الوثيقة | مشاهدة الموضوع - خرافة مكافحة الفساد في العراق : يحيى الكبيسي
تغيير حجم الخط     

خرافة مكافحة الفساد في العراق : يحيى الكبيسي

مشاركة » الخميس نوفمبر 17, 2022 10:21 pm

8.jpg
 
وجه رئيس مجلس الوزراء العراقي الجديد هيئة النزاهة بتشكيل لجنة «استثنائية» سماها «الهيئة العامة لمكافحة الفساد» تهدف كما قال «لتسريع مواجهة ملفات الفساد الكبرى واسترداد المطلوبين بقضايا الفساد والأموال العامة المعتدى عليها»! وتشكيل «فريق ساند بصلاحيات واسعة لتقديم الإسناد للهيئة العليا لمكافحة الفساد»!
والواقع أنه لا جديد في هذا الخبر، فقد قام بذلك رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 ـ 2010) حين أمر في العام 2007 بإنشاء ما سماه حينها بـ «المجلس التنسيقي المشترك لمكافحة الفساد»! وزعم بأن 2008 ستكون «سنة إعلان الحرب على الفساد الإداري والمتلاعبين بالمال العام الذين يجمعون بين رغبتهم الفاحشة بجمع الأموال والعمل السياسي»، ثم افتتح بعد ذلك بأشهر مؤتمرا موسعا لمكافحة الفساد الإداري والمالي!
وبعد سنتين حضر بنفسه المؤتمر الأول للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد الذي نظمته هيئة النزاهة في آذار/ مارس 2010 قال فيه: «لقد عملنا على مكافحة الفساد»، وأصبحنا «على درجة أشد وأعلى لملاحقة الفساد والمفسدين»!
وقد استمرت شعاراته الصاخبة حول مكافحة الفساد أثناء ولايته الثانية، فقد صرح في المؤتمر الذي عقدته هيئة النزاهة بمناسبة «أسبوع النزاهة الوطني» في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، إن «أخطر أنواع الفساد الذي يكون بدوافع سياسية، وإن أغلب ملفات الفساد تقف وراءها جهات سياسية وميليشيات تعتاش على سرقة المال العام»!
رئيس الوزراء العراقي اللاحق الدكتور حيدر العبادي (2014 ـ 2018)، لم يكن أقل «حرصا» في «محاربة الفساد»، فقد قام بتشكيل «المجلس الأعلى لمكافحة الفساد» في آب/ أغسطس 2015، وأعلن في عهده عن «استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد للأعوام 2015 ـ 2019»، التي زعمت أن العراق «يعد من الدول الرائدة في تبني استراتيجية خاصة بمكافحة الفساد»، ومع نهاية ولايته صرح العبادي أن العراق قطع «خطوات كبيرة في مكافحة الفساد»!
أما رئيس مجلس الوزراء اللاحق الأستاذ عادل عبد المهدي (2018 ـ 2020) فقد كان هو أيضا حريصا في خطاباته على محاربة الفساد، وقد أعاد تشكيل «المجلس الأعلى لمكافحة الفساد» في بداية ولايته، وصرح في كانون الثاني/ يناير 2019 بأن «مكافحة الفساد تكاد تمثل نصف عمل الدولة»!

على الطبقة السياسية العراقية أن تعترف بحقيقة أن الفساد في العراق ليس «عرضا» يتعلق بسلوك أفراد، بل هو «جوهري» يتعلق ببنية النظام السياسي نفسه، وببنية الدولة نفسها

ولم يختلف عهد رئيس مجلس الوزراء الأستاذ مصطفى الكاظمي (2020 ـ 2022) عن سابقيه في الدعوة إلى مكافحة الفساد، فقد قام بدوره بتشكيل «لجنة دائميه للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم الهامة» ترجع اليه مباشرة، عرفت باسم «اللجنة العليا لمكافحة الفساد» وذلك بعد توليه منصبه مباشرة. وقال، لاحقا، بأن هذه اللجنة قد كشفت في عام واحد من عملها «ملفات فساد لم تكشف طوال 17 عاما»!
لم تمنع هذه البروباغاندا المتوارثة حقيقة أن العراق لايزال مصنفا ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم، إلى الدرجة التي تتهم فيها الممثلة الخاصة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، الطبقة السياسية العراقية نفسها أنها وراء هذا الفساد! تقول في إحاطتها التي قدمتها في مجلس الامن في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: «ويمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيسياً للاختلال الوظيفي في العراق. وبصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محصن منه» وأن هذا الفساد إنما يتعلق بالمنظومة ككل «وليس مجموعة من الأفراد أو سلسلة من الأحداث»!
وقد كان وزير المالية المستقيل علي عبد الأمير علاوي أكثر وضوحا حين وصف في خطاب استقالته الدولة بأنها «دولة الزومبي» بالقول: «تم الاستيلاء على مفاصل واسعة من الدولة فعليا من قبل الأحزاب السياسية وجماعة المصالح الخاصة». وأن شبكات سرية واسعة «من كبار المسؤولين ورجال الأعمال والسياسيين وموظفي الدولة الفاسدين تعمل في الظل للسيطرة على قطاعات كاملة من الاقتصاد، وتسحب مليارات الدولارات من الخزينة العامة. هذه الشبكات محمية من الأحزاب السياسية الكبرى، والحصانة البرلمانية، وتسليح القانون وحتى القوى الأجنبية … وأنها تحافظ على صمت المسؤولين الأمناء بسبب الخوف والتهديد بالقوة … لقد وصل هذا الأخطبوط الهائل من الفساد والخداع إلى كل قطاع من قطاعات اقتصاد الدولة ومؤسساتها»!
السؤال الجوهري هنا: لماذا فشل المسؤولون العراقيون لأكثر من 16 عاما من مزاعم «محاربة الفساد» في إيقاف تغول الفساد وتحوله إلى حقيقة ثابتة؟
بعيدا عن النوايا، وبعيدا عن الأوهام، على الطبقة السياسية العراقية أن تعترف بحقيقة أن الفساد في العراق ليس «عرضا» يتعلق بسلوك أفراد، بل هو «جوهري» يتعلق ببنية النظام السياسي نفسه، وببنية الدولة نفسها. ومن غير هذا الاعتراف/ التشخيص لا يمكن لأي «خطة استراتيجية» أو «لجنة وطنية عليا» سوى أن تكون شاهد زور على هذه الحقيقة من خلال تقديم «أكباش فداء» تضحي بهم لضمان «بقاء» بنية الفساد الأصلية!
بنية الفساد هذه لا تتعلق بالفاعلين السياسيين وحدهم، ولا بالقوى السياسية وحدها، بل تمتد لتشمل كل سلطات الدولة جميعها، وتشمل مؤسسات الدولة كلها، بما فيها تلك المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد نفسها (في النهاية أعضاء السلطة التنفيذية جميعهم، وأعضاء السلطة القضائية الفاعلين جميعهم، ورؤساء مؤسسات مكافحة الفساد ولجانها العليا وصلوا إلى مناصبهم بترشيح فاعلين سياسيين أو أحزاب سياسية)!
وهذه البنية تتواطأ فيما بينها، ولا يمكن كسر هذا التواطؤ الجماعي، أو مخرجاته، إلا في حالات نادرة، كأن يكون التنافس كبيرا على موارد الفساد، أو في حال عدم التوزيع «العادل» لتلك الموارد، أو نتيجة لصراع سياسي ينتج عنه عقاب سياسي للخصوم، ولا علاقة لمحاربة الفساد والنزاهة بالأمر!
الحكومات في العراق، ومؤسسات مكافحة الفساد، ولجانها، وساندوها، هي جميعها النتاج العملي لهذه البنية، والشركاء في هذا الفساد، وحدهم هم من يسوّقون لشعارات مكافحة الفساد ولفكرة أنه يمكن لهذا «النتاج»، أن تمس بمصالح منتجيه، أو يغير من «طبيعتهم»!

كاتب عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات