الوثيقة | مشاهدة الموضوع - لبنان بين النيران وعلم الاحتلال: صمت العالم وخيانة العرب! :مريم مشتاوي
تغيير حجم الخط     

لبنان بين النيران وعلم الاحتلال: صمت العالم وخيانة العرب! :مريم مشتاوي

مشاركة » الأربعاء أكتوبر 09, 2024 9:41 pm

5.jpg
 
لبنان يحترق، وبيروت تشتعل وتدمر، كما اشتعلت غزة، وما زالت تدمر، والعالم يقف متفرجًا، فالحريق لا يمسّه. نصرخ مع كل خبر عاجل يتسلل إلى مسامعنا، نبكي، نلطم، نختنق مع الدخان المتصاعد، ونشعر بتلك النار التي تحرقنا من الداخل كما تحرق السماء فوق بيروت. كل صاروخ يهز المدينة يهز أرواحنا، مهما كانت المسافة، كل رعدة تصيبها تصيب قلوبنا نحن أيضًا. يا بيروت الجميلة، يا زهرة الشرق، كيف ينام العرب وأنت تقصفين، وكيف تهدأ الأعين وأنت تحترقين؟
العجز يلتف حولنا كشبكة لا فكاك منها، ذهنيًا وعاطفيًا، نشعر بالتشتت، كيف يصمتون؟ كيف يعبرون عن لا مبالاتهم، بينما تنهار المدينة قطعة بعد قطعة؟ سقط كل شيء، سقطت الأخوة، كما سقطت الإنسانية نفسها، انتحرت في قصور الحكام والملوك الذين يراقبون من بعيد، يرسلون لنا مساعدات، حين تصبح لا قيمة لها. يرسلون المعدات الطبية، بعد أن تموت الأرواح البريئة، بعد أن تدفن الضحكات تحت الركام. آه يا بيروت، لو كان البكاء يشفيك لغرقت في أنهار دموعنا، لكن ماذا يفعل الدمع أمام هذا الوجع؟
أقف عاجزة أمام خريطة وطني، أمام طرقات حفرتها قدماي، كنت أعبرها كل يوم وأنا في طريقي إلى الجامعة. تلك الطرقات التي صادقت باعة الأرصفة فيها، تلك التي حفظت روائح فاكهتهم وحفرها. اليوم، كلها انمحت، لم يعد لها وجود. أين بيت صديقتي؟ ذلك البيت الذي عملت سنوات لتبنيه، أين عربات الكعك؟ وأين البنايات الشامخة؟ بل أين ابن صديقي الذي لم يكبر بعد؟ قتلوه قبل أن يتم عامه الثاني.
نعيش في دائرة الخوف، خوف على الأهل، على الذكريات التي تُمحى كل يوم، على الأصدقاء الذين لا نعرف إن كنا سنراهم مجددًا، وعلى الطرق التي قد لا تقودنا بعد اليوم إلى أحبابنا. أكثر ما أخشاه هو أن ينقطع الطريق إلى قبر ابني في بعلبك. هل سيبقى لي طريق إلى قبره؟ إنه الخوف الذي يمزقنا.. والعجز الذي يعذبنا جميعاً نحن أبناء الوطن، والدمار الذي لا أحد يريد إيقافه.
لم أكتب يومًا وأنا أشعر بالانهيار كما أشعر الآن. إنه لبنان، عبق الروح، يغرق في النار، ولا أملك إلا الحزن أمامه. لبنان، أغلى ما لدينا، ينسف، وكلنا نقف عاجزين، لا نستطيع إنقاذه.
وها هو مجرم الحرب نتنياهو، الذي لا يعرف الخجل، يوجه لنا، شعب لبنان، رسالة مليئة بالحكمة والذكريات. يُذكّرنا، بكل طيبة قلب، بلقب بلدنا القديم: لؤلؤة الشرق الأوسط. نعم، نتنياهو يتذكر جيدًا لبنان الذي كان يُشار إليه بالبنان لجماله، تسامحه، وازدهاره. إنه يستحضر تلك الصورة البراقة، وكأنه كان يزورنا في أيام العز، يستمتع بشواطئنا ويجوب شوارع بيروت واليوم يشعر بالأسى والحزن العظيم على ما فقدناه. ثم يتساءل بلطف مرير: «ماذا حدث للبنان؟».
ها هو الزعيم الصارم والحريص على حقوق الإنسان، قاتل الأطفال المخضرم، ينبّهنا إلى أن بلدنا دمرته عصابة من الطغاة والإرهابيين! وكأنه يحاضر في محفل دولي عن حقوق الإنسان، محاولاً أن يُعيد إلينا وعينا، لأننا بالتأكيد نسينا من تكون العصابة الحقيقية. نتنياهو، ببراءة مدهشة، يشير إلى الآخرين كمدمّرين، وكأننا لم نشهد على مدى عقود من احتلالاته وعدواناته، وكأن قنابله لم تمطر على أطفالنا، وكأن جدرانه لم تخنق أحلام فلسطين ولبنان معًا.
يا للعجب، هل هناك عصابة أكثر وحشية وتوحشاً من تلك التي يترأسها؟ عصابة أوغلت في صنع المآسي وتفكيك الأحلام، عصابة تُلقي بأبرياء الشرق الأوسط في دوامة الدمار، ثم تتباكى على الخراب!
نتنياهو، الذي يجيد فن إعادة كتابة التاريخ، يعيد لنا صورة مثالية للبنان الماضي، ليقول لنا: انظروا كيف تركتكم هذه العصابة. نعم، نعلم جيداً من هي العصابة، ونحن لا نحتاج لتذكيرك، لأن كل قنبلة ألقيتها وكل بيت نسفته هو الشاهد الحقيقي على جرائمك المروعة، يا زعيم العصابات الأكبر.
لقد تزامنت رسالة نتنياهو إلى الشعب اللبناني مع انتشار مشهد موجع أثار الغضب وأشعل موجة من الغليان في قلوب اللبنانيين والعرب الشرفاء، وأكد أن نتنياهو ليس فقط رئيس عصابة، بل أكثر من ذلك بكثير هو أكبر مجرم عرفه التاريخ.
هكذا انتشر مؤخرًا فيديو صادم على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الأخبار يظهر جنودًا إسرائيليين وهم يغرسون علم دولة الاحتلال الإسرائيلي في بلدة مارون الرأس، جنوبي لبنان. هذا الفيديو الموجع، الذي التقطته هيئة البث الإسرائيلية، يثير التساؤلات حول الخطة الإسرائيلية المتعلقة بالمنطقة ككل، وأهداف إسرائيل من خلف اعتداءاتها الوحشية على لبنان. فغرس العلم ليس مجرد فعل عسكري، بل هو محاولة لزرع الإحساس بالخوف والتأكيد على أن إسرائيل لا تزال تنظر إلى هذه الأرض بعين الطمع والتوسع.
مع كل هذه الأحداث، يبقى السؤال الذي يطرحه الجميع: ماذا بعد؟ هل سيكون هذا الفيديو بداية لتوسع إسرائيلي في الجنوب؟ وهل ستصل إلى بيروت في ظل هذا السكوت والخنوع العربي والدولي؟
في نهاية المطاف، «مارون الرأس» ليست مجرد بلدة حدودية، بل هي رمز للمقاومة والصمود. قد يحاول جنود العدو غرس علمهم في أرضها، لكن تلك الأرض صلدة وستبتلعهم في جوفها مع علمهم عما قريب.

كاتبة لبنانيّة
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى المقالات