الوثيقة | مشاهدة الموضوع - حكومة السوداني وبرنامجها السياسي : يحيى الكبيسي
تغيير حجم الخط     

حكومة السوداني وبرنامجها السياسي : يحيى الكبيسي

مشاركة » الجمعة يناير 12, 2024 4:15 pm

1.jpg
 
عد مرور ما يزيد عن 14 شهرا من عمر حكومة السيد محمد شياع السوداني، تكشف مراجعة البرنامج الحكومي للحكومة عن فشلها في الالتزام بقيام إصلاحات سياسية، وعدم التزامها بإطلاق حوار وطني لمراجعة العملية السياسية، كما جاء في البرنامج الحكومي. ففيما يتعلق بالعلاقة مع السنّة، لم يحدث أي تحول نوعي في طبيعة هذه العلاقة يختلف عن القواعد التي حكمتها فيما سبق، فالرفض القاطع للشراكة الحقيقية في الحكم لا يزال قائما، ورفض الاعتراض على احتكار الفاعل السياسي الشيعي للقرار السياسي والأمني في العراق لا يزال قائما أيضا، وقد نجحت الملاحقات، والاتهامات، والمحاكمات المسيسة، في تدجين الممثلين السنة بشكل كبير، خاصة مع تكريس معادلة الفساد مقابل التدجين، وهو ما جعل الأطراف السياسية السنية عاجزة، بشكل كامل، عن تمثيل مصالح جمهورها.
لذلك فإن المراقب لعمل حكومة السوداني يدرك أن فقرات البرنامج الانتخابي التي تحدثت عن الإسراع في إعمار المناطق المحررة، والانتهاء من ملف النزوح بمن في ذلك نازحو جرف الصخر، وحل هيئة المساءلة والعدالة، وتحقيق التوازن الوطني في المؤسسات، والعمل مع الجهات المختصة للكشف عن مصير المفقودين [المختفين قسريا]، ووضع خطة محددة بجدول زمني لإخراج قوات الجيش من المدن، وإعادة انتشار القوات العسكرية والأمنية «الجيش والشرطة والحشد الشعبي» خارج المدن وتسليم الشرطة المحلية والأجهزة الأمنية الملف الأمني داخل المدن، وإجراء مراجعة لقانون العفو العام، وإكمال تشريع قانون مكافحة الإرهاب، وتعديل قانون مؤسسة الشهداء ورفع شرط «عد شمول الشهداء بإجراءات المساءلة والعدالة» لن يتم تنفيذها!
وفيما يتعلق بالعلاقة مع الكرد تحديدا، تضمّن البرنامج الحكومي التزاما بطرح رؤية لحل الإشكالات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان وفقا لبنود الدستور، ومشروع لمعالجة عدم وضوح العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وتشريع قانونَي النفط والغاز ومجلس الاتحاد خلال ستة أشهر، وصرف مستحقات المشمولين بقرارات اللجنة العليا للمادة 140 وإعادة تشكيل اللجنة العليا خلال شهر من تشكيل الحكومة.
إن مراجعة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان على مدى السنوات الماضية، تكشف أنها كانت محكومة بعلاقات القوة وليس بالنصوص الدستورية؛ فالبنية الريعية للدولة العراقية قد عطلت تماما الإمكانية للحديث عن نظام فيدرالي حقيقي في العراق، وظلت الحكومة الاتحادية قادرة على فرض شروطها على الإقليم بسبب ذلك بمعزل عما يقرره النص الدستوري.
لهذا يمكن الحديث عن تحول نوعي في طبيعة العلاقة بين الطرفين بعد الاستفتاء على الاستقلال سنة 2017، فالفاعل السياسي الشيعي يتوهم بأن علاقات القوة قد حسمت لصالحه بشكل نهائي في العراق، وذلك يستوجب فرض معادلة جديدة بشروط جديدة، وهذا ما يفسر محاولة استعادة المركزية الشديدة ليس لصالح بغداد وحسب، بل لمصلحة الفاعل السياسي الشيعي، سواء عبر قرارات المحكمة الاتحادية المسيسة التي تنتهك، بشكل كبير، أحكام الدستور نفسه فيما يتعلق بموضوع النفط والغاز، أو عبر مشروع قانون النفط والغاز الجديد الذي اقترحته حكومة السيد السوداني.

حكومة السيد السوداني، وبعيدا عن النوايا المعلنة، ما زلت ملتزمة بالسياسات المنهجية التي اعتمدها الفاعل السياسي الشيعي في إدارة علاقاته مع الآخرين

فالمحكمة الاتحادية أصدرت عام 2022 قرارا يشرع قواعد دستورية جديدة لا علاقة لها بالنص الدستوري، ألغت بموجبه المادة 12 من الدستور التي نصت على أن تقوم «الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات» وأن تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا، برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز». وكما هو واضح فإن مفردتي «مع» و «معا» تعني أن الأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط والغاز هي شريك أصيل مع الحكومة الاتحادية في إدارة السياسات الاستراتيجية للنفط والغاز ورسمها، فيما يتعلق بالحقول الحالية حصرا، وليس على مجمل ثروة النفط والغاز في العراق، وهذا يعني حكما أن موضوع استكشاف النفط والغاز، واستخراجهما من الحقول «غير الحالية» هو ضمن سلطة الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم! وقد قدمت الحكومة مشروع قانون يجعل ملف النفط والغاز يعيد قطاع النفط والغاز إلى المركزية الشديدة للحكومة الاتحادية بالكامل، وهو لا ينسف المواد الدستورية الحاكمة موضوع النفط والغاز، ولكن ينسف الفلسفة التي قام عليها مشروع القانون الذي قدم في العام 2007 ولم يُشرّع بسبب الخلافات حوله، وقد كان رغم إشكالياته، أكثر التزاما بأحكام الدستور!
ففي هذا القانون لم يعد هناك أي دور للأقاليم والمحافظات المنتجة كما قرر الدستور، بل أصبحت «الحكومة الاتحادية» حصرا هي من يقوم «بإدارة وتطوير المصادر البترولية»! والمواد التي ترد فيها مفردات التعاون والتنسيق تبقى مجرد عبارات إنشائية لا قيمة عملية لها!
كما أن تشكيلة «المجلس الاتحادي للنفط والغاز» الذي يضم 13 شخصا، تشمل رئيس مجلس الوزراء نفسه، وثلاثة وزراء من الحكومة الاتحادية، ورئيس شركة النفط والغاز وثلاثة خبراء سيعينهم رئيس مجلس الوزراء نفسه، تعني أن رئيس مجلس الوزراء يمتلك، فعليا، القرار داخل هذا المجلس وأنه سيحتكر إدارة ملف النفط والغاز في العراق، بما في ذلك مسألة حل النزاعات والخلافات التي تنشأ بين الحكومة الاتحادية والأقاليم أو المحافظات المنتجة! كما أن وزارة النفط الاتحادية ستحتكر بموجب هذا القانون «إدارة الحقول المنتجة للنفط والغاز في عموم جمهورية العراق بالتنسيق مع الأقاليم والمحافظات المنتجة» كما ستحتكر شركة النفط الوطنية «إدارة وتطوير وتشغيل الحقول المنتجة للنفط والغاز في عموم جمهورية العراق بالتنسيق مع الأقاليم والمحافظات المنتجة» وليس الحقول الحالية حصرا كما يقرر الدستور، أو الحقول المكتشفة وغير المطورة كما جاء في مشروع قانون عام 2007!
في الوقت نفسه يبدو واضحا أنه ليس هناك إرادة سياسية لحل المشكلات الأخرى، ومن بينها المناطق المتنازع عليها. فرغم أن البرنامج الحكومي تضمن فقرة تتحدث عن إعادة تشكيل اللجنة العليا للمادة 140 خلال شهر من تشكيل الحكومة، لكن الحكومة لم تلتزم بذلك؛ لأن لجنة المادة 140 المكلفة بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بحسم موضوع المناطق المتنازع عليها، والذي كان يفترض أن تحسم خلال قبل نهاية العام 2007 بموجب النص الدستوري، لا تزال مجمدة منذ عام 2014 على أقل تقدير، وهي بموجب تعريفها «لجنة دستورية تنفيذية وزارية قانونية» وبالتالي يجب أن تديرها لجنة حكومية، خاصة وانها تدار من الحكومة وتضم في عضويتها وزراء ومسؤولين حكوميين آخرين، ولكن هذه اللجنة المنسية لا تزال برئاسة هادي العامري منذ 2011 حتى اللحظة، مع أنه أصبح خارج الحكومة منذ العام 2014!
إن هذه المؤشرات تكشف أن حكومة السيد السوداني، وبعيدا عن النوايا المعلنة، ما زلت ملتزمة بالسياسات المنهجية التي اعتمدتها الفاعل السياسي الشيعي في إدارة علاقاته مع الآخرين، وأنه ليس ثمة تغيير في هذه السياسات، وهو ما يعني بقاء العراق في سياق «تدوير الأزمات» التي أشرنا إليها مرارا، وفي سياق تحكم علاقات القوة المتوهمة بالقرار السياسي بالكامل.

كاتب عراقي
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات