الوثيقة | مشاهدة الموضوع - صحيفة عبرية.. لعالم يخلف وعده: ماذا بقي للفلسطينيين في الضفة أمام الوحش الصهيوني وأطماعه؟
تغيير حجم الخط     

صحيفة عبرية.. لعالم يخلف وعده: ماذا بقي للفلسطينيين في الضفة أمام الوحش الصهيوني وأطماعه؟

مشاركة » الجمعة سبتمبر 30, 2022 4:23 pm

11.jpg
 
إن جنون الحملات الانتخابية بوتيرة إيطالية يتناقض مع استقرار سياسة إسرائيل في الضفة الغربية. القصد هو السياسة التي تقسم الأراضي الفلسطينية منذ احتلالها في 1967 إلى أكبر قدر من الجيوب الفلسطينية الصغيرة، المحاطة والمنفصلة عن بعضها، على يد أكبر قدر من الكتل الاستيطانية لليهود فقط، الآخذة في التوسع والمربوطة بإسرائيل بشبكة شوارع تتحسن باستمرار.

سحق الفضاء: هذا هو التصعيد الأول والأساسي، الثابت والمكتوب مسبقاً في خطط الحكومة. كل فلسطيني شاهد عليها ويعيشها يومياً.

سحق الفضاء: هذا هو التصعيد الأول والأساسي، الثابت والمكتوب مسبقاً في خطط الحكومة. كل فلسطيني شاهد عليها ويعيشها يومياً. الإسرائيليون – اليهود يتجاهلونه بتعمد وعدم اكتراث، لأنهم يكسبون منه. هذه هي أم كل التصعيدات، التي يتلقى كل قنصل في الاتحاد الأوروبي وفي السفارة الأمريكية بالقدس تقارير متواصلة عنها، لكنها لا تترجم إلا إلى شعارات من قبل رؤسائه في وزارات الخارجية المختلفة “نعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. والسخرية الدبلوماسية تتصاعد.
وسائل الإعلام لدينا منشغلة في الأمور التافهة والعابرة، مثل استطلاع الانتخابات الأخير، وفي تكرارها المرهق للشعار العسكري – الاستيطاني بشأن التصعيد في جنين. الأساس هو ألا تنشغل بالأمر الأساسي: التقسيم المحسوب والمخطط الذي ينفذه كثير من الإسرائيليين بنجاعة عملياتية باردة ومقننة ومغلفة بدعاية ذكية ومتذاكية وبإبداعية إيمانية جيدة التمويل. الإفساد الجيوغرافي – الديمغرافي – الأخلاقي للفضاء الفلسطيني يتم تنفيذه في وضح النهار.

الأسرلة تغذ الخطى؛ ضواح فاخرة تغرق باللون الأخضر، لافتات في مفترقات الطرق عليها إعلانات عن فيلّات يمكن الحصول عليها، دوائر حركة جديدة ومجمعات تجارية تتميز بأجواء عائلية تحول البلدات الفلسطينية إلى ديكور ثنائي الأبعاد أو يخفونها خلف بوابات حديدية وطرق مرتفعة وطرق مغلقة ولافتات “الدخول ممنوع للإسرائيليين”. التخطيط القطري الإسرائيلي يصرخ بعدم ضرورة وجود الفلسطينيين والتفوق غير المختلف عليه لسكان المستعمرات اليهودية في الحاضر والمستقبل.
تنشر تقارير في “هآرتس” وفي موقع “محادثة محلية” هنا وهناك عن أعمال اغتصاب قطرية تنفذها إسرائيل. ولكن 2 – 3 تقارير في الشهر، أو حتى في الأسبوع، لا تعكس حجم الظاهرة أو وتيرتها أو تسلسلها. ولاستيعاب التدمير الموجود في التخطيط الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية مهنة التدمير المضنية، يجب أن نربط الحقائق التي وضعتها حكومات إسرائيل طوال السنين بآلاف النقاط، بل الملايين:
بدءا بالأمر العسكري من العام 1971 الذي ألغى صلاحيات التخطيط للمجالس المحلية الفلسطينية، الذي هو ساري المفعول حتى الآن في 60 في المئة تقريباً من أراضي الضفة؛ ومصادرة الأراضي للاحتياجات الأمنية التي تم تحويلها للمستوطنات التي تنتهك القانون الدولي؛ وحظر البناء والتطوير الذي فرض على الفلسطينيين؛ والشوارع التي تبتلع البيئة والأراضي الزراعية التي صودرت لاحتياجات عامة لصالح كل مستوطنة معزولة؛ بعد ذلك جاء الطريق السريع “أ لا كاليفورنيا” الذي يربطها مباشرة مع إسرائيل، وشارع معبد جديد ولامع يربط قلب المستوطنات بأحيائها والبؤر الاستيطانية التابعة لها، التي أقيمت على بعد بضع كيلومترات منها، وطريق يبتلع المزيد من احتياطي الأراضي ومناطق رعي؛ وبعد ذلك منع الفلسطينيين من البناء قرب الشارع؛ ويجب عدم نسيان الشارع الأمني الذي يطوق كل مستوطنة، مروراً بمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم بذرائع ووسائل مختلفة؛ وتقييد كمية المياه للفلسطينيين وتقييد الحفريات الجديدة والإعلان عن مئات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية كـ “أراضي دولة” وتخصيص هذه الأراضي فقط لليهود؛ والإعلان عن مناطق تدريب لوقف تطوير قروي طبيعي فلسطيني؛ وتزوير وثائق ملكية الأراضي؛ والبؤر الاستيطانية الكرفانية التي تتحول إلى فيلّات، ومن أجل الأمن يجب منع الخروج من القرى المجاورة؛ والبؤر الاستيطانية الزراعية التي تغرس الكروم في الأراضي الفلسطينية وكأنها مهجورة؛ والبؤر الاستيطانية للرعاة الذين هم “الموضة الجديدة” والأكثر صغراً مقارنة بمساحة الأراضي الفلسطينية؛ وانتهاء بقرارات حكومية لتبييض كل ذلك؛ وجدار الفصل الذي يحتجز مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية الخصبة غربه: أصحاب هذه الأراضي يحصلون بصعوبة على تصاريح من أجل الوصول إليها في أوقات محددة، ولكن كل إسرائيلي يمكنه التنزه والتجول فيها كما يشاء، وأحياناً ينسبها لنفسه.

يجب أن نربط كل نقطة كهذه بالنقاط الأخرى، وإلا فلا يمكن فهمها وفهم تداعياتها، ولن نرى الوحش كله.

يمكن حساب عدد الدونمات الكبير التي سيطرت عليها بؤر الرعاة الاستيطانية، ويمكن حساب كم هو عدد الدونمات التي تمت مصادرتها، رسمياً أو فعلياً، من المناطق الفلسطينية ووصف أسنان الجرافات التي تقتلع أشجار الزيتون القديمة والجديدة. ويمكن قياس المنطقة الزراعية الفلسطينية المتميزة بدقة تقريباً مع الآبار القديمة وينابيع المياه التي أصبحت ذخراً عقارياً لليهود ورئة خضراء خالية من العرب (باستثناء العمال) أو في الطريق إلى أن تصبح خالية من العرب.

لكن يجب أن نربط جميع النقاط كي نفهم كيف امتلأت الأرض بكتل “غوش شيلو” و”غوش عصيون” شرقاً، و”غوش عصيون” غرباً، و”غوش عصيون” شمالاً، و”غوش ريحان” وجيب اللطرون، و”غوش تلمونيم”، و”غوش اريئيل”، و”غوش ريمونيم”، و”غوش حبرون” القديمة و”كريات أربع”، وبعد قليل سيكون هناك “غوش شمال الغور” و”غوش شمعة” في جنوب غرب جبل الخليل، و”غوش سوسيا” في جنوب شرق الضفة، وهكذا دواليك. لا شك أن آمال/ مخططات إسحق رابين من العام 1995 قد تحققت. قبل قتله بشهر، قال في الكنيست بأن أحداً أسس الاتفاق الدائم وهو “إقامة كتل استيطانية، يا ليت توجد كتل استيطانية في الضفة الغربية مثلما في غوش قطيف”. “غوش قطيف” في الواقع تم تفكيكها، لكن قام مكانها ويقام المزيد من التوابع الاستيطانية الكثيرة مثل الرمال على شاطئ البحر.

إضافة إلى التقارير المتواصلة في الصحف الفلسطينية، فإن منظمات إسرائيلية مثل “كيرم نبوت” و”بمكوم” و”عير عاميم” و”السلام الآن” و”عيمق شفيه” و”بتسيلم” و”يوجد حكم” والجمعية الفلسطينية للأبحاث التطبيقية “أريج”، جميعها توفر معلومات كثيرة عما سبق وتحذيراً في الوقت الصحيح وتحليلات معمقة بشكل دوري. مع ذلك، من لا يعيشون هذه العملية أو يرونها بأم أعينهم سيصعب عليهم استيعاب العنف والسحق الموجود في هذه الخطوات التخطيطية.

عنف المستوطنين وسيطرتهم على المزيد من الأراضي الفلسطينية حتى من خلال تجاوز المخططات الهيكلية الرسمية العلنية، هي جزء لا يتجزأ من هذا النهج. يتم الإبلاغ عنه العنف أكثر لأن فيه “مؤامرة”.

المحامون المستقلون والمخلصون، والمحامون في جمعية” حقل” وجمعية “حقوق المواطن” و”موكيد” للدفاع عن الفرد، ونشطاء إسرائيليون وفلسطينيون مختلفون، يحاولون وقف هذا الاغتصاب المتسلسل، أو على الأقل التحذير منه. ولكن منظماتهم صغيرة وقليلة وتتم ملاحقتها أكثر وأكثر. وسائل الإعلام اليمينية في إسرائيل وقنوات المستوطنين تكثر من نشر تقارير انتصار عن إنجاز آخر عقاري – صهيوني – إلهي. من يستهلكون هذه الصحافة يعتبرون هذا السحق والتقسيم وحشر الفلسطينيين داخل حدود القرية إنقاذاً للبلاد وتطبيقاً لوصايا، وارتفاعاً في مستوى المعيشة وفي مكاسبهم المادية.

عنف المستوطنين وسيطرتهم على المزيد من الأراضي الفلسطينية حتى من خلال تجاوز المخططات الهيكلية الرسمية العلنية، هي جزء لا يتجزأ من هذا النهج. يتم الإبلاغ عنه العنف أكثر لأن فيه “مؤامرة”. مع ذلك، رغم الصدمة هنا وهناك، فإن سلطات “القانون” والنظام سمحت وتواصل السماح بالعنف المنهجي هذا، وهكذا تشرعنه وتشجعه: الجنود، الذين يحدث أمامهم كل شيء يقفون جانباً أو يطلقون النار على الفلسطينيين الذين هبوا لمساعدة إخوتهم. الذين هوجموا يعتقلون، أما المهاجِمون اليهود فيقدمون شكاوى ضد من تمت مهاجمتهم. لا تعثر الشرطة على متهمين يهود ولا تحقق معهم. تم إغلاق الملف بسبب قلة اهتمام الجمهور. النيابة العامة لا تقدم لوائح اتهام. هذا ما يحدث شهراً بعد شهراً وسنة بعد سنة.

عنف اليهود الذي يرافق كل بؤرة استيطانية جديدة كان وما زال مثل البول الذي يحدد المنطقة الجغرافية: يأتي بعده الجيش، والمخططون، والمجلس الإقليمي، والمحامون، ويكملون المهمة بكرفان، وبعد ذلك بالكهرباء والمياه والسيطرة على النبع ومنع الوصول إلى حقل الزيتون. أصحاب الحقل مسموح لهم الوصول إليه مرتين في السنة، بتنسيق مسبق ومرافقة عسكرية، هذا إذا سمح المستوطنون بذلك. ولكن الحديث لا يدور عن حدود ثابتة ونهائية. المزيد من العنف يوسع حدود المنطقة أكثر ولو ببضعة دونمات في كل مرة، ويتم في داخلها ابتلاع الجيوب المخصصة للفلسطينيين، وكلما كانت صغيرة ومكتظة ومنفصلة عن الجيوب الأخرى فهو أفضل.

سحق المنطقة هو أكثر بكثير من “إحباط إقامة دولة فلسطينية”، هو تنكيل ممأسس وموجه لكل واحد من الخمسة ملايين فلسطيني الموجودين في الضفة، بما في ذلك شرقي القدس وقطاع غزة (فصل سكان القطاع جزء من تقسيم المنطقة). هذا تنكيل بالممتلكات ووسائل العيش والتراث وحياة العائلة وإمكانية الدراسة والعلاقات الاجتماعية وحرية الحركة والمستقبل. سرقة الفضاء المنهجية تهاجم حاضر وتاريخ المكان والمدينة والقرية والعائلة، وتمس بالصحة الجسدية والنفسية لكل إنسان. المشكلة في السحق ليست في إضعاف السلطة الفلسطينية، بل بالتخريب الذي لا يمكن منعه والموجه للجمهور الذي يعيش في قطاع غزة والضفة الغربية، الذي وعده العالم في مرحلة معينة، أنه سيطبق حقه في الاستقلال والحرية. العالم وعد وغدر. فقط جذرية وقدرة الفلسطينيين على الصمود الرائع هي التي تشوش ولو قليلاً خطة إسرائيل الأساسية.

هناك من يهاجمون حكومة “فقط ليس بيبي” السابقة، التي هي أسوأ من سابقتها في كل ما يتعلق بالسياسة في الضفة الغربية: عدد مرتفع لفلسطينيين قتلوا على يد الجنود، ومذابح نفذها مستوطنون بضوء أخضر من الشرطة والنيابة العامة والجيش، وخطط لشرعنة بؤر استيطانية وما شابه. هذه التهمة صحيحة وغير صحيحة، لأن تحطيم الفضاء الفلسطيني هو عملية محسوبة ومخططة وعابرة للحكومات، من الطبيعي أن كل مرحلة فيها هي أكثر دقة وتدميراً، التي تخترق حدوداً معينة كانت ما زالت محمية في المرحلة السابقة. هذا تصعيد مكتوب مسبقاً يحدث أمام ناظرينا. وحكومة اليمين – وسط لنفتالي بينيت ويئير لبيد وبني غانتس (بمساعدة ميراف ميخائيلي ونيتسان هوروفيتس)، لم توقفه ولم تكن تنوي وقفه. بالصدفة فقط احتلت حكومة “فقط ليس بيبي” مربع العام 2022. في 2023 سيستمر التصعيد التخطيطي، لأنه لا توجد، للأسف، احتمالية لاستيقاظ العالم قريباً ليستخدم ضغطاً كبيراً على إسرائيل ومواطنيها من أجل صدهم.

التقسيم والطرد ليسا اختراعاً جديداً. فإسرائيل صاحبة تجربة وخبرة في هذا المجال. هي تنفذ في الضفة الغربية ما نفذته وتنفذه منذ العام 1948 داخل حدود الخط الأخضر. في بداية التسعينيات، عندما تم إطلاق العملية السياسية بين إسرائيل وم.ت.ف، فإن التوقعات المنطقية للفلسطينيين ومعسكر السلام في إسرائيل الذي كان موجوداً ولم يعد قائماً، وللدول التي أعطت رعايتها لأوسلو – كانت أن إسرائيل ستوقف عملية السحق وسرقة الأراضي في 22 في المئة من أراضي فلسطين التاريخية. ولكن في ظل المفاوضات السلمية، سرعت إسرائيل العملية وزادت شهوتها للعقارات. بهذا أثبتت صدق ادعاءات وتحليلات الفلسطينيين منذ أكثر من مئة سنة: هدف الصهيونية وجوهرها هو طردهم من أراضيهم وتهجيرهم من وطنهم.

تقريباً، مرت ثلاثين سنة، أي منذ الوعد الذي ضمنته اتفاقات أوسلو، وهو أن يتحرر الفلسطينيون في الضفة والقطاع من الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم يتحقق. مع ذلك، تطلب إسرائيل من محمود عباس والأجهزة الأمنية الفلسطينية مواصلة حماية المحتل والمستوطنين والجيش، أما عباس وأجهزته فيمتثلون. كانت الذروة في الأسبوع الماضي، عندما تصرفت الأجهزة الأمنية الفلسطينية، تحت الضغط الإسرائيلي، كجيش احتلال واعتقلت في نابلس مشبوهاً فلسطينياً بإطلاق النار على أهداف عسكرية ومستوطنين.

ما معنى وجدوى استخدام السلاح الذي لا يوقف آلة السحق والتهجير الإسرائيلية، والذي يترك عشرات آلاف الفلسطينيين فريسة لعنف المستوطنين. هذا سؤال لمقال آخر. ولكن السخافة واضحة: للجيش والشاباك مقاول من الباطن. هم يواصلون مطالبته بتنفيذ دوره في الصفة التي انتهت صلاحيتها منذ زمن، والتي ألغت إسرائيل منها، منذ اللحظة الأولى، أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين – حقوق الإنسان الخاصة بهم وحقوقهم كشعب. إلى متى سيواصل كبار قادة فتح والأجهزة الأمنية الفلسطينية التعاون مع التصعيد الإسرائيلي والإهانة؟ ستخبرنا الأيام بذلك.
بقلم: عميره هاس
هآرتس 30/9/2022
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير

cron