لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمحررها الدبلوماسي باتريك وينتور تساءل فيه عن موقف دول الخليج والمنطقة بشكل عام من المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل.
وقال إن تزامن عقد مؤتمر وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة مع زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للمدينة نفسها، أثار أسئلة عن كيفية رد دول الخليج لو استخدمت إسرائيل نجاحاتها الأخيرة ليس لإضعاف إيران، ولكن لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. وقال إن دول مجلس التعاون الخليجي الستة السنية، ليست ميالة كثيرا باتجاه إيران الشيعية وجماعاتها الوكيلة. ففي عام 2016، صنفت هذه الدول حزب الله كجماعة إرهابية، ولكن هذه المجموعة تعارض التصعيد الإسرائيلي، وتعتقد أن الولايات المتحدة لديها الوسائل لكي تضبط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتتمسك دول الخليج بضرورة إنشاء دولة فلسطينية، كطريق وحيد للاستقرار الإقليمي والازدهار. وكتب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان في صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأربعاء قائلا إن “الدولة الفلسطينية هي شرط أساسي للسلام وليست نتيجة ثانوية له”. ولم يشر الوزير السعودي إلى النزاع الإيراني- الإسرائيلي، ولا لإمكانية ضغط الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي لم يتبق لديه سوى أشهر في الرئاسة، على إسرائيل.
والواقع هو أن قادة دول الخليج، ورغم الدعم الشعبي لفلسطين في دولهم، لن يغيروا استراتيجيتهم التي مضى عليها سنة، ويقدموا للفلسطينيين شيئا غير المساعدة الإنسانية والدعم السياسي.
وفي الوقت الحاضر، تتغير الأحداث بسرعة البرق في المنطقة، فإسرائيل التي استعادت قوتها تريد أن تكسر الجمود في غزة وتدمر حزب الله وتضرب إيران بطريقة تضعفها وتمنعها من إطلاق الصواريخ عليها مرة أخرى.
وبالتأكيد، ستشعر دول مجلس التعاون الخليجي بالقلق من التقارير التي تتحدث عن خطط إسرائيلية لضرب المنشآت النفطية الإيرانية، علاوة عن المنشآت النووية. وقال دبلوماسي عربي من دولة غير صديقة لإيران، إنه يخشى من التداعيات الأخلاقية لـ”النصر الكامل” لإسرائيل. والذي سيورث الشرق الأوسط درسا قاتما وهو أن “العدل” لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحرب الشاملة.
ويظل الموقف من مجلس التعاون الخليجي الذي يترأسه الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء القطري، هو أن وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل هو الحل للأزمة. لكن اغتيال إسرائيل لمحاور قطر، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، وجّه ضربة لآمال الدوحة لتحقيق هذا الأمل.
وفي الأزمة اللبنانية، دعت دول الخليج بما فيها الكويت والسعودية وقطر والإمارات وعمان، إسرائيل لاحترام سيادة لبنان والقبول بوقف إطلاق النار. وبنفس القدر لم تدعم أي منها الضربة الإيرانية ضد إسرائيل.
وإذا استمر صعود إسرائيل، فسيكون هذا معضلة لدول الخليج العربية. فمن ناحية، قد يؤدي إضعاف النفوذ الإيراني على المدى الطويل إلى خلق فراغ غير مرغوب فيه ومزعزع للاستقرار، حيث لا يسيطر على المنطقة سوى الجدار الحديدي الإسرائيلي. ومن ناحية أخرى، قد يمثل ذلك فرصة للدول الإقليمية لاستغلال ضعف إيران ودفع الجهات الفاعلة غير الحكومية المدعومة من طهران إلى الوراء.
ولدى العديد من دول المنطقة أسبابها لرؤية تراجع في التأثير الإيراني، فضعف طهران قد يمنح رئيس الوزراء العراقي فرصة لكبح جماح الميليشيات التابعة لإيران في العراق، كما قد يستعيد بشار الأسد، رغم صمته الواضح إزاء الصراع والدعم الذي أظهره له حزب الله، تأثيره في لبنان.
واتهم الأردن الذي حصلت فيه جبهة العمل الإسلامي على نتائج متقدمة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إيران بمحاولات إثارة جماعات معادية. وفي البحرين التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 2020، قمعت التظاهرات المؤيدة لفلسطين. وزعم تلفزيون “اللؤلؤة” أن تظاهرة نُظمت تعبيرا عن الحزن على مقتل زعيم حزب الله، حسن نصر الله.
وتعيش الكويت خلافا مع إيران حول استخراج الغاز الطبيعي من حقل للغاز في الخليج. وتظل العلاقة الأهم في المنطقة هي بين السعودية وإيران، وهي علاقة تحسنت بسبب الوساطة الصينية عام 2023، حيث استأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية. واستقبلت السعودية الرئيس الإيراني لأول مرة منذ 11 عاما، وسمحت للحجاج من إيران بالسفر لمكة والمدينة، كما استأنفت الرياض علاقاتها مع النظام السوري الذي تدعمه إيران. وحصلت المملكة على دعم من طهران لوقف الهجمات الصاروخية من الحوثيين في اليمن.
وأكدت الرياض أكثر من مرة لواشنطن أنها ليست مهتمة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل طالما لم يكن هناك مسار يوثق به باتجاه حل الدولتين. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حث نتنياهو السعودية على اتباع مثال الإمارات وتطبيع العلاقات مع إسرائيل بدون أن يشير إلى الموقف السعودي والعقبة التي يمثلها شخصيا لهذا الاتفاق.
وفي ورقة بحثية صدرت عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ناقش المؤلفون أن العلاقات السعودية- الإيرانية ضرورية للحفاظ على السلام، قائلين إن “العملية الصفرية التي تسعى لاستبعاد طهران من أي ترتيب أمني أقليمي، لن تحظى بدعم إقليمي، ولن تكون منتجا في النهاية”.