بغداد -عبدالحسين غزال
دعا زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، الأربعاء، إلى حل مجلس النواب العراقي وإجراء انتخابات مبكرة رافضا جميع المبادرات التي دعت الى العودة لطاولة الحوار مع خصومه في الاطار التنسيقي الذي يضم عدوه الأكبر نوري المالكي ..
وقال الصدر خلال كلمة له: «لا يخدعونكم بأن ما يحدث صراعا على السلطة، ولو كنت أريد السلطة لما سحبت 73 نائبا من مجلس النواب. هذا ليس صراعا على السلطة، ولم أقرر بعد الدخول في الانتخابات الجديدة، وما عودتي إلى الانتخابات الأخيرة إلا لسن قانون تجريم التطبيع».
وأضاف: «فبعد أن شكلنا كتلة وطنية لتشكيل الحكومة، عرقلت بدعاوى قضائية كيدية».
وتابع زعيم التيار : «لست ممن يعادي أحدا على الإطلاق وإن كان يريد قتلي كما في التسريبات الأخيرة أو ممن سكتوا عليها، ولا أكن لهم إلا طلب الهداية، لا لأجلهم، بل محبة بالدين والمذهب والشعب والوطن. ولا تذعنوا لشائعاتهم بأنني لا أريد الحوار، لكن الحوار معهم قد جربناه وخبرناه وما أفاء علينا وعلى الوطن إلا الخراب والفساد والتبعية على الرغم من وعودهم وتوقيعاتهم».
وأوضح الصدر: «لا فائدة ترتجى من ذلك الحوار، خصوصا بعد أن قال الشعب كلمته الحرة العفوية. أيها العراقيون، كما عهدتموني، فإنني لن أرضى بإراقة الدماء، وإن أقدموا على ذلك، فالإصلاح لا يأتي إلا بالتضحية مثل الإمام الحسين، وأنا على استعداد تام للإصلاح من أجل العراقيين».
وأشار الصدر إلى أن «الثورة بدأت صدرية، وما الصدريين إلا جزءا من الشعب، والثورة لن تستثني أي فاسد في التيار الصدري».
توالى امس تأييد مبادرة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي للجلوس الى طاولة الحوار ، فيما دعت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) الأربعاء الطبقة السياسية إلى إيجاد «حلول عاجلة للأزمة» عبر الحوار بين الأطراف السياسية، وسط خلافات حادة في ما بينها حول تسمية رئيس وزراء جديد للبلاد. ويسيطر أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، منذ السبت على مبنى مجلس النواب احتجاجا على اسم مرشح تحالف الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء. وفي محاولة للخروج من الأزمة، دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يتولى حكومة تصريف الأعمال، الأطراف السياسية إلى الدخول في «حوار وطني». وأفادت وكالة الأنباء العراقية الأربعاء بأنّ هادي العامري، زعيم أحد الفصائل البارزة في تحالف الفتح الموالي لإيران، والمنضوي في الإطار التنسيقي أعلن تأييده لمبادرة الكاظمي.
وقال العامري في بيان «نؤكد ما اكدناه سابقا ان لا حل للازمة الحالية الا عبر تهدئة التشنجات وضبط النفس والجلوس على طاولة الحوار البناء الجاد».
وأضاف «لذلك نؤيد ما جاء ببيان رئيس مجلس الوزراء…بخصوص الأحداث الأخيرة التي تشهدها البلاد». واعتبرت بعثة الأمم المتحدة في بيانها أن «الحوار الهادف بين جميع الأطراف العراقية الآن أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، حيث أظهرت الأحداث الأخيرةُ الخطرَ السريع للتصعيد في هذا المناخ السياسي المتوتر». وأضافت «نناشد الجهات الفاعلة كافةً الالتزامَ والمشاركة بفاعلية والاتفاق على حلولٍ من دون تأخير». يشهد العراق أزمة سياسة وتوتراً منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2021، بسبب الخلافات حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية ورئيس وزراء للحكومة المقبلة.
ويواصل الأربعاء مئات المحتجين المناصرين للتيار الصدري الاعتصام في مبنى مجلس النواب لليوم الخامس على التوالي، كما شاهدت صحافية في فرانس برس. ويأتي ذلك غداة دعوة التيار الصدري أنصاره للانسحاب من قاعات رئيسية في البرلمان والاعتصام حول المبنى وفي الحدائق المجاورة خلال 72 ساعة. ونبهت البعثة الأممية الأطراف السياسية بأنه «لا يسعُ العراق احتمالُ أن يذهب حوارٌ وطنيٌ آخرَ سُدى. ولا يحتاج العراقيون إلى صراعاتٍ مستمرة على السلطة أو إلى المواجهات».
وأضافت «أمام العراق قائمة طويلة من القضايا المحلية العالقة: فعلى سبيل المثال لا الحصر العراق بحاجةٍ ماسّة للإصلاح الاقتصادي، وخدمات عامة، فضلاً عن إقرار الموازنة الاتحادية».
وبسبب عدم تشكيل حكومة جديدة للبلاد، مازال العراق يعتمد على موازنة عام 2021، التي وضعت وفقا لسعر برميل النفط أقل بكثير مما هو عليه حاليا في الأسواق العالمية، ما يعني أن الإنفاق العام أقل بكثير مما يمكن أن يكون عليه.
وبهدف مواصلة تأمين الاحتياجات الملحة، أقر البرلمان قانون الدعم الطارئ في حزيران/يونيو، ويتضمن تخصيصات لاستيراد الطاقة من الخارج واستيراد الحبوب وتمويل برامج التنمية مثل مشاريع إعادة التأهيل الحضري في بغداد.
في الأثناء، أجرى رئيس الوزراء الأربعاء، محادثات مع رئيس الجمهورية برهم صالح، أكدا خلالها على أهمية «ضمان الأمن والاستقرار» في البلاد.
موظفون وربات منزل وعمال مياومون أو ناشطون: هؤلاء هم المعتصمون داخل البرلمان العراقي منذ أيام، يرفعون المطالب نفسها، لكنهم قادمون من خلفيات مختلفة. يكرّر الجميع الخطاب نفسه، خطاب مماثل لكلام مقتدى الصدر، ويترافق مع مطالب اجتماعية تعكس قسوة الحياة اليومية بالنسبة للطبقة العاملة في العراق: من تغيير النظام السياسي ومكافحة الفساد إلى إيجاد عمل للشباب، وتأمين خدمات عامة جيدة. وخلف هذه اللغة الموحّدة، قصص مختلفة.
المدرّس الثائر
ترك علي محمد البالغ من العمر 43 عاماً زوجته وأطفاله الثلاثة في البيت في جنوب العراق، وجاء ليشارك في الاعتصام منذ السبت.
ويقول الرجل بلغة فصيحة تعبّر عن مهنته كمدرّس تربية إسلامية، «(جئت) من أجل إخلاص بلدي من أفكاك الفاسدين». ويطالب المدرس أيضاً بدستور جديد ونظام رئاسي. ولا يخفي مشاركته منذ العام 2003 بكلّ التظاهرات التي دعا إليها التيار الصدري.
ويكرر عبارة «نحن الصدريون» أكثر من مرة، ويروي كيف شارك أربع مرات باقتحام المنطقة الخضراء المحصنة في العاصمة التي تضمّ مقرات حكومية وسفارات، فقد دخل البرلمان في العام 2016 ومكتب رئيس الوزراء، وعاد ليدخله مرتين خلال الأسبوع الماضي.
ويضيف «دخلتها كلها ونعم أفتخر»، متحدّثاً عن «الاتجاه الثوري العقائدي» للتيار الذي ينتمي إليه.
ويقرّ الرجل بوجود «تحديات وصعوبة في صراع الإصلاح» لكن «الحماية الإلهية» التي يتمتع بها الصدر، تسهّل المهمة، إضافة إلى «قاعدته الجماهيرية المتفانية التي تعتبر الذراع التي يضرب بها أوكار الفاسدين».
ربّة المنزل
تجلس أم علي على أريكة داخل مبنى البرلمان. تأتي المرأة البالغة من العمر 47 عاماً يومياً إلى البرلمان منذ السبت مع زوجها وأشقائها وأولادهم.
تؤكّد المرأة، وهي ربّة منزل ترتدي العباءة السوداء الطويلة والجدّة لـ 13حفيداً، أنها ستأتي «كل يوم، إلى حين أن يقول لنا السيد انسحبوا».
وضعت أم علي صورة مقتدى الصدر على ركبتيها فيما قالت «إنه الوحيد النزيه، الوحيد الذي يكافح ضدّ الظلم».
في بلد غني بالنفط ولكن يعاني من الفساد، تشارك أم علي بالتظاهرات «لاسترجاع الوطن. الوطن ضاع الوطن كله قد تم نهبه».
أم علي من سكان حيّ مدينة الصدر الشعبي في بغداد والذي سمّي تيمناً بوالد مقتدى. زوجها من ذوي الاحتياجات الخاصة إثر إصابة تلقاها في العام 2009 بانفجار في بغداد. وتقول «كان موظفاً، وكان خارجا من مكان العمل». وتضيف أنه اضطر لترك المدرسة من المرحلة الابتدائية لإعالة عائلته، «مذّاك، لم نتلقَّ أي تعويض».
تندّد المرأة وهي أم لستّ بنات وصبي بأن «ليس هناك عمل للشباب. حتى الخريجون بشهادات عليا يعملون حمّالين أو عمالاً بأجر يومي. أهذا ما يستحقون؟».
كان رسول عاشور البالغ من العمر 20 عاماً، من بين المتظاهرين الذين دخلوا البرلمان. في التكتك الخاص به الذي أحضره من مدينة الصدر، ومقابل 500 دينار للشخص الواحد (نحو 30 سنتاً من الدولار)، يقلّ رسول الآن المتظاهرين عبر الطريق الطويل الذي يؤدّي إلى البرلمان، ما يوفّر عليهم عناء السير تحت شمس حارقة ودرجة حرارة تقارب الخمسين مئوية.
يقول الشاب «إنها تعرفة رمزية، تكفيني ثمن الوقود فقط».
العمل في حيّ مدينة الصدر يعطيه مردوداً يفوق العشرة دولارات بقليل بالكاد يكفيه لتأمين قوت زوجته وابنته البالغة من العمر عاماً واحداً.
مثل رسول، جاء العشرات من سائقي التكتك إلى المنطقة الخضراء ومحيطها لإقلال المتظاهرين إلى البرلمان.
ويقول «كل هؤلاء الشباب ليس لديهم عمل. … نريد عملاً. ليعطوني عملاً مهما كان، حتى لو كان حراسة الحدود مع سوريا».
ويندد الشاب أيضاً بسوء حال الطرقات في حيّه، وانقطاع الكهرباء اليومي، وغياب الخدمات العامة.
ومطلبه الأخير للسلطات: رفع المنع عن تجوّل التكتك بين الساعة السادسة مساءً والسادسة صباحاً.
لمتظاهر المناهض للنظام -
ليس كغيره من المتظاهرين، يؤكد مصطفى، مهندس الكمبيوتر البالغ من العمر 29 عاماً ويتابع دروس اللغة الفرنسية في أوقات فراغه، أنه لا ينتمي إلى التيار الصدري.
ومثل عدد قليل من المتظاهرين في البرلمان العراقي، فإن ولاءه الأوّل هو للحركة الاحتجاجية الواسعة المناهضة للسلطة، التي هزّت العراق في خريف العام 2019.
يذكّر الشاب بأن الصدريين في ذلك الحين انضمّوا إلى الاحتجاجات في وقت من الأوقات.
ويقول «نصف المتظاهرين كانوا من المناصرين للصدر، كان لديهم خيمهم الخاصة بهم ورفعوا صوره».
وهو يأتي يومياً إلى اعتصام البرلمان من أجل «تغيير واقع» العراق.
ويقول عن السياسيين «لديهم الملايين والمليارات، لديهم مكيفات، وبيوت، وقصور في الخارج، ونحنا لا نملك شيئاً على الإطلاق». ويضيف «إذا ذهبتَ إلى منطقة أخرى في العاصمة، لن تجد لا ماء ولا كهرباء».
وعند سؤاله عن دعوة الصدر لتغيير النظام السياسي، ضحك، وقال «لكنه غيّره! أين الحكومة؟ سقطت».