لندن ـ «القدس العربي»: كشفت خريطة جديدة للمريخ عن هياكل غامضة مختبئة تحت طبقات الرواسب في محيط مفقود من الكوكب.
واكتشف الباحثون حوالي 20 سمة متناثرة حول الغطاء القطبي الشمالي للكوكب والتي تكون أكثر كثافة بشكل ملحوظ من محيطها.
وتختلف الهياكل في الشكل والحجم، حيث يشبه أحدها شكل الكلب، ما ترك الفريق في حيرة لأنهم لا يعرفون بالضبط ما هي التكوينات أو من أين أتت، لكن لديهم بعض النظريات.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية إن إحدى النظريات تقول إن الهياكل كانت مضغوطة بسبب ضربات النيازك القديمة، أو تشكلت بسبب النشاط البركاني، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث للوصول إلى حقيقة هذا الشذوذ تحت الأرض.
وقدم فريق الباحثين من جامعة دلفت الدنماركية وجامعة أوتريخت نتائجهم في مؤتمر علوم الكواكب الأوروبية في برلين الأسبوع الماضي.
واستخدم الفريق انحرافات صغيرة في مدارات الأقمار الصناعية لإنشاء صورة للمجال الجاذبي للمريخ، أو منطقة الفضاء حول الكوكب حيث يمكن الشعور بقوته الجاذبية، حيث فعلوا ذلك للبحث عن أدلة حول كيفية توزيع الكتلة في جميع أنحاء باطن الكوكب.
ثم قام الفريق بدمج هذه الملاحظات مع البيانات حول سمك ومرونة قشرة المريخ، بالإضافة إلى ديناميكيات وشاح الكوكب والداخل العميق.
وتم جمع هذه الملاحظات بواسطة مركبة الهبوط «InSIGHT» التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» والتي أكملت دراستها لقشرة المريخ ووشاحه ونواته في عام 2022.
وسمح هذا للباحثين بإنشاء خريطة كثافة عالمية للمريخ كشفت عن وجود 20 بنية تحت الأرض غير معروفة سابقاً متناثرة حول الغطاء القطبي الشمالي للكوكب.
والهياكل أكثر كثافة بحوالي 19 إلى 25 رطلاً لكل قدم مكعب من محيطها، وتختلف في الشكل والحجم. وبالإضافة إلى ذلك، فهي مغطاة بطبقة سميكة وناعمة من الرواسب التي ربما كانت ذات يوم قاعاً بحرياً.
وقبل مليارات السنين، لم يكن المريخ كوكباً صحراوياً كما نعرفه اليوم، حيث كان مغطى ذات يوم بالمحيطات والأنهار، لكن المياه جفت في تحول مناخي شديد.
والآن، الدليل الوحيد على هذه المسطحات المائية يكمن في السجل الجيولوجي للمريخ – مثل طبقة الرواسب هذه. أما بالنسبة للهياكل التي تقع تحتها، فقال المؤلف الرئيسي بارت روت، الأستاذ المساعد في جامعة دلفت للتكنولوجيا: «يبدو أنه لا يوجد أثر لها على السطح».
وأضاف: «ومع ذلك، من خلال بيانات الجاذبية، لدينا لمحة مغرية عن التاريخ الأقدم لنصف الكرة الشمالي من المريخ».
وهذه ليست المرة الأولى التي يكتشف فيها العلماء أشياء غريبة تحت سطح المريخ، ففي كانون أول/ديسمبر 2023 اكتشف زورونغ الصيني شقوقاً كبيرة على شكل قرص العسل مدفونة على عمق عشرات الأمتار تحت خط استواء المريخ والتي من المحتمل أن تكون قد تشكلت عندما تقلصت درجات الحرارة الشديدة وكسرت الأرض.
ولكن روت وفريقه يواجهون صعوبة أكبر في معرفة ماهية هذه الهياكل الحديثة، ومن أين أتت. وفي الوقت الحالي، لديهم نظريتان رئيسيتان.
إما أن الهياكل كانت مضغوطة نتيجة لأحداث اصطدام قديمة، مثل ضربات النيازك، أو أنها تشكلت نتيجة لنوع من النشاط البركاني. وتتحدى هذه الفكرة الأخيرة وجهة نظر العلماء الراسخة منذ فترة طويلة حول المريخ باعتباره كوكبًا غير نشط جيولوجياً.
ولكن في حين أظهرت الدراسات أن المريخ لا يحتوي على نفس القدر من النشاط الجيولوجي مثل الأرض، فإن مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أنه ليس «ميتاً» تماماً.
وتضيف دراسة روت إلى هذا الدليل ليس فقط من خلال اكتشاف هياكل قد تكون تشكلت بركانيًا، ولكن من خلال اكتشاف منفصل تماماً.
وبالإضافة إلى العثور على الهياكل الغامضة، كشف تحليل الفريق أن وشاح المريخ قد لا يزال يستضيف عمليات جيولوجية نشطة يمكن أن تغذي جبل أوليمبوس، أكبر بركان معروف في النظام الشمسي.
ويقع جبل أوليمبوس في منطقة ثارسيس مونتيس بالقرب من خط استواء المريخ. ويقدر العلماء أن البركان لم يثُر منذ 25 مليون سنة، حيث إن الجيولوجيا الجوفية لمنطقة ثارسيس كثيفة بشكل لا يصدق، لكن روت وفريقه اكتشفوا كتلة أخف بكثير تقع على عمق 700 ميل تحت السطح.
ويُعتقد أن هذه الكتلة عبارة عن عمود هائل من الصهارة يمتد لمسافة 1000 ميل في وشاح المريخ. والأكثر من ذلك، أن هذا العمود قد يكون في طور الفقاعات إلى السطح.
وقال روت: «هذا يعني أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية فهمنا لدعم بركان أوليمبوس مونس ومحيطه». وأضاف: «هذا يُظهر أن المريخ قد لا يزال يشهد حركات نشطة تحدث بداخله، مما يؤثر وربما يؤدي إلى ظهور سمات بركانية جديدة على السطح».