يبدو أن القرار الرسمي في العراق، بدأ مسار استعادة زمام الأمور، بعد أن اختُطف خلال الأيام الماضية، على يد الفصائل المسلحة، التي راحت تبرق وترعد، وتتوعد الجميع بحرب مدمرة، لا تستثني حتى المنشآت النفطية، وهو ما ينذر بتحول العراق إلى بؤرة لتحركات الفصائل في تهديد دول المنطقة، ومنطلقاً لأهدافها الإقليمية.
وفي البيان الذي أصدره رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ، بمناسبة مرور عام على 7 أكتوبر (ذكرى اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل) قال : إنه “في ظلّ التداعيات الخطيرة التي تشهدها المنطقة، نوجّه رسالتنا إلى كلّ الأصدقاء، وبالخصوص الرئيس الأميركي جو بايدن، ودول الاتحاد الأوروبي، بأننا نقف على أعتاب منزلق خطير قد يجرّ المنطقة والعالم إلى حروب مستمرة، ويهزّ الاقتصاد العالمي”.
وأكّد أن المنطقة “تمثل الرئة التي يتنفس منها العالم بالطاقة”، مطالبا بـ”مضاعفة الجهود” من أجل “إنقاذ المنطقة من شرور حرب لا تُبقي ولا تذر”.
وجاءت لهجة السوداني التي تدعو إلى التهدئة وتحذر من مخاطر الانزلاق إلى صراع مستمر، بعد سلسلة هجمات نفذتها الفصائل المسلحة ضد إسرائيل، كما أن تلك الفصائل هددت بإطلاق حرب نفطية، عبر استهداف منشآت الطاقة في المنطقة، إذ توعد المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي أبوعلي العسكري بأن “يخسر العالم 12 مليون برميل نفط يوميا” في حال “بدأت حرب الطاقة”.
كما أن الهيئة التنسيقية لماتسمى بـ “المقاومة العراقية”، توعدت بأن تكون جميع القواعد والمصالح الأميركية في العراق والمنطقة هدفا لها في حال الهجوم على إيران.
هل ينتظرون ساعة الصفر؟
وسادت حالة من القلق في الشارع العراقي ، من نشوب صراع مدمر، قد يعيد البلاد إلى حقبة التسعينات، بما تحمله من مآس وكوارث، لا تزال تداعياتها مستمرة، وسط تساؤلات عن جدوى الانخراط في هذه المعركة، خدمة لمصالح وأجندات إقليمية.
وجاءت لهجة التهدئة من صانع القرار في العراق، بعد تلويح إسرائيلي، بإمكانية قصف أهداف حيوية داخل العراق، تعود للفصائل المسلحة، خاصة بعد الحديث عن “بنك أهداف” يضم اكثر من 40 موقعاً استراتيجياً مرشحاً لأن يكون ضمن خطة إسرائيلية لاستهداف الفصائل.
والأسبوع الماضي، نقلت تقارير إعلامية غربية عن مصادر في الأمن العراقي، معلومات عن قيام إسرائيل بإعداد “بنك أهداف” لعمليات اغتيال في العراق تشمل قادة فصائل معروفة ، إلى جانب أهداف للقصف تمثل معسكرات للحشد الشعبي ومقرات قادة فصائل في جنوب بغداد وبابل وصولاً إلى الحدود العراقية الإيرانية والسورية.
وتحدثت تلك التقارير عن اجتماعات متواصلة تجريها الفصائل العراقية لتحديد خطواتها في الفترة المقبلة، فيما نقلت الإذاعة الفرنسية الأبرز “مونت كارلو” عن مصادرها أن الجانب الأميركي أبلغ نظيره العراقي بأن واشنطن لن تمنع هذه الغارات إذا انزلق العراق أو الفصائل نحو الحرب.
ويرى المحلل الأمني، كمال الطائي، أن “إسرائيل لم ترد على الفصائل لغاية الآن، وهذا مقلق، إذ يُحتمل أنها تنتظر ساعة الصفر، لتوجيه ضربة في الداخل العراقي، تشبه ضربة تفجير أجهزة الاتصالات (البيجر)، خاصة في ظل التقارير التي تتسرب عن وجود أهداف واضحة وحيوية، ستكون على قائمة القصف”.
وأضاف الطائي ، أن “العراق حينها سيكون في موقف محرج، باعتباره صدّر نفسه سياسياً خلال الفترة الماضية على أنه بلد محايد وبعيد عن المحاور، لكن القرار الرسمي يختلف عن قرار الفصائل التي أصبحت تفرض شروطها في اللعبة، ومن المحتمل أن تجر البلاد إلى حرب استنزاف مع إسرائيل التي تتفوق عليها عسكرياً”.
لا للتخوين
ولم تكتفِ الحكومة العراقية بتصعيد نبرتها وتحذيراتها من الانزلاق نحو حرب شاملة، بل أكد المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، أن المواقف الرسمية للعراق تعبّر عنها الحكومة حصراً، محذراً من لغة التخوين.
وقال العوادي في بيان صحفي، إن “الحكومة العراقية تؤكد مضيّها في دعم كل الجهود الدولية والإقليمية الرامية الى وقف العدوان الصهيوني على أهلنا الصامدين في غزّة ولبنان، وتوظيف كل حضورها الدولي والإقليمي، والروابط مع الأشقاء والأصدقاء، من أجل ذلك الهدف، فضلاً عن إغاثة ودعم صمود الشعبين اللبناني والفلسطيني”.
وأضاف أن “الحكومة، تشدد على رفضها طروحات التخوين الموجّهة للأشقاء والإساءة لهم، لاسيما وهم يسعون في ذات السبيل الى حماية الشعب الفلسطيني وتأكيد حقّه، وكذلك حق الشعب اللبناني، في السيادة على أرضه وحماية حدوده، بعيداً عن وحشية العدو واستهتاره”.
وتابع أن “المواقف الرسمية للعراق تعبّر عنها الحكومة حصراً، بسياساتها وخطواتها المُستندة الى الدستور والنظام الديمقراطي، ومسؤوليتها في رسم السياسات العامة، وتقدير المصلحة العليا للشعب العراقي”.
قلق شعبي
في بغداد، بدت مشاعر القلق تسيطر على الجميع، فعلى سبيل المثال تعاني الأسواق من ركود ملحوظ، متأثرة بأزمة الدولار الذي ارتفع إلى مستويات قياسية، وسط تساؤلات عن المستقبل وماذا يحمل.
المواطن، إيهاب الغزي، قال : إن “شبح الحرب صار قريباً.. الجميع متأهب واليد على الزناد، وفي حال نشبت أية مواجهة، سأكون نازحاً مرة أخرى إلى إقليم كوردستان الذي سيكون ملاذنا الآمن”.
أما صاحب علي حسين، مالك مكتب عقارات في منطقة الدورة، فقد قال لـ(باسنيوز)، إن “قرار الحرب يجب أن يتخذ من الجهات الرسمية وليس مجموعات أو أشخاص من خارج الحدود يتلاعبون بمصير البلد ويعرضونه للخطر، دون الاكتراث بالآثار الكارثية لهذه التصرفات”.
وأضاف، أن “الجميع خائف ولا يريد حرباً جديدة في بلد يعاني من الكوارث منذ عقود وتنفس قليلاً بعد انتهاء داعش، وها نحن اليوم أمام رحلة جديدة، ويبدو أن علينا تحضير حقائبنا للسفر”