لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “أوبزيرفر” تقريرا لمحررها الدبلوماسي باتريك وينتور، قال فيه إن مقتل زعيم “حزب الله” حسن نصر الله يضع إيران أمام قرارات مصيرية ويكشف عن إهانة للولايات المتحدة.
وأضاف أن مقتل الزعيم الذي قاد الحزب على مدى 32 عاما، ترك تداعيات ذات مدى كبير على طهران وواشنطن. وأشار إلى ما قاله وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن في مؤتمره الصحافي ليلة الجمعة، إن الأيام المقبلة ستحدد طريق المستقبل للشرق الأوسط. ولم يكن أكثر دقة مع أنه كان يأمل في وقت سابق أن يتم إقناع إسرائيل و”حزب الله” بالتراجع عن الهاوية.
وبعد مقتل نصر الله، فقد خطت المنطقة وبعد 12 شهرا، فوق الهاوية إلى مكان لم تكن فيه من قبل.
كل العيون متجهة نحو طهران التي تواجه خيارات مصيرية حاولت تجنبها ولا يريد رئيسها الإصلاحي أن يتخذها
وكل العيون متجهة نحو طهران التي تواجه خيارات مصيرية حاولت تجنبها ولا يريد رئيسها الإصلاحي أن يتخذها. فهي وإن انتقدت بغضب عمليات إسرائيل التي دمرت مركز محور المقاومة الذي عملت بدأب ونشاط على بنائه لسنوات طويلة، إلا أن مصداقية إيران في خطر.
ومن ناحية براغماتية، قد تنصح إيران حزب الله باستيعاب الخسائر والقبول بوقف إطلاق نار لا يرتبط بوقف الحرب على غزة. ولو قررت إيران شن عملية انتقامية ضد إسرائيل، فيجب أن تكون نوعية وقوية، فهي تعرف أنها ستخوض حربا ضد جيش متفوق عسكريا وتكنولوجيا واستخباراتيا. فقد اخترقت إسرائيل “حزبَ الله” حتى النخاغ وربما فعلت نفس الأمر في إيران.
وبالنسبة للرئيس الجديد، مسعود بزكشيان، والذي انتُخب على بطاقة رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وبناء علاقات جيدة مع الغرب، فقد جاء مقتل نصر الله في أسوأ وقت له. وقضى وزير خارجيته، عباس عراقجي أسبوعا كاملا في نيويورك واجتمع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مع الساسة الأوروبيين مثل وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ووزير الخارجية البريطانية ديفيد لامي، في محاولة منه لإقناعهم باستئناف المحادثات بشأن الاتفاق النووي.
وقد أُعجب مديرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بما سمعه في اللقاءات قائلا: “أعتقد أن هذه هي اللحظة التي يمكن فيها عمل شيء بشأن الموضوع النووي، وميزة عراقجي أنه يعرف كل شيء عن العملية ويسمح بالمضي بها سريعا”. لكن مقتل نصر الله سيجعل من الصعوبة بمكان على الإصلاحيين إقناع المتشددين الإيرانيين بأن رفع غصن الزيتون له معنى. واشتكى بزكشيان من أنه حصل على القليل بعد استماعه للنصائح الغربية بعدم شن رد انتقامي على مقتل زعيم المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران.
نظرا لخداعه مرة، فلن يصدق بزكشيان أن الولايات المتحدة لم تكن لديها معرفة مسبقة بخطة قتل نصر الله
وقال بزكشيان إنه وُعد بوقف إطلاق نار في غزة في غضون أسبوع أو أسبوعين. ولكن ذلك لم يحصل، لأن الولايات المتحدة، في نظر إيران، لم تمارس الضغوط الضرورية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار.
ونظرا لخداعه مرة، فلن يصدق بزكشيان أن الولايات المتحدة لم تكن لديها معرفة مسبقة بخطة قتل نصر الله. فقد صادق نتنياهو على خطة القتل من غرفته بفندق في نيويورك، إلا أن القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات هي التي انفجرت في بيروت.
وفي بيان له معنى، دعا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، العالمَ الإسلامي للوقوف إلى جانب لبنان و”حزب الله” الأبي، وبأي وسيلة ممكنة ومساعدتهم على مواجهة النظام الشرير في إسرائيل.
وبالنسبة لأمريكا، فهذه إهانة دبلوماسية وفضح لعدم استطاعتها السيطرة على حليفها المثير للمشاكل. ويأمل نتنياهو بأنه خدع الدبلوماسيين الأمريكيين في نيويورك، فقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن لديها فهما واضحا بناء على محادثات مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بأن نتنياهو سيقبل وقف إطلاق النار في لبنان لمدة 21 يوما، ولكنه تراجع عن الاتفاق في اللحظة التي أعلنت فيها الولايات المتحدة عن الخطة.
وبطريقة ما، فهذا هو نتاج 12 شهرا من الإستراتيجية الأمريكية التي باتت اليوم حطاما. فمرة بعد الأخرى، ومنذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل تبني إستراتيجية أخرى في غزة، والسماح بنقل المواد الإنسانية للمحاور الآمنة، وعدم شن هجوم بري على رفح، والقبول بوقف إطلاق نار بدلا من التصعيد.
ما لم تثبت إيران أنها أكثر حزما مما كانت عليه حتى الآن، فإن نتنياهو سيكون الناجي العظيم الجالس على مقعد القيادة
وفي كل مرة، كان نتنياهو يعترف بالموقف الأمريكي، وبعد ذلك تجنب تقديم رد واضح ثم تجاهل واشنطن بالكامل. وفي كل مرة عبّرت فيها واشنطن عن سخطها وغضبها وإحباطها من نتنياهو، لكنها لم تتوقف عن تزويده بالسلاح.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وزيادة شعبية نتنياهو محليا، فضلا عن قلة الدول العربية التي لن تحزن على وفاة نصر الله، يبدو أن الولايات المتحدة ليس لديها سوى خيارات قليلة متاحة، في وقت يصر نتنياهو على أنه ينتصر، وفي الطريق لتحقيق “النصر الكامل”. وما لم تثبت إيران أنها أكثر حزما مما كانت عليه حتى الآن، فإن نتنياهو سيكون الناجي العظيم الجالس على مقعد القيادة.