يمثل عجز شبكة الكهرباء الوطنية العراقية اليوم من تلبية احتياجات المواطنين والمؤسسات والمحال التجارية من الطاقة، أحد أكبر التحديات التي يواجهها العراقيون في مجال الخدمات، على الرغم من أن العراق يُعتبر من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، حيث يمتلك خامس أكبر احتياطي للنفط في العالم ويحتل المرتبة الثالثة عشرة في احتياطي الغاز العالمي، بالإضافة إلى إمكانياته في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
فهل يمكن للطاقة المتجددة أن تكون حلاً لانقطاع الكهرباء في العراق؟
طاقة من تدوير النفايات
يقول المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، إن “الوزارة لديها محاضر موقعة مع هيئة الاستثمار وأمانة بغداد لاختيار موقعين، أحدهما في أبو غريب، (غربي العاصمة بغداد) والآخر في النهروان (جنوب شرقي بغداد)، للحصول على فرصة استثمارية لإقامة محطات كهربائية من خلال تدوير النفايات”.
ويضيف موسى، “حرصنا على أن تكون هذه المواقع قريبة من الشبكة ومن الخطوط الناقلة، وقد حصلنا على موافقة مجلس الوزراء لتحويل هذه المشاريع الاستثمارية إلى التنفيذ”.
وتابع موسى قائلاً، “لدينا دراسات قد اكتملت تقريباً بشأن إحالة نصب محركات في منطقة الشهابي بمحافظة واسط لإنتاج الطاقة بواسطة الرياح، ونحن قريبون من التعاقد مع شركات متخصصة في هذا المجال”، مشيراً إلى “تقديم عروض من قبل شركات عديدة، ونحن بصدد دراستها والانتهاء منها لإعطاء هذه الشركات الفرص الاستثمارية”.
ويؤكد موسى أن “هناك عزمًا حكوميًا على تنويع مصادر الطاقة، واعتماد الطاقات المتجددة مثل الدورات المركبة ومشاريع الربط الكهربائي، بالإضافة إلى استغلال الطاقة الشمسية وطاقة النفايات والرياح، وذلك لخفض النفقات التشغيلية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري”.
وأعلن العراق عن توقيع عقد مع شركة “مصدر” الإماراتية للطاقة المتجددة لتطوير مشاريع طاقة شمسية كهروضوئية بقدرة 1000 ميغاواط.
كما أعلن وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل في العام 2024 عن قرب توقيع عقد لإنشاء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 1000 ميغاواط في النجف مع شركة “أكوا باور” السعودية. وأشار إلى أن مجلس الوزراء قد وافق مؤخراً على المضي قدماً في تنفيذ مشروع إنتاج الطاقة الشمسية مع الشركة.
الفساد يعرقل المشاريع
يقول الخبير في شؤون الطاقة، حمزة الجواهري، إن “هناك اتجاهاً لإنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة، لكن العراق بدأ هذا العمل حديثاً ويحتاج إلى سنوات طويلة لتحقيق أهداف الطاقة النظيفة”.
ويضيف الجواهري أن “العالم ما زال لم يحقق من الطاقة النظيفة أكثر من 5% من مجموع الطاقة المستهلكة عالمياً”، مشيراً إلى أن “العراق يحتاج إلى وقت طويل وأموال طائلة، بالإضافة إلى القضاء على الفساد وإدارة صحيحة في البلد لتحقيق هذا الهدف”.
وأصدر البنك المركزي العراقي في مطلع شهر آذار/مارس من العام 2022 ضوابط تمويل منظومات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة بمبلغ قدره واحد تريليون دينار.
البنك أوضح في بيان له في ذلك الوقت، أن هذه المبادرة تأتي انسجاماً مع توجهات الدولة للالتزام بمقررات مؤتمر باريس للمناخ، والتحول إلى الطاقة النظيفة ضمن هذا الإطار، حيث تشكلت لجنة برئاسة نائب المحافظ، ضمت في عضويتها ممثلين عن وزارتي البيئة والكهرباء والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، بالإضافة إلى ممثلي القطاع الخاص من الخبراء والمستثمرين.
وقال عضو هذه اللجنة، النائب كامل العكيلي، إن “البنك المركزي أطلق مبادرة بمبلغ واحد تريليون دينار قبل ثلاث سنوات لدعم الطاقة المتجددة، مبيناً أن ما تم صرفه من هذا المبلغ لم يتجاوز 250 مليون دينار على عشرة مقترضين”.
وأضاف العكيلي أن “المبادرة لم تنجح بسبب الإجراءات المعقدة وعدم تعاون البنك المركزي مع المصارف والمؤسسات المصرفية، بالإضافة إلى ضعف الترويج الإعلامي لها”.
وبينما يواجه العراق تحديات بيئية متزايدة بسبب تغير المناخ، بما في ذلك درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الترابية المستمرة والجفاف، تعرب الحكومة العراقية في مناسبات عديدة عن استعدادها للانتقال إلى طاقة نظيفة ومستدامة.
يحتاج الى فترة زمنية للتحول
يقول الخبير الاقتصادي هلال الطعان، إن “الطاقة النظيفة في الوقت الحاضر تتميز بتكلفتها العالية، فعلى سبيل المثال، تعتمد الولايات المتحدة على الإيثانول المستخرج من الذرة الصفراء لتشغيل المكائن والمصانع، ويشكل الإيثانول حوالي 15% من مجموع الطاقة المستخدمة في المصانع الأمريكية، بينما تُستخدم المخلفات المتبقية كعلف للحيوانات”.
ويضيف الطعان أن “العراق، كبلد نفطي، يتوفر لديه الكازاويل والغاز المستخدمين في توليد الطاقة”، مشيراً إلى أنه “رغم أن العراق قد يفكر مستقبلاً في استخدام الطاقة النظيفة، فإنه سيحتاج إلى مراحل وفترة زمنية للتحول تدريجياً إلى الطاقة النظيفة. حالياً، لا يوجد توجه كبير نحو الطاقة النظيفة سوى بمقدار قليل بسبب الاعتماد على الطاقة النفطية أو المستوردة من دول الجوار”.
وفي عام 2022، وقع العراق وشركة توتال إنرجايزر الفرنسية اتفاقًا مؤجلًا باستثمارات تبلغ 27 مليار دولار، يهدف إلى زيادة إنتاج النفط وتعزيز قدرة البلاد على إنتاج الكهرباء من خلال تنفيذ أربعة مشروعات في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة.
وقالت شركة توتال إنرجايزر إنها ستطور محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة واحد ميجاوات لتزويد شبكة محافظة البصرة بالكهرباء.
ويستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40% من احتياجاته من الطاقة، وهو أمر بالغ الأهمية، خاصة في أشهر الصيف عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته.
ويجري العراق مباحثات مع دول خليجية، وعلى رأسها السعودية، لاستيراد الكهرباء منها عبر ربط شبكة الكهرباء العراقية بشبكة الكهرباء الخليجية، وذلك بعد أن كان يعتمد بشكل كامل على إيران خلال السنوات الماضية، حيث استورد 1200 ميغاواط من الكهرباء بالإضافة إلى وقود الغاز لتغذية محطات الطاقة الكهربائية المحلية.
ويعاني العراق من أزمة نقص كهرباء مزمنة منذ عقود، نتيجة للحصار والحروب المتتالية.
ويحتج السكان منذ سنوات طويلة على الانقطاع المتكرر للكهرباء، خاصة في فصل الصيف عندما تصل درجات الحرارة أحياناً إلى 50 درجة مئوية.