بغداد
ظهر الصراع على أشده بين زعماء الإطار التنسيقي، ما وضع الاستقرار السياسي النسبي في البلاد على المحك، فكواليس الاجتماع الذي عقد بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في 26 أغسطس آب الماضي، حمل معه خلافات شديدة بين الأطراف الرئيسة، وخصوصا بين السوداني وداعمه الأبرز لرئاسة الحكومة قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، من جهة، ومن جهة أخرى بين السوداني وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
وفيما كشفت مصادر عدة، عن تلاقي رغبة المالكي والخزعلي، في تضييق الخناق على السوداني، أشارت إلى موافقتهما على إجماع باقي الأطراف في ضرورة عدم الإطاحة بحكومة السوداني، حتى انتهاء مهلتها الدستورية، بسبب أوراق القوة التي لوح بها، ومن بينها التعديل الوزاري، في حين فسر محللون تصاعد الخلاف إلى قرب الانتخابات التشريعية التي قد يحقق فيها السوداني رقما صعبا.
وخلال الفترة القليلة الماضية، طفت إلى السطح، أنباء حول خلافات تعصف بقادة الإطار التنسيقي دفعت الأخير الى سحب الدعم عن حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وذلك على خلفية “ملف التنصت” الذي كشف عنه مؤخرا.
وكان النائب مصطفى سند، وهو أحد ضحايا الشبكة، قد كشف عنها أواخر آب أغسطس الماضي، كما أعلن عن رفع دعوى قضائية ضد أعضائها بتهمة “التنصت” على هواتف نواب وسياسيين.
وتقول مصادر مطلعة على كواليس الأزمة لـ”العالم الجديد”، إن “المالكي اشترط تنازل السوداني عن جهاز المخابرات، وإدارة مكتب رئيس الحكومة، من أجل الموافقة على بقائه في منصبه”.
وتضيف المصادر، أن “السوداني رفض ذلك تماما، على الرغم من عدم تمكنه من إقناع المجتمعين بدفع التهمة عنه، لكنه لوح بورقة التعديل الوزاري والإطاحة ببعض الوزراء التابعين لتلك الأحزاب، في مقابل وعد أطلقه بالتعاون مع القضاء في ملاحقة المتورطين داخل مكتبه”.
وحول مجمل الموضوع، يقول الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الخلافات ما بين السوداني وأطراف داخل الإطار التنسيقي، وصلت لمراحل خطيرة، وأن الحديث عن ضغوط على السوداني لتقديم استقالته حقيقية، وليست مجرد شائعات، لكن هناك وساطات من أطراف داخلية وخارجية لتهدئة الموقف وعدم التصعيد”.
ويوضح الحكيم، أن “كلمة السوداني الأخيرة، كانت فيها رسائل واضحة للإطار التنسيقي على وجه التحديد، وهذه الرسائل تضمنت تهديدا مباشرا وغير مباشر، وهذا ما قد دفع بعض أطراف الإطار التنسيقي إلى التراجع عن التصعيد ضد حكومة السوداني، في المرحلة الحالية، وبشكل مؤقت ربما”.
ويرى أن “السوداني أصبح يشكل خطرا سياسيا وانتخابيا على أغلب قوى الإطار التنسيقي، لذا فإنها تسعى لتسقيطه سياسيا، وإفشال أي مشروع انتخابي له بشكل مبكر”، منوها إلى أن “أطرافا داخل الإطار التنسيقي هي من عملت على كشف شبكة محمد جوحي، واستخدمت الملف ضد السوداني”.
ويتوقع “تصاعدا أكبر وأخطر في المرحلة المقبلة بين السوداني وبعض أطراف الإطار، خاصة مع قرب الانتخابات التشريعية العام المقبل”.
ويختتم حديثه بالقول، إن “بعض أطراف الإطار التنسيقي تريد استغلال موضوع إخراج القوات الأمريكية من العراق كورقة ضغط ضد السوداني وحكومته، بالرغم من أن الجميع يعرف جيدا بأنه لا يوجد أي انسحاب، ولن يحصل أي انسحاب، لكن هناك من يريد أن يبتز السوداني في هذا الملف”.
وفي 19 آب أغسطس الماضي، صدرت أوامر اعتقال بحق مسؤولين كبار في مكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتورطهم في إدارة شبكة تنصت تم الكشف عنها داخل القصر الحكومي في بغداد الأسبوع الماضي، بحسب مصادر سياسية.
ومن أبرز الذين صدرت أوامر اعتقال بحقهم السكرتير العسكري للسوداني الفريق أول عبد الكريم السوداني، ومدير مكتب السوداني إحسان العوادي، وأحمد إبراهيم السوداني، مدير مكتب رئيس جهاز المخابرات الذي يترأسه السوداني.
وأعرب السوداني، في 8 أيلول سبتمبر الحالي، في خطاب رسمي، عن استيائه من قيام أطراف لم يسمها بـ”تشويه” عمل حكومته في مكافحة الفساد المالي والإداري، ملمحا إلى تغيير وزاري جديد.
في المقابل يقول المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك نجاحات واضحة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وهذا ما جعله يحظى بدعم شعبي كبير، وهذا سيتحول إلى رصيد انتخابي له، ما يجعله رقما سياسيا صعبا في المرحلة المقبلة، وهذا الأمر أثار غضب بعض أطراف الإطار التنسيقي وعلى رأسهم ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي”.
ويضيف الهلالي، أن “نجاحات السوداني وارتفاع رصيده الشعبي سيدفع إلى جعل الولاية الثانية في متناول اليد، وهذا ما لا تريده أطراف من الإطار التنسيقي، لذا بدأت بإثارة المشاكل والشائعات حول السوداني وحكومته واستغلال بعض الملفات التي هي ملفات قضائية بحتة للتسقيط السوداني”.
ويصف ما يجري بأنه “أساليب رخيصة تمارسها بعض الأطراف السياسية، بهدف عرقلة الأداء الحكومي وإيقاف عجلة التنمية والعودة بالعراق إلى سياساتهم التي جرت البلاد إلى الخراب والدمار والفساد، بعد أن رأت أن السوداني يسير بخطوات لتصحيح مسار العملية السياسية وإعادة ثقة المواطن، وهذا ما يقرب الولاية الثانية له، ولهذا بدأت بحملة استهداف ممنهجة وواضحة ضد حكومته”.
وانجرت أزمة التنصت لتصل القضاء، حيث تشير مصادر إعلامية، إلى أن الشبكة استهدفت التنصت على رئيس مجلس القضاء الأعلى، الأمر الذي دفع المجلس للنفي.
وكان رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، حذر في 5 أيلول سبتمبر الجاري من، التجاوز على القضاء والحكومة والبرلمان عبر الإعلام، وعد الأمر بداية خطيرة قد تكون تداعياتها “أخطر من الإرهاب”، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى “انهيار النظام السياسي”، وذلك تعقيبا على مؤتمر رئيس النزاهة “الفضائحي”.
من جهته، يدحض عضو الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، في حديث لـ”العالم الجديد”، ما “يتم ترويجه من أن الإطار التنسيقي قام بسحب دعمه للسوداني، بسبب المشاكل الأخيرة، وبالخصوص قضية التنصت أو ما باتت تعرف بشبكة محمد جوحي”، مقرا بـ”مناقشة الإطار للقضية باستفاضة، حيث أكد على ضرورة الالتزام بالقرارات والإجراءات القضائية، وعدم تأثيرها على العمل الحكومي واستغلالها لتسقيط السوداني وحكومته”.
ويؤكد الفتلاوي، أن “قادة الإطار التنسيقي خلال اجتماعهم الأخير في منزل العامري، جددوا الدعم والمساندة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتأكيد على استمرار حكومته لحين انتهاء عمرها الدستوري ورفض التوجه لأي انتخابات برلمانية مبكرة”.
ويضيف أن “هناك وجهات نظر مختلفة ما بين قوى الإطار التنسيقي بشأن نجاحات الحكومة أو إخفاقاتها، لكن الاجتماع الأخير، شهد اتفاق الجميع على دعم الحكومة لإنجاحها، كونها تمثل كل الإطار، وأي إخفاق لها هو إخفاق لكل الإطار، مع تأشير ملاحظات على بعض الإخفاقات، خاصة بما يتعلق بملف التواجد الأمريكي، فالاجتماع شدد على ضرورة وجود جدول زمني معلن لهذا الانسحاب”.