عودة محمود المشهداني إلى رئاسة مجلس النواب، أثارت الشكوك والتساؤلات مجددا حول إمكانية عودة القيادات الكلاسيكية لإدارة البلاد مرة أخرى، خصوصا وأن هذه العودة جاءت مدعومة من قبل زعامات سبق وأن أدارت مفاصل الدولة كرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والقيادي في الإطار التنسيقي هادي العامري، في ظل الحديث عن صفقات واتفاقات سياسية، تقف وراء هذا الاختيار.
والمشهداني يعد أول رئيس للبرلمان العراقي بعد الغزو الأمريكي للبلاد، إذ ترأس مجلس النواب بين عامي 2006- 2009، قبل أن ينتخب أمس الأول المصادف 31 تشرين الأول أكتوبر الماضي، مرة أخرى لذات المنصب بعد شغوره لنحو عام كامل ومنذ إبعاد الرئيس السابق محمد الحلبوسي، بقرار من المحكمة الاتحادية في تشرين الثاني نوفمبر 2023.
ويقول أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد إحسان الشمري، إن “مجيء المشهداني طبيعي، لأن أغلب الشخصيات تبدو خلافية، ولم يتم الاتفاق عليها داخل القوى السنية باستثناء شعلان الكريم الذي جوبه برفض بعض الأطراف الشيعية”.
ويضيف الشمري، أن “المشهداني أنهى أزمة سببت انقسامات حادة للقوى السنية بالتحديد، وحظي بتوافق الأغلبية السنية، فضلا عن ذلك أنه يملك علاقات مع قوى الإطار التنسيقي وهذا مهد لعودته بشكل كبير”.
وبعد إقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان، توجّهت القوى السياسية التقليدية للبحث عن بديل جديد، وطرح اسم المشهداني، ضمن صفقة معقدة شملت توافقاً نادراً بين المالكي والحلبوسي، وفتحت هذه الصفقة شهية أنصار المالكي للحديث عن عودة الأخير أيضاً إلى منصب رئيس الحكومة، في الانتخابات التشريعية المقبلة، عام 2025.
ويرى الشمري، أن “عودة المشهداني جزء من سياق عودة الزعامات التقليدية على حساب القيادات الشابة التي يمثلها محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق أو النائب سالم العيساوي، وهذه العودة تؤشر لمرحلة سياسية جديدة تختلف عن السنوات الثلاثة الماضية في طبيعة تحالفاتها ومنهجها”، مشيرا إلى أنها “عودة للكلاسيكية السياسية”.
وعن الاتفاق غير المتوقع للحلبوسي مع المالكي، يكمل: “يبدو أن التفاهمات وصلت إلى مرحلة متقدمة بين المالكي والعامري مع الحلبوسي، ولكن وفق مسار وضمانات معينة، فضلا عن ذلك أن الحلبوسي يجد المشهداني شخصية لا تشكل منافسا كبيرا له، ومن الممكن أن يفتح قبوله بالمشهداني الباب له مجددا مع الأقوياء من نظرائه في الإطار التنسيقي، كالمالكي والعامري، وفقا للحسابات السياسية القائمة”.
ويرجح أن “تكون خصومة الحلبوسي والمالكي والعامري مع السوداني، هي من دفعتهم نحو تلك التفاهمات”، مستدركا “نعم قد لا يكون ذلك سببا رئيسا، ولكنه واحد من الأسباب، وهي أيضا جزء من عملية تأسيس تحالفات جديدة في المرحلة القادمة”.
وانتخب أعضاء البرلمان، المشهداني، رئيسا جديدا للمجلس، أمس الأول بعدما عرض البرلمان قائمة مرشحين لمنصب الرئيس؛ وهم: محمود المشهداني، وسالم العيساوي، وطلال الزوبعي، وعامر عبد الجبار، وبلغ عدد المصوّتين في الجولة الأولى 271 نائبا، حصل فيها المشهداني على 153 صوتا، والعيساوي على 95 صوتا.
من جهته، يقول المحلل السياسي، عائد الهلالي، إن “وجود المشهداني على رأس السلطة التشريعية أنهى فترة زمنية من الفراغ الدستوري كما أنهى فترة طويلة من حالة الترقب”.
ويعتقد الهلالي، أن “الإطار التنسيقي ساهم بشكل كبير في عودة المشهداني، كما أن العامري، تحدث عن دور السوداني في إنهاء هذا الفراغ التشريعي”، مشيرا إلى أن “الأمور ستذهب نحو التهدئة في الوقت الحالي، فالجميع يدرك أن هناك مخاطر تحيط بالمنطقة”.
وكان السوداني، أكد في بيان، إن “انتخاب المشهداني خطوة تصبّ في استكمال خدمة العراقيين”، وشدد على “مواصلة الحكومة تنفيذ برنامجها الخدمي التنموي، بالتعاون الكامل مع السلطات الدستورية، في مقدمتها البرلمان”.
وكان الاعتقاد سائدا بأن السوداني يميل إلى فوز سالم العيساوي بمنصب رئيس البرلمان، على خلفية الانقسام بينه وبين قوى الإطار التنسيقي، لكن العامري قال في تصريحات صحافية، إن “السوداني أسهم في إنجاح جلسة انتخاب المشهداني”.
وعن توافق الحلبوسي مع الإطار، يتابع الهلالي: “لا اعتقد أن هناك مشكلة في قضية التقارب الذي حصل بين السيد الحلبوسي والإطار التنسيقي وخصوصا مع دولة القانون، فالسياسة فيها متغيرات كبيرة جدا واعتقد أن الحلبوسي شخص براغماتي يستطيع أن يقدر المواقف”.
وإذا ما كانت عودة المشهداني تمثل فرصة لعودة الزعامات التقليدية، يشير إلى أن “الميدان هو من يتحكم بعودة القيادات القديمة، فعودة المشهداني لا تعني أن الباب قد يفتح أمام عودتها إلى المشهد السياسي، لاسيما بعد أن جربت وأخذت وقتا طويلا جدا في إدارة مفاصل الدولة العراقية”.
وعن دعم السوداني لترشيح العيساوي، ضد رغبة الحلبوسي وقادة الإطار، يتابع: “لا مشكلة بين السوداني والحلبوسي قطعا، لكن تبقى هناك وجهات نظر، فربما السوداني يفضل شخصية على أخرى وهذا أمر طبيعي، فهو يرى أن وجود بعض الشخصيات من الممكن أن يساهم في دفع عجلة التنمية وإنجاز المشاريع، وقد يكون هناك اتفاق على أن يكون العيساوي رجل المرحلة القادمة”.
وكان العيساوي قد هنأ المشهداني بعد الجلسة، وقال في بيان له: “لقد وضعنا حجر الأساس بالثبات والصمود لممثلي الشعب تحت قبة البرلمان، بجميع قومياتهم وطوائفهم وانتماءاتهم من أجل بناء العراق. للمضي نحو مشروع وطني عراقي خالص”، وتابع “كما أود أن أبارك لرئيس مجلس النواب المنتخب محمود المشهداني”.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي نزار حيدر، أن “القوى السياسية عندما تأخرت في انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب لمدة عامٍ كاملٍ، هذا يعني أن أثمانا كثيرة وكبيرة دفعتها اطراف واستلمتها أطراف أخرى، وأن هناك ابتزازا ومقايضات وصفقات تمت في الغرف المظلمة”.
ويضيف حيدر، أن “عملية إعادة التدوير بهذه الصورة تعني أن العملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود، ولم يعد بإمكانها الإنتاج والتجديد والتحديث، وهذا بحد ذاته مؤشر على أن العراق بات بالفعل يقف، سياسيا، على حافة الهاوية، فكما هو معروف أن مظهر قوة أي عملية سياسية في البلدان الديمقراطية هو قدرتها وقابليتها على إنتاج القيادات والزعامات بما ينسجم مع الظروف والمراحل والحاجة، فعندما تعجز عن ذلك فهذا مؤشر على شيخوختها وأنها تمر في مرحلة العجز والفشل”.
ويشير المحلل السياسي المقيم في واشنطن، إلى أن “عودة الرئيس الذي أقيل سابقا إلى العملية السياسية وهو يتمتع بقوة تأثير أكبر مما كان في السابق، سبقتها تصفية مذلة لمنافسه والتي مهدت الطريق لمرشحه التوافقي ليظفر برئاسة مجلس النواب”، مرجحا أن “يدا خفية ممتدة من خارج الحدود باعت واشترت قبل أن تصفي أحد المتنافسَين الذين كانا إلى وقت قريب متحالفين عنيدَين ليتحولا الآن إلى عدوين لدودين”