عبد الباري عطوان
تعيش الحُكومة الأمريكيّة وحليفتها البريطانيّة حالةً من القلق غير مسبوقة تتمثّل في تسريبِ معلوماتٍ استخباريّة على أعلى المُستويات تُؤكّد أنّ هُناك “صفقة نوويّة” سِريّة بين إيران وروسيا قد تُؤدّي إلى تسريع امتلاك الأولى (إيران) أربع قنابل نوويّة على الأقل بمُساعدة خُبراء روس.
ad
تقريران صحفيّان، الأوّل لوكالة أنباء بلومبيرغ الأمريكيّة المُقرّبة من دوائر صُنع القرار في البنتاغون والبيت الأبيض، والثّاني تقرير انفردت به صحيفة “الغارديان” البريطانيّة منسوبٌ إلى مُراسلها في واشنطن، يلتقيان، بل يُؤكّدان على أنّ هُناك حالة مُقايضة خلف هذه الصّفقة تتمثّل في تزويد إيران لروسيا بطائراتٍ مُسيّرة وصواريخ باليستيّة تُساعدها في حسم الحرب في أوكرانيا، مُقابل إرسال خُبراء ذرّة روس إلى طِهران لتحويل كميّات اليورانيوم المُخصّب المُتوفّرة لديها، وبنسبٍ عاليةٍ جدًّا، (أكثر من 60 بالمئة) لإنتاجِ أسلحةٍ نوويّة.
***
الزّيارة المُفاجئة التي قامَ بها كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني إلى واشنطن بحثت هذه الصّفقة أثناء لقائه مع الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض إلى جانب قضايا أُخرى أبرزها إعطاء الضّوء الأخضر للجيش الأوكراني لاستخدام الصّواريخ الغربيّة بعيدة المدى مِثل (أتاكمز) الأمريكيّة، و(ستورم شادو) البريطانيّة، و(سكالب) الفرنسيّة لقصفِ العُمُق الروسي، ولكنّ التّعاون النّووي الروسي الإيراني كانَ يحتل قمّة جدول الأعمال في ظِل تصاعُد الحرب في الشّرق الأوسط، وتزايُد احتِمالات توسيعها وتحويلها إلى حربٍ إقليميّة.
في الأُسبوع الماضي صدر تحذير ثُلاثي بريطاني ألماني فرنسي من أنّ مخزون إيران من اليورانيوم عالي التّخصيب يتضخّم بشكلٍ مُتسارع هذه الأيّام، وغير مُبرّر مدنيًّا، بحيثُ باتَ لدى إيران أربع كميّات كبيرة منه يُمكن استخدامها لتصنيع أربعة رؤوس نوويّة بمُساعدة خُبراء روس، أو بتزويد عُلماء الذرّة الإيرانيين بالمعلومات والأسرار اللّازمة لإنجاز تصنيع هذه الرّؤوس بأسرعِ وقتٍ مُمكن.
السُّلطات الإيرانيّة نفت جميع هذه التّقارير والتّسريبات حول التّعاون الإيراني- الروسي في المجالات النوويّة والعسكريّة، وقال الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في مُؤتمر صحافي اليوم “إنّ حُكومته لم تُرسل أيّ أسلحةٍ إلى روسيا مُنذ تولّيه الرّئاسة في آب (أغسطس) الماضي، في ردٍّ على الاتّهامات الأمريكيّة في هذا المِضمار”، ولكن كان لافتًا قوله “من المُحتمل أن يكون تسليم إيران صواريخ باليستيّة لروسيا تمّ في الماضي، أي في زمن الحُكومات السّابقة، وشدّد على أنّه لم يتم أي تسليم في عهده”، وهذا توضيحٌ “مُغَمْغَمٌ” و”ملغومٌ” في رأينا.
كُل ما قيل عن امتلاك إيران كميّات هائلة من اليورانيوم عالي التّخصيب تتجاوز ربّما بعشرة أضعاف الكمية المُصرّح بها من وكالة الطّاقة الذريّة في فيينا، والمُتّفق عليها بمُقتضى الاتّفاق النووي الذي وقّعته إيران مع أمريكا والدّول الخمس العُظمى الأُخرى عام 2015 ينطوي على الكثير من الصحّة، لأنّ إلغاء إدارة الرئيس ترامب لهذا الاتّفاق بضغطٍ من إسرائيل نتنياهو عام 2017، نزل بردًا وسلامًا على قلب المُرشد الأعلى السيّد علي خامئني والقيادة الإيرانيّة لأنّه أعفاها شرعيًّا من الالتزام به، أي الاتّفاق، والإقدام على طرد المُفتّشين التّابعين للوكالة، وتفكيك كاميرات مُراقبتهم، وزيادة عدد أجهزة التّخصيب المركزي لليورانيوم وتحديثها، ولا تُلام في ذلك.
***
في ظِل التّهديدات الإسرائيليّة المدعومة أمريكيًّا بقصف إيران، وبالقنابل النوويّة، مثلما ورد على ألسنة العديد من المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين (السيناتور غراهام)، بات من حق إيران أن تملك الأسلحة النوويّة لحماية نفسها، وردع أي عُدوان نووي إسرائيلي يُمكن أنْ تتعرّض له.
السيّد كمال خرزاي مُستشار المُرشد الإيراني الأعلى السيّد علي خامنئي للشّؤون النوويّة أكّد أنّ إيران ستُسارع بإجراءِ تفجيرٍ نوويٍّ اختباريٍّ في اليوم التّالي لأي هُجوم إسرائيلي أو أمريكي تتعرّض له، وهذا يعني أنها تملك اليورانيوم، والعُقول، والمُفجّر اللّازم لتصنيع الرّؤوس النوويّة، إنْ لم يكن قد صنَعتها فِعلًا، سواءً ذاتيًّا أو بمُساعدة الروس أو الحليف الكوري الشّمالي.. والأيّام بيننا.