بغداد ـ «القدس العربي»: وسط مخاوف جدية من تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي الراهن، والمخاطر المتوقعة لعرقلة تصدير النفط، تتسارع خطوات الحكومة العراقية لاتخاذ المزيد من الإجراءات الاقتصادية لمواجهة تداعيات مالية محتملة على العراق جراء تطورات الأوضاع، وسط انتقادات لتخبط السياسة المالية الحكومية وسوء إدارتها.
وتواصل الحكومة العراقية عقد الاجتماعات لبحث تداعيات الأحداث السياسية في المنطقة على الاقتصاد العراقي واقرار المزيد من الإجراءات لإيجاد موارد مالية بديلة عن النفط في ضوء احتمالات تصاعد الصراع العسكري في المنطقة.
وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مواصلة الحكومة جهودها ومساعيها في منع اتساع الصراع الذي يؤثر على أمن المنطقة والعالم، موجهاً رسالة إلى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ودول الاتحاد الأوروبي، تزامناً مع مرور عام على أحداث 7 تشرين الأول، والحرب على غزة، أكد خلالها جهوده في الابتعاد قدر الإمكان عن أعتاب منزلق خطير قد يجرّ المنطقة والعالم إلى حروب مستمرة.
ومن جانب آخر، ترأس السوداني، اجتماعات عديدة خصصت لمراجعة خطة الإصلاح الشاملة للقطاع المالي والمصرفي في العراق، ووجه خلالها «بتشكيل فريق عمل، يعمل على إعداد حزم للتعامل مع الوضع الاقتصادي والمالي في الوقت الراهن، وإعادة العمل بالأدوات الاستثمارية في البنك المركزي العراقي». كما طلب السوداني من لجنة الإصلاح الضريبي، «كتابة مسودة قانون لضريبة المبيعات». فيما قال رئيس لجنة الإصلاح الضريبي مستشار رئيس الوزراء عبد الحسين العنبكي في حديث للوكالة الرسمية «لدينا دعوة لشركات كبيرة في مجال الأتمتة للذهاب إلى نظام ضريبي شامل» لافتا إلى، «إننا شملنا شرائح جديدة بالضرائب والذهاب نحو تحسين بيئة الأداء الضريبي من حيث الإدارات».
فرض ضرائب جديدة
وبهدف زيادة الموارد غير النفطية أقرت الحكومة حزمة ضرائب ورسوم على العديد من القطاعات المالية.
فقد أوصى المجلس الوزاري للاقتصاد، بالموافقة على اعتماد جدول أقيام ونسب الرسم الجمركي للهواتف المحمولة وملحقاتها، كما صرّح رئيس هيئة الضرائب علي علاوي، أن «الهيئة تدرس إخضاع الإعلانات على مواقع التواصل، ومن بينها إعلانات فيسبوك للضرائب بنسبة 30 في المئة أسوة ببقية الدول».
ويقول حسين المولى، المتحدث باسم مركز الإعلام الرقمي، إن «قرار فرض الضرائب على مشاهير السوشيال ميديا جاء وفقاً للموازنة الثلاثية التي أقرها مجلس النواب العراقي» مبيناً أن «الموازنة تضمنت أيضا فرض رسوم معينة على بعض الصفحات المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي». وأقر المولى، أن «الهدف من هذه الضرائب هو توفير مورد جديد يضاف للموازنة المالية للبلاد». وقد أثار هذا القرار ضجة واسعة من الرفض في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشير الإحصائيات أن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في العراق وصل إلى قرابة 32 مليون مستخدم، ما يعادل 69 في المئة من إجمالي عدد سكانه، في أحدث إحصائية لعام 2024.
موارد المنافذ الحدودية
وفي إطار مساعي الحكومة لزيادة الواردات غير النفطية أيضا، أعلنت الهيئة العامة للكمارك، عن تحقيق ايرادات بلغت أكثر من تريليون ونصف التريليون دينار عراقي، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، متوقعة تحقيق أكثر من تريليوني دينار خلال عام 2024. وهذه الايرادات تتعلق بالمنافذ الحدودية والمطارات التي تحت إدارة الحكومة الاتحادية، ولا تشمل المنافذ الحدودية في إقليم كردستان.
وأعلن رئيس الهيئة العامة للكمارك حسن العكيلي، في تصريحات متعددة أن «الهيئة باشرت بمجموعة من الإصلاحات الإدارية والتنظيمية وتبسيط الإجراءات للتحول الإلكتروني، نتج عنها زيادة واضحة في الايرادات». وأوضح أنه «في عام 2022 بلغ مجمل ايرادات الهيئة 807 مليار دينار عراقي، بينما في عام 2023 بلغ 1.33 تريليون دينار، أي بزيادة 20 في المئة تقريباً عن العام الذي سبقه».
تعزيز الايرادات غير النفطية
وفي تعليق على صفحته الشخصية، يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، إن «الحكومة العراقية تسعى لتعزيز الإيرادات غير النفطية لتعويض الانخفاض الواضح في حجم الإيرادات النفطية، نتيجة انخفاض سعر النفط وتراجع حصة العراق الإنتاجية وصادراته».
ووفقاً للمرسومي، فإن هذا الانخفاض تزامن مع النفقات الكبيرة والعجز الحاصل في موازنة عام 2024 مؤكداً وجود توجه حكومي لفرض ضريبة بنسبة 15 في المئة على مستخدمي فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي في العراق.
وكانت الموازنة الثلاثية التي وافق عليها مجلس النواب قد أقرت فرض ضرائب جديدة أبرزها الرسوم على منتجات الوقود كالبنزين والغاز المحلي والمستورد، وعلى تصريف الدولار في المطارات، إضافة إلى فرض ضرائب على رسوم خدمات وزارة العدل مثل معاملات كاتب العدل والتسجيل العقاري وغيرها، مع زيادة الرسوم على الكثير من السلع المستوردة.
وفي هذا السياق تداولت مواقع التواصل والإعلام وثيقة صادرة من هيئة الضرائب بزيادة كبيرة في ضريبة تحويل العقارات لتصل إلى نسبة تتراوح بين 40 إلى 100 في المئة على بيع العقارات السكنية والزراعية والتجارية. وتبدأ الزيادة اعتبارا من تشرين الأول/اكتوبر الحالي. فيما اثيرت ضجة واسعة في الشارع بعد فرض رسوم بـ 5 آلاف دينار على زيارة المريض في المستشفيات الحكومية، إضافة إلى رفع قيمة وصولات مراجعة المرضى إلى المستشفيات العامة.
تراجع صادرات
النفط العراقي
ومؤخرا انخفضت واردات تصدير النفط نتيجة خفض كمية النفط العراقي المصدر، حيث انعكس التزام بغداد بخفض إنتاج النفط الخام، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2024 على صادرات النفط العراقي التي شهدت مزيدًا من التراجع، مقارنة بشهر آب/اغسطس، إذ انخفضت بنحو 100 ألف برميل يوميا ووصلت إلى 3.310 مليون برميل يوميًا. وكانت الصادرات قد تراجعت بنحو 71 ألف برميل يوميًا، مسجلة 3.414 مليون برميل يوميًا في شهر آب/اغسطس، مقابل 3.485 مليون برميل يوميًا في تموز/يوليو 2024.
وكشفت بيانات وزارة النفط العراقية، أن هذا التراجع ناجم عن ضغوط من تحالف أوبك+ للامتثال إلى تخفيضات الإنتاج، للتأثير في الأسعار، حسبما ذكر موقع «عراق أويل ريبورت».
وإضافة إلى انخفاض واردات النفط، تواجه الحكومة مشكلة توفر السيولة المالية، حسب عضو اللجنة المالية البرلمانية جمال كوجر، الذي أعلن إن «الحكومة العراقية لم تصرف التخصيصات المالية للموازنة الاستثمارية لسنة 2023 وكذلك سنة 2024 حتى اللحظة، وذلك لعدم توفر السيولة المالية، ما ادى إلى توقف بعض المشاريع».
مخاوف اتساع الصراع
العربي الإسرائيلي
ولم تكن تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان بعيدة عن الأوضاع الاقتصادية في العراق مع تزايد احتمالات توريط بغداد بهذا الصراع جراء الموقف المتناقض بين مساعي الحكومة للنأي بالعراق عن الصراع المسلح فيما تصر بعض الفصائل الشيعية على العمل وفق الأجندات الإقليمية في هذا الصراع، وخاصة بعد تهديدات بعض الفصائل باستهداف دول الخليج وقطع مرور النفط في المنطقة.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، صرح الاثنين الماضي: نحن «قلقون من وجود الميليشيات التابعة لإيران في العراق والتي تواصل زعزعة استقرار الوضع في المنطقة وتواصل تعريض العراق لخطر استدراجه إلى الحرب التي لا تعني شعب العراق في شيء» حسب قوله.
نبيل المرسومي الخبير الاقتصادي ذكر في تغريدة: «لن يصمد العراق كثيراً مع سيناريو توقف الصادرات النفطية، فحجم الإنفاق الداخلي يبلغ 13 ترليون دينار شهرياً، وكل ما نوفره حالياً هو 9 ترليونات دينار على فرض ثبات سعر البرميل عند 70 دولاراً، ولذا نحن أمام فجوة شهرية بحدود 4 ترليونات دينار، فما بالك بسيناريو توقف الصادرات تماما؟».
هدر هائل لموارد الدولة
وعن البدائل الصحيحة المتاحة في العراق، وجهت فكتوريا جرجيس المديرة في مصرف الرافدين، رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء محمد السوداني كشفت خلالها أموالا هائلة تعود للدولة ولا يعرف أين تذهب بسبب وجود المسؤولين الفاسدين. وأكدت أن هذه الأموال لو وصلت إلى الدولة بشكل صحيح لكان النفط موردا ثانويا وليس موردا رئيسيا.
وذكرت جرجيس بعض الأمثلة على المال العام المهدور (المنهوب) أبرزها عائدات بيع النفط ومشتقاته داخل العراق التي قدرتها بنحو 16 ترليون دينار سنويا، وايرادات شبكات الاتصالات والإنترنت وواردات المطارات، وايرادات المطارات والخطوط الجوية، وايرادات وزارات الكهرباء والبلديات والصحة وعقارات الدولة والسفن وغيرها الكثير من الموارد التي تغني الحكومة عن اللجوء إلى الدين المحلي والخارجي.
وسبق لخبراء الاقتصاد أن أعلنوا أن لجوء حكومة بغداد إلى خلق ضرائب ورسوم جديدة على المجتمع لتقليص العجز الكبير في ميزانية العراق رغم الايرادات النفطية الكبيرة ووجود الموارد الأخرى الهائلة، يدل على سوء إدارة وتخبط واضح في السياسة المالية وإدارة الاقتصاد العراقي. ولذا فالمؤكد أن الأوضاع المتوترة وتصاعد حدة الصراع في المنطقة ستلقي بظلالها السلبية على الأوضاع العامة في العراق وستعمق أزمة الاقتصاد العراقي المنهك أصلا.