بيروت ـ خاص بـ”راي اليوم” ـ نور علي:
في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري قصفت إسرائيل المعبر البري بين لبنان وسورية، والذي يعتبر الطريق الأقرب بين دمشق وبيروت، وذلك بعد عدة أيام من تدفق النازحين اللبنانيين والسوريين بكثافة نحو الاراضي السورية، أثر القصف الوحشي الإسرائيلي الذي تعرضت له قرى مدن الجنوب اللبناني، والضاحية الجنوبية، وبلدات ومدن البقاع شرق لبنان المحاذي للأراضي السورية.
لم تستهدف إسرائيل الطرق والجسور والمعابر بين المدن اللبنانية، ولم تستهدف حتى الان البنى التحتية في لبنان، وهو ما اثار التساؤل التالي: لماذا الطريق البري الذي يربط بين لبنان وسورية عند نقطة “المصنع جديدة يابوس” فقط هو الذي تم استهدافه؟ وهل تم قصف الطريق البري لأسباب عسكرية ؟ في هذا الصدد تقول إسرائيل انها ضربت الطريق لمنع تهريب الأسلحة للمقاومة في لبنان، والامر المعروف لدى جميع اللبنانيين والسوريين على حد سواء ان معبر “المصنع – جديدة يابوس” بين سورية لبنان هو طريق للمدنيين والمسافرين والبضائع وتسيطر عليه الحكومة السورية واللبنانية على الجانبين.
ad
الحدود السورية اللبنانية تمد على مسافة 375 كم وفيها الكثير من المعابر الشرعية وغير الشرعية، وطرق التهريب بين سلسة الجبال الشرقية للبنان، ولا تحتاج المقاومة الى معبر مسافرين لتهريب الأسلحة اذا ارادت ذلك، فضلا عن ان طريق المسافرين الرسمي عند نقطة المصنع لم تحتاج اليه المقاومة يوما في كل الحروب مع إسرائيل لايصال الامداد العسكري. باختصار وبشكل مباشر لم تقصف إسرائيل المعبر لأسباب عسكرية.
والملفت للنظر ان إسرائيل ترفض وتهدد الحكومة اللبنانية لمنع اصلاح الطريق، وترسل رسائل بانها ستقصف أي فرق فنية ستعمل على إعادة الطريق للعمل. كانت التفسيرات الأولى لقصف الطريق تقول ان إسرائيل حاولت ارسال رسالة تجاه زيارة وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقتشي لبيروت قادما من سورية، لان القصف سبق الزيارة بيوم واحد، وقد بدت يومها بمثابة رسالة تهديد وعرقلة لزيارة الوزير الإيراني للبنان، لكن هذا التفسير سرعان ما تلاشى مع إصرار إسرائيل على عدم اصلاح الطريق. لكن برز ما هو اهم واخطر من التهديد الإسرائيلي، اذ تقول أوساط لبنانية ان السفارة الامريكية في بيروت دخلت على خط منع اصلاح الطريق وردم الحفرة التي خلفها القصف ومنع مرور المركبات والشاحنات التي تحمل البضائع. وتجد من هو مضطر للسير مسافات طويلة عبر الردم والاحجار والركام للوصول الى الطرف الاخر، حاملا امتعته وجارا اطفاله الذين غالبا ما تراهم وهم منهكين من التعب والسير الطويل.
لكن ما الذي يجعل الولايات المتحدة بنفسها تمارس ضغطا لعدم فتح هذا الطريق تحديدا؟
تقدم بعض المصادر تفسيرات جديدة لـ”رأي اليوم” حول هذا السؤال، وتقول تلك المصادر ان الولايات المتحدة ليس لها مصلحة في عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم على خلفية الحرب، لان اللاجئين السوريين في لبنان هم ورقة مساومة سياسية مع الحكومة السورية، وان عودتهم بسبب الحرب ستفقد الولايات المتحدة هذه الورقة، وتضيف المصادر ان العديد من المنظمات الدولية التي تقدم خدمات للنازحين السوريين في لبنان بدأت تطالب بالتحرك الى داخل الأراضي السورية لتقديم الخدمات للنازحين السوريين واللبنانيين، وان ذلك سوف يكسر الحصار المفروض على سورية، ويشجع المزيد من النازحين السوريين المستفيدين من تلك الخدمات داخل لبنان الى السعي للحصول عليها داخل بلادهم.
لا نعرف بالضبط ان كانت هذه هي الأسباب الفعلية، ام ان هناك ما هو اخطر من ذلك في المجال الأمني والعسكري. واذا كانت هذه هي الأسباب السياسية لقصف المعبر بين البلدين، فهذا يعني ان إسرائيل نفذت طلبا أمريكيا، وكانت هي الأداة فقط. وان الحكومة اللبنانية خضعت لهذا الابتزاز والفرض من قبل السفيرة الامريكية، في الوقت الذي استنفر رئيس الحكومة اللبنانية واستدعى القائم بأعمال السفارة الإيرانية بسبب تصريح رئيس البرلمان الإيراني الذي نقل عنه انه قال ان ايران مستعدة للحوار مع فرنسا بشأن الحرب في لبنان، وهو ما نفته ايران، وقالت ان التصريح تم إخراجه من سياقه، وهنا يبدو مفهوم السيادة اللبنانية خاضع لطبيعة الدولة التي تنتهك السيادة.
بكل الأحوال فقد كان لضرب طريق “المصنع – جديدة يابوس” اثار اقتصادية مباشرة فقد زادت كُلفة الشحن التجاري البري بين لبنان وسورية، بسبب اتجاه الشاحنات نحو معابر الشمال اللبناني، ومنها الى شمال غرب سورية ثم جنوبا نحو العاصمة دمشق او الجنوب السوري نحو الأردن ودول الخليج. وهي مسافة تعادل اضعاف مسافة المرور عبر معبر “المصنع – جديدة يابوس”.
الاثار أيضا مست المواطن السوري بشكل مباشر فقد تضاعفت الأسعار وارتفعت كلفة المعيشة في ظل ازمة اقتصادية ومعيشية تشهدها سورية بسبب اثار الحرب داخلها على مدار 12 عاما. وفق هذه الأثار يبدو ان إسرائيل نفذت ما أملته مصلحة السياسة الامريكية باستهداف سورية، وتشديد الحصار عليها، بما مثله معبر المصنع نحو دمشق من متنفس بسيط في ظل الحصار.
واليوم يضطر النازحون والمسافرون نحو الأراضي السورية الى قطع مسافات طويلة نحو معبر “العريضة” بين مدينة طرابلس شمال لبنان وطرطوس السورية، وهذا المعبر حسب مسافرين تسود فيه الفوضى وتغلب عليه العراقيل، وينتشر فيه السماسرة لاستغلال حاجة الناس للنجاة والعبور الأمن