بيروت: “إذا فشل العالم في سحب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، فإن إسرائيل ستفعل ذلك”، عبارة قالها وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأحد، قبل ساعات من بدء تل أبيب تصعيدًا هو الأعنف على مناطق واسعة في لبنان منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
إثارة معضلة نهر الليطاني تعيدنا إلى عام 2006، وتحديدا يوم 11 أغسطس/ آب، عندما تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 1701 الذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل، لينهي جولة عنيفة من الحرب بين الجانبين بدأت في 12 يوليو/تموز 2006.
القرار دعا حينها إلى إيجاد منطقة بين الخط الأزرق (الفاصل بين لبنان وإسرائيل) ونهر الليطاني جنوب لبنان، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات “يونيفيل” الأممية.
في هذا الإطار، تستعرض الأناضول “معضلة” نهر الليطاني، من خلال إلقاء الضوء على أهميته وواقعه الجغرافي والديمغرافي، مقابل مطالب إسرائيل التي يرفضها “حزب الله”.
الحدود
يعد الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة عقب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في مايو/أيار عام 2000، بمنزلة حدود بين الجانبين، أما نهر الليطاني فهو أهم الأنهر اللبنانية الذي يصب في البحر المتوسط على بعد نحو 70 كيلومترًا جنوب العاصمة بيروت.
أما العمق الذي يفصل الخط الأزرق عن مجرى النهر فيبلغ في حده الأقصى 28 كيلومترا في القطاع الأوسط، فيما يبلغ في حده الأدنى 6 كيلومترات في أقصى القطاع الشرقي.
ويبلغ طول الحدود بين لبنان وإسرائيل من مزارع شبعا شرقًا إلى رأس الناقورة غربا حوالي 76 كيلومترًا، أما طول الساحل الجنوبي ما بعد الليطاني فيبلغ نحو 30 كيلومترًا.
الجغرافيا والبيئة السكانية
تبلغ المساحة الكلية لجنوب الليطاني حوالي 850 كيلومترا مربعا، ويقطنه نحو 200 ألف نسمة، 75 بالمئة منهم من الطائفة الشيعية، في حين يتوزع الـ25 بالمئة المتبقية على السنّة والدروز والمسيحيين.
ويمثل هذه المنطقة في مجلس النواب اللبناني البالغ عدد أعضائه 128 نائبا، 9 نواب من الشيعة و3 نواب لأقليات جنوب الليطاني، وتعمل في جنوب الليطاني قوات حفظ السلام الدولية “يونيفيل” منذ 28 عاما وفقا للقرار الدولي 425.
عصب لبنان المائي
يبلغ طول مجرى الليطاني (يتجه من الشرق إلى الغرب) 170 كيلومترا، ويشكل العصب المائي للبنان، وترتكز عليه مخططات الإنماء المائي الزراعي المتكامل لمناطق البقاع الجنوبي وجنوب لبنان.
فالمنطقة تعتمد عليه لري مساحة 54 ألف هكتار ولتزويد 264 بلدة وقرية يبلغ مجموع سكانها الحالي 794 ألف نسمة، أي حوالي خُمس سكان لبنان.
ويطالب القرار 1701 الحكومة اللبنانية وقوة اليونيفيل بنشر قواتهما في منطقة جنوب الليطاني، كما يدعو إسرائيل عند بدء عملية الانتشار هذه إلى سحب كل قواتها إلى ما وراء الخط الأزرق.
الليطاني بعين إسرائيل
الموقف الرسمي الإسرائيلي هو الإصرار على انسحاب “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني، حيث تقترح تل أبيب انتشار الجيش اللبناني وقوات يونيفيل بالمنطقة ما بين الحدود وجنوب النهر.
وتقول إسرائيل إن الغاية من ذلك هي إبعاد الحزب عن حدودها ومنعه من تهديد أو استهداف المستوطنات الشمالية وجعل المنطقة منزوع السلاح كما نص القرار الدولي 1701 وجعل السلطة فيها فقط للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
وفي مقابل تصعيدها الأعنف منذ صباح الاثنين، استمر انطلاق صفارات الإنذار في المستوطنات الإسرائيلية قرب الحدود مع لبنان، إثر إطلاق “حزب الله” عشرات الصواريخ على مواقع عسكرية ومستوطنات، بينها مدينة حيفا.
موقف “حزب الله”
يرى مراقبون أنه بالنظر إلى سكان جنوب الليطاني الذين يشكل الشيعة 75 بالمئة منهم، يمكن استخلاص جزء من سبب تمسك حزب الله بالبقاء في المنطقة ورفض الانسحاب إلى ما وراء الليطاني.
وبالإشارة إلى أن الحزب يملك أسلحة بعيدة المدى، فقد يعني ذلك أن الإصرار على “معضلة” الليطاني ليس مصيريا فعلا بقدر ما هو حجّة لإسرائيل لسحب ورقة الحزب من الأراضي المواجهة لها أولا، في مرحلة أولية لتوجيهه أكثر إلى الداخل اللبناني، وفق مراقبين.
فقد جاءت تصريحات كاتس، الأحد، بعد أن أعلن “حزب الله” أنه قصف مواقع عسكرية في مدينة حيفا شمالي إسرائيل بصواريخ فادي 1 و2، للمرة الأولى منذ بدء المواجهات الحدودية مع تل أبيب قبل نحو عام.
وأسفرت صواريخ “حزب الله” عن إصابة عدد من الإسرائيليين وأضرار مادية كبيرة حسب وسائل إعلام عبرية، فيما شن الجيش الإسرائيلي غارات على مناطق متفرقة من جنوب وشرق لبنان إضافة إلى ضاحية بيروت الجنوبية.
الرد الإسرائيلي بلغ ذروة عنفه الاثنين، حيث أسفر حتى مساء اليوم نفسه عن مقتل 492 شخصا وإصابة ألف و645 شخصا في حصيلة غير نهائية لوزارة الصحة اللبنانية.
“فتيل” التصعيد الأعنف
منذ صباح الاثنين، يشن الجيش الإسرائيلي هجوما هو “الأعنف والأوسع والأكثر كثافة” على لبنان منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” قبل نحو عام، أسفر عن استشهاد 492 شخصا ينهم 35 طفلا و58 سيدة، وإصابة 1645، وفق حصيلة غير نهائية أعلنتها وزارة الصحة اللبنانية في وقت متأخر من اليوم نفسه.
وخلال الأسبوع الحالي، تصاعدت الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل عقب تفجيرات لأجهزة اتصالات بأنحاء لبنان يومي الثلاثاء والأربعاء ما أوقع 37 قتيلا وأكثر من 3 آلاف و250 جريحا.
إلى جانب ذلك، خلفت غارة جوية استهدفت الجمعة، الضاحية الجنوبية لبيروت، 45 قتيلا بينهم أطفال ونساء والقيادي البارز في حزب الله إبراهيم عقيل، و68 جريحا وفق إحصائية غير نهائية أعلنتها وزارة الصحة.
يذكر أن عددا كبيرا من الضحايا هم من قيادات وكوادر “حزب الله”.
ومنذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها حزب الله، مع الجيش الإسرائيلي قصف يوميا عبر “الخط الأزرق” الفاصل، ما أسفر عن مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.
وتطالب هذه الفصائل بإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر، ما خلف أكثر من 137 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.