تصريحات علنيّة ، وَتَردُ وتتكرّر على لسان رئيس الجمهورية، وتستحق وصفاً اكثر من “تهدئة”.
هذا في العلن ،أما في السّر ، وعِبرَ الوسطاء ، فالأمور تتجاوز التصريحات إلى تفاهمات مُجدّية ومُفيدة ،لا اقول مفيدة لأمن و استقرار المنطقة ،لانه ،و الواقع يشهد ،لا أمن و لا استقرار في المنطقة في ظل حرب ابادة ،تُنذرُ بالتوسّع ،و حكومة صهيونية فاشية ، مُتمرّدة على العالم و الإنسانية، و متحرّرة من مساءلة و مسؤولية دولية او أُمّمية ، ولكنها ( و اقصد التصريحات ) مُفيدة للحيلولة دون توسّع و انتشار الحرب جغرافياً ،وعلى الاقل في الوقت الراهن .
من بين التصريحات ،ما قاله الرئيس الإيراني مُعقباً على الصاروخ ( فرط صوتي ) ، الباليستي الذي ضربَ تل أبيب ،قادماً من اليمن و قاطعاً مسافة 2049 كيلو متر ، متجاوزاً كل الدفاعات الجوّية ، بتاريخ 2024/9/15 : قال الرئيس الإيراني ،في أول مؤتمر صحفي كبير يوم الاثنين ،الموافق 2024/9/16 ، ان إيران لم تقّدم صاروخ فرط صوتي للحوثيين ، هم يصنعونه بأنفسهم ، ولكن الرئيس الايراني لم يتردّد في ذكر التنسيق و التعاون بين ايران و الحوثيين ،ولم يتردّدْ في انتقاد سياسة ازدواجية المعايير ،والتي يتبعها الغرب تجاه ما يجري في غزّة، حيث تمّد امريكا كل أنواع الأسلحة المدّمرة لإسرائيل ، وتدعمها في المحافل الدولية و الامنية ،و تحميها من المساءلة .
وتجدر الاشارة، ونحن في صدد صناعة الأسلحة في اليمن، بأنَّ اليمن استفادت كثيراً من خبرات عسكرية ،نقلها اليها مهندسون و عسكريون عرب ،لجأوا اليها ،هرباً من الأمريكيين و الاسرائليين ، ومن حملات التصفية ،و الإرهاب التي عصفت بالمنطقة.
قال ايضاً، ” نحن لا نقاتل امريكا في حال احترمت حقوقنا، ونحن لا نريد ان نقاتل احداً ،نريد التقدم بكل أمان”. واضاف، ” نحن لا نسعى للحصول على اسلحة نووية ،و احترمنا اطار الاتفاق المبرم عام 2015 ، بين ايران و القوى الكبرى بشأن برنامج طهران النووي”.
تصريحات الرئيس الإيراني ، غير الاستفزازية، و الداعية إلى التهدئة تتوافق و تتطابق مع سياسة إيران الدولية وفي المنطقة . لا تناقض او اختلاف بين ما يصّرح به الرئيس و السياسة المتبعة ، ولكن حرصْ الرئيس على تجنب التصريحات الاستفزازية ،وتبني تصريحات تهدئة وغير عدائية تجاه امريكا مرّده ثلاثة اعتبارات :
ـ أولاً: لتبيان جديّة ايران نحو اسقاط خيار الحرب في المنطقة ،وهذا ما تريده ايضاً امريكا ،في الوقت الراهن . ولكن هناك فرق كبير بين ما تريده ايران و ما لا تريده أمريكا. فما هو؟
أيران والمقاومة ،بمختلف فصائلها و مراجعها و جغرافياتها مرتاحون لاستنزاف إسرائيل عسكرياً و اقتصادياً و اجتماعياً ، كل يوم يأتي و إسرائيل اضعف بكثير من الأمس ، وتتجه إسرائيل بخطوات نحو التفكك السياسي والاجتماعي ،واليوم قد يعلن نتنياهو عن وزير دفاع جديد ،اكثر تطرفاً و إجراماً من السابق . امريكا لا تريد حرب الاستنزاف ،لانها تدرك اثارها المُدّمرة عليها و على اسرائيل .
ـ ثانياً: التهدئة و التصريحات الحيادية و المسؤولة للرئيس الإيراني الجديد ،هي ،على ما يبدوا ، صنعة الرئيس الجديد ،او موضة الرئيس الايراني الجديد . يريد الرجل ان تكون فترة رئاسته ممُيّزة بالانفتاح و التعاون مع الخارج ، و الانفتاح و التساهل في الداخل . عدول السيد ظريف ،كبير مستشاري الرئيس الإيراني ،و وزير خارجية إيران الأسبق ،عن استقالته ، وقبول تكليفه والعمل مع الرئيس ،دليل على ان سياسة الانفتاح و التعاون الاقليمي و الدولي لايران هو الهدف الرئيسي لايران في هذه المرحلة .
ـ ثالثاً: مرور ما يقارب عام على طوفان الأقصى ، وبالرغم من المجاز و الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ، والدعم الغربي الذي تلقته ،لكنها لم تحقّق ايَّ انتصار ،و تعيش في حالة تخبط سياسي و عملياتي ،وتفكك . هي في حالة ضياع و ازدراء من شعوب و دول العالم ،و نتنياهو يرتكب حماقات و يطلق تصريحات انفعالية ،وقد بانَ للعالم تهورّه و خطره على المنطقة وعلى العالم . بالمقابل ، ترفدُ ايران العالم ( الخصوم و الاعداء و الأصدقاء ) بمواقف و تصريحات هادئة و غير استفزازية ، و توصل رسالة إلى الغرب و دول العالم بانها دولة لا تتميّز فقط بالصبر الاستراتيجي ، وانما بالبرغماتية و الحرص على المصلحة الوطنية . بخلاف نتنياهو ،و الذي أقنع الاسرائليين و العالم بأنه يريد مصلحته الشخصية .
نجحت إسرائيل في إقناع شعوب العالم وخاصة الغرب بأنها دولة مارقة .ومن ذا الذي ، مِنْ قادة الغرب ، لا يعرف بأن نتنياهو كذّاب ،ويعمل ليس لمصلحة إسرائيل ،و انما لمصلحته الشخصيّة .
تحرصُ إيران ،على ما أظن ، على ان يكون عهد الرئيس الحالي متميزاً بهدفيّن :
– ترسيخ مقومات السياسة الدولية لايران ،وهم ؛ الصبر الاستراتيجي ، والبرغماتية في أقصى مدياتها ، والمصلحة الوطنية .
⁃ تسويق صورة اخرى لشعوب و دول العالم عن أيران : إيران القادرة على التفاهم مع الخصم ( امريكا ) ،بعكس إسرائيل المتمردة على الحليف و الصديق ( امريكا و الغرب)، ايران التي تحترم الالتزامات العلنية و السّرية،بعكس إسرائيل الناكثة للالتزامات و العهود ( احتلالها لمحور صلاح الدين احدث شاهد ) ،وقبل ذلك اتفاقيات أوسلو عام 1993 .
رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل