا لا بد من الإشارة والتأكيد على بعض العوامل التي لعبت الدور الخطير في العملية السياسية الجديدة، من خلال محاولة بعض الاحزاب خلق رموز سياسية ودينية، لتكون واجهة لها وأداة يحتمي بها كاتمو الأفواه والحريات، التي يتم تبريرها على إنها شكل من أشكال التطاول على رموز المنظومة السياسية والدينية، عراقية كانت أم إيرانية، حيث تعرضت التظاهرات في عام 2019 التي عمت بغــداد ومعظم مناطق جنوب البلاد، لقمع أسفر عن مقتل أكثر من 600 شخص وإصابة الآلاف بجروح، بعد أن كشف المتظاهرون سلبيات النظام الطائفي ومن ثم المطالبة بتغييره. وفي الوقت الذي يحاول البعض إضفاء صفة القدسية والرمزية الوطنية على أمراء الميليشيات ومعممي التفرقة الطائفية، أظهرت المؤشرات والبحوث العراقية والدولية تراجعا كبيرا في عمل وهيبة مؤسسات الدولة العراقية، نتيجة لغياب الأسس الوطنية القانونية لنظام المحاصصة الطائفية ورموزه الإثنية، التي فتحت الباب على مصراعيه للتدخل الأجنبي، الذي انتهك سيادة العراق ورمزه المتمثل في الهوية الوطنية العراقية العابرة للطوائف، التي لم يبخل المدافعون عن حقوق الإنسان من ناشطين سياسيين ومتظاهرين في الدفاع عنها، على الرغم من حالة التسييس المتعمد للقضاء، التي شجعت قتلة المتظاهرين على الإفلات من العدالة، في الوقت الذي تم إصدار الأحكام القاسية المستندة إلى الادعاءات الكيدية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان من أبناء الشعب العراقي.
لا شك في أن حرية الرأي لا تعني التجاوز على الدولة والتطاول على الرموز الدينية والوطنية، التي تمثلها عندما ينعم المواطن بالأمان والحرية، وعندما يكون ولاء الساسة ورجال الدين لبلدهم، ليكونوا في النهاية الرمز الوطني والديني الحقيقي للعراق وللعراقيين. وبمعنى آخر أن الرمز الوطني هو رمز سيادة الأمة وقائد نضالها ضد الاستعمار والتبعية الهادف إلى توحيدها، من خلال تمثيله لجميع أفراد المجتمع العراقي وليس رمز التفرقة والفساد والولاء للأجنبي.

*كاتب عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات

cron