بغداد/المسلة: منذ سنوات طويلة، يعاني العراق من فساد مستشرٍ في مؤسسات الدولة، الأمر الذي أثر سلباً على تقدم البلاد وتطورها.
ورغم الجهود المبذولة من بعض الجهات للكشف عن الفساد ومحاسبة المسؤولين، إلا أن هذه الجهود غالباً ما تكون غير فعالة في الحد من هذه الظاهرة.
و يلاحظ أن الفساد ليس فقط مشكلة إدارية، بل هو مرض مستفحل يمتد إلى جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
الفساد في مؤسسات الدولة
و تشير تقارير عديدة إلى أن الفساد في مؤسسات الدولة العراقية لا يزال له اليد الطولى، مما يعطل بشكل كبير تقدم البلد ويعوق تنفيذ المشاريع التنموية. ورغم محاولات الكشف عن الفساد، إلا أن معظم هذه المحاولات تفتقر إلى الفعالية، حيث أن الفساد متجذر بعمق في النظام السياسي والإداري.
و يعد مجلس النواب العراقي أحد المؤسسات الرئيسية التي ينبغي أن تلعب دوراً فعالاً في مكافحة الفساد من خلال استجواب المسؤولين ومحاسبتهم.
ومع ذلك، فإن المجلس يُظهر ضعفا واضحا في هذا الدور. فمثلاً، فشل المجلس في استجواب العديد من الشخصيات البارزة التابعة للأحزاب والكتل السياسية، بالرغم من تورطهم في قضايا فساد.
واحدة من أبرز الأمثلة على ذلك هي حالة رئيس مجلس النواب المقال محمد الحلبوسي، الذي أدين بجريمة مخلة بالشرف وهي تهمة التزوير.
ورغم هذه الإدانة، لم يتم استجوابه أو محاكمته بشكل جدي. بالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من ملفات الاستجواب المتعلقة بشخصيات كبيرة على مستوى وزراء من الإهمال والتعطيل بسبب غياب رئيس أصيل لمجلس النواب.
و تشير العديد من المصادر إلى أن المجاملات السياسية تلعب دوراً كبيراً في منع استجواب المسؤولين في الدولة العراقية، فعلى سبيل المثال، لم يتم استجواب وزير الكهرباء رغم الخلل الكبير في شبكات الطاقة والفساد المرتبط بإدارته. وهذا يعكس تأثير العلاقات الشخصية والسياسية في عرقلة جهود محاربة الفساد.
و خلال مقابلات مع عدد من المواطنين العراقيين، أعرب العديد منهم عن استيائهم من الوضع الحالي. أحد المواطنين قال: “نحن نرى الفساد في كل مكان، ولكن لا أحد يتحدث عنه أو يتخذ إجراءات جدية. نشعر بأن صوتنا غير مسموع وأن مستقبلنا يُسرق أمام أعيننا.”
مواطنة أخرى أشارت إلى أن “الحكومة تبدو غير مهتمة بمشاكل الناس. نسمع عن الفساد كل يوم، ولكن لا أحد يُحاسب. نشعر بالإحباط وعدم الثقة في أي تغيير قادم.”
ووفقاً لتقارير منظمة الشفافية الدولية، يحتل العراق مراتب متأخرة في مؤشر مدركات الفساد، حيث يصنف كواحد من أكثر الدول فساداً في العالم. وتقدر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفساد في العراق بمليارات الدولارات سنوياً، مما يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني ومستوى معيشة المواطنين.
و تقديرات المبالغ المهدورة جراء الفساد في العراق تختلف حسب المصادر والتقارير، لكن الأرقام تشير إلى خسائر هائلة على مدار السنوات الماضية. وفقًا لبعض التقارير الصادرة عن هيئات رقابية دولية ومحلية، تقدر قيمة المبالغ المهدورة بسبب الفساد في العراق بمليارات الدولارات سنويًا.
و يشير تقرير منظمة الشفافية الدولية إلى أن العراق يقع ضمن أسوأ الدول في مؤشر مدركات الفساد، مما يعني أن الفساد في العراق لا يزال مشكلة خطيرة ومستمرة. التقديرات تتحدث عن أن العراق يفقد ما يقارب من 10 إلى 15 مليار دولار سنويًا بسبب الفساد.
وبحسب التقارير السنوية لديوان الرقابة المالية في العراق، يتم هدر مليارات الدولارات من المال العام نتيجة الفساد في العقود الحكومية، والرشاوى، وسوء الإدارة.
وأشارت بعض التصريحات الحكومية والبرلمانية إلى أن إجمالي المبالغ المهدورة أو المسروقة منذ عام 2003 حتى الآن قد يصل إلى حوالي 300 مليار دولار.
وهذا الرقم يشمل الأموال التي تم هدرها أو سرقتها في مختلف القطاعات، بما في ذلك النفط والكهرباء والبنية التحتية.
و تؤثر هذه الخسائر المالية بشكل مباشر على الاقتصاد العراقي وعلى نوعية حياة المواطنين. فالمبالغ الكبيرة التي تُهدر بسبب الفساد يمكن أن تُستخدم في تحسين الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، وتعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل جديدة.