الوثيقة | مشاهدة الموضوع - شتاء أوروبي بلا غاز روسي… ما هي البدائل ووسائل المواجهة؟
تغيير حجم الخط     

شتاء أوروبي بلا غاز روسي… ما هي البدائل ووسائل المواجهة؟

مشاركة » الثلاثاء سبتمبر 27, 2022 2:57 am

9.jpg
 
إسطنبول – الأناضول: يراهن الاتحاد الأوروبي على قدرته على الصمود خلال شتاء المقبل، بعد انقطاع إمدادات الغاز والنفط الروسية وذلك بفضل ما اتخذه من إجراءات لمواجهة نقص الطاقة، وتداعياته. غير أنه ليس من السهل تعويض 150 مليار متر مكعب من الغاز الروسي خلال الشتاء المقبل، ناهيك أن درجات الحرارة بدأت في الانخفاض مع بداية الخريف.
فالكميات الفائضة والمتوفرة من الغاز في السوق العالمية لا تكفي جميعها لتغطية 40 في المئة من حصة روسيا من الواردات الأوروبية، لذلك فأوروبا مضطرة لإيجاد حلول مبتكرة. وتتجه دول أوروبية نحو خطط تقشفية قاسية أثارت رفضا لدى فئات من المواطنين وحتى من بعض المصانع، لأن من شأنها تخفيض الإنتاج، وإحالة العمال على البطالة، وإدخال القارة العجوز في حالة ركود.. وحالياً عناك أمام الاتحاد الأوروبي خيارات محدودة لمواجهة شتاء دون غاز روسي، وتخفيف حدة أزمة نقصها، ليس فقط على المدى القصير بل أيضاً على المديين المتوسط والطويل.
هناك أولاً الغاز الأمريكي، فالولايات المتحدة التي أصبحت أكبر مُصدِّر للغاز المسال في العالم، وجهت 71 في المئة من صادراتها من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2022، مقارنة بنحو 30 في المئة في 2021، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ويمكن للصادرات الأمريكية أن تغطي ما بين 70 و80 في المئة من فاقد الغاز الروسي المصدر إلى أوروبا، وفق أرقام صادرات يناير/كانون الثاني الماضي. ويقول وكيل وزارة الخارجية الأمريكية، خوسيه فرنانديز، أن «أكثر من 50 في المئة من الطاقة التي تستوردها أوروبا تأتي من الولايات المتحدة».
غير أن أكبر عيب في الغاز الأمريكي أنه أغلى من الغاز الروسي بنسبة 50 إلى 70 في المئة، نظرا لتكاليف استخراج الغاز الصخري مقارنة بالغاز الطبيعي، وعمليات التسييل وإعادة «التغويز»، وتكاليف النقل عبر السفن. والإشكال الآخر، الذي لا يمكن للغاز الأمريكي أن يعوض نظيره الروسي، عدم امتلاك دول أوروبية بُنية تحتية لاستقبال الغاز المسال، خاصة تلك التي كانت تعتمد على الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب بصفة شبه كاملة. والواقع أن أغلبها في شرق أوروبا أو داخلية لا تملك موانئ لاستقبال سفن الغاز.
وتمثل الجزائر أحد الخيارات المثالية لتعويض الغاز الروسي جزئيا، بأسعار تنافسية، وكذلك بسبب وجود خطي أنابيب لضخ الغاز نحو أوروبا. غير أن الكميات الإضافية التي يمتكنها ضخها نحو أوروبا محدودة، سواء بسبب محدودية إنتاجها وزيادة الاستهلاك الداخلي، أو لأنها مرتبطة بعقود طويلة الأجل لتوريد الغاز لزبائن آخرين.
اتفقت الجزائر على زيادة صادرتها من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا بـ9 مليارات متر مكعب سنوياً بين سنتي 2023 و2024، و4 مليارات متر مكعب حتى نهاية العام الجاري. يذكر أن أن صادرت الجزائر العام الماضي بلغت 21 مليار متر مكعب، إضافة إلى 9 مليارات متر مكعب إلى إسبانيا ومليار متر مكعب إلى البرتغال، وكميات أقل إلى سلوفينيا. أما الغاز المسال، فتصدر الجزائر 20 في المئة منه إلى فرنسا، التي تتفاوض من أجل زيادة الإمدادات بـ 50 في المئة.
وتراهن الجزائر على زيادة إنتاجها من خلال استثمار نحو 40 مليار دولار في قطاع المحروقات، وجذب استثمارات أجنبية على غرار استثمار شركات أوروبية وأمريكية بالشراكة مع «سوناطراك» المملوكة للدولة.
قطر هي الأخرى ضمن الدول التي يعول عليها الاتحاد الأوروبي لزيادة صادراتها من الغاز المسال له، رغم أن أغلب إنتاجها يذهب إلى دول آسيوية ضمن عقود طويلة الأجل. هذا عن المصادر. أما عن الإجراءات المستعجلة التي لجأ إليها الاتحاد الأوروبي فأن أبرزها ملء خزاناته من الغاز لمستويات تفوق 80 في المئة من سعتها، وهو ما تحقق بحلول مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، ما أدى إلى تراجع طفيف لأسعار الغاز.
وتراهن الدول الأوروبية على الوصول إلى 90 في المئة كنسبة تخزين للغاز في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ما يمكنها من الصمود طيلة فصل الشتاء دون الحاجة للغاز الروسي، رغم ان فواتير الكهرباء والغاز ستظل مرتفعة. إلا أن نسبة تخزين الغاز متفاوتة بين دول شرق القارة وغربها، فإذا كانت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا تجاوزت 80 في المئة، فإن دولا أخرى مثل المجر والنمسا ولاتفيا لم تبلغ بعد الهدف الذي وضعه الاتحاد الأوروبي.
وهذا التفاوت يسعى الاتحاد الأوروبي لعلاجه عبر التضامن بين دوله، مثلما تعامل مع جائحة كورونا، وأيضاً من خلال فرض ضرائب على الأرباح الإضافية لشركات الطاقة. ويسعى الاتحاد الأوروبي لتسقيف سعر الغاز الروسي، بل تنادي بعض الأصوات بتسقيف سعر الغاز من بقية الدول المصدرة، وهو ما ترفضه النرويج والولايات المتحدة والجزائر، ما قد يشعل أزمة جديدة بين الطرفين، وهو مستعبد في هذه الفترة. وأحد الإجراءات لمواجهة الشتاء، تخفيض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة في دول الاتحاد الأوروبي، ودخلت هذه الخطة حيز التنفيذ في 6 سبتمبر.
ولتحقيق ذلك وبالنظر للظروف الاستثنائية، فإن العديد من الدول الأوروبية بدأت تتخلى عن تشددها بالنسبة للطاقات الملوِّثة للبيئة مثل الفحم. ومنها من عاد مواطنوها لاقتناء أفران الخشب للتدفئة في الشتاء بعد ارتفاع أسعار الغاز. كما أن حرق القمامة للتدفئة أصبح أحد خيارات البولنديين لمواجهة شتاء دون غاز روسي. وبعد أن كانت أوروبا تسعى لتقليص استخدام الفحم، عادت لتستثمر في مولدات الكهرباء التي تشتغل بالفحم، نظرا لارتفاع أسعار الغاز.
الوضع مأساوي فعلا وجدي، فتوفير الغاز لا يعني القدرة على اقتنائه بأي ثمن، لذلك تمثل العودة البدائية لقطع الأشجار وتخزين الأخشاب استعدادا لإشعال مواقد التدفئة، أحد الحلول المستعجلة لأزمة الغاز.
ويتصاعد النقاش بشأن استخدام الطاقة النووية بديلاً عن الطاقة الأحفورية (فحم ونفط وغاز)، في كل من ألمانيا والسويد وفرنسا، وإن بدأت ترجح الكفة لصالح المؤيدين لها. وأرجأت ألمانيا غلق محطتين نوويتين، وقررت تمديد عملهما إلى غاية أبريل/نيسان المقبل، بينما ستغلق المحطة الثالثة كما كان مقررا لها نهاية العام الجاري، بعد وقف ضخ الغاز الروسي. وتشكل الطاقة المتجددة إحدى البدائل السريعة لكنها مازالت محدودة لتعويض الغاز الروسي.
وتمثل زيادة إنتاج الطاقة الشميسة وطاقة الرياح بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية والطاقة الحيوية، الأنواع الرئيسية للطاقة المتجددة، التي تسعى أوروبا لمضاعفة إنتاجها. لكن الطاقة الكهرومائية واجهت تحديا كبيرا هذا الصيف بعد أن شهدت أوروبا جفافا نادرا قلص من منسوب مياه الأنهار والسدود التي تستخدم في إنتاج الكهرباء وتبريد محطات الطاقة النووية. وكل هذه الموارد والحلول يمكنها توفير الحد الأدنى من احتياجات أوروبا من الطاقة لتغطية الغاز الروسي، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تضاعف أسعار الكهرباء بشكل يفوق تحمل الطبقات الفقيرة والمتوسطة. كما أنه يهدد مصانع وشركات بالإغلاق، ما سيؤدي إلى ركود اقتصادي بالاتحاد الأوروبي، من شأنه أن ينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي.
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير