بغداد/ تميم الحسن
مرةً جديدةً، يتصاعد القلق داخل العراق بسبب احتمال استخدام أراضيه للردّ الإيراني على إسرائيل.
وكشفت الدائرة المقرّبة من محمد السوداني، رئيس الحكومة، عن اتخاذ تدابير في حال استغلال أجوائه في الحرب.
ويعتقد سياسي عراقي أن طهران تريد إثارة الفوضى في العراق لتسليم مقاليد الحكم إلى الفصائل.
وتعهّد المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بـ”ردٍّ قاسٍ” ضد الولايات المتحدة وإسرائيل “على ما تفعلانه ضد إيران ومحور المقاومة”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين قولهم إن خامنئي أمر المجلس الأعلى للأمن القومي بالاستعداد للردّ على إسرائيل.
ولم يذكر المسؤولون موعد الردّ المحتمل، لكن الصحيفة الأمريكية رجّحت أن يكون “بعد الانتخابات الأمريكية”.
في الأثناء، قال موقع “أكسيوس” نقلًا عن مصدرين إسرائيليين إن إيران تستعد لمهاجمة إسرائيل من الأراضي العراقية في الأيام المقبلة، وقد يكون ذلك قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني).
وبحسب الموقع، فإن تنفيذ الهجوم من خلال الفصائل الموالية لإيران في العراق، وليس مباشرةً من الأراضي الإيرانية، يمكن أن يكون محاولة من إيران لتجنب هجوم إسرائيلي آخر ضد أهداف ستراتيجية.
وقالت المصادر إن المخابرات الإسرائيلية تشير إلى أنه من المتوقع أن يتم تنفيذ الهجوم من العراق باستخدام عدد كبير من الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية.
تدابير الحكومة
ولم تعلّق الحكومة العراقية حتى الآن على التقرير الذي نشره موقع أكسيوس حول إمكانية استخدام أراضي العراق لهجوم إيراني محتمل، إلّا أن فادي الشمري، المستشار السياسي للسوداني، جدد رفض العراق محاولة “استغلال أراضيه أو أجوائه في عمليات عسكرية أو أمنية، لما يترتب على ذلك من تفاقم الأزمة وتوسيع دائرة الصراع”.
وقال في تصريحات صحافية، إن الحكومة “اتخذت سلسلة من التدابير العسكرية والأمنية، إلى جانب إجراء حوارات داخلية مباشرة وغير مباشرة لضمان الالتزام بسياساتها”.
وقبل أسبوع، أغلقت بغداد الباب أمام محاولات “إحراج” الفصائل والقوى الشيعية للحكومة بسبب معلومات عن استخدام إسرائيل الأجواء العراقية في ضربة إيران الأخيرة، وقررت تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة.
وعدّ خبراء في القانون أن العراق “تأخر” بأخذ هذا الإجراء، فيما قد لا يكون العراق متحكمًا بشكل كامل بأجوائه، بسبب سيطرة التحالف الدولي.
ومطلع تشرين الأول الماضي، اعترفت القيادة العسكرية العراقية بأن الأجواء غير مؤمّنة بشكل كامل. وكان هذا قد تزامن مع توقعات بتعرض البلاد إلى ضربات إسرائيلية.
من يملك الأجواء؟
ويقول صفاء الأعسم، لواء متقاعد، إن “العراق غير قادر على ردع الصواريخ من إيران أو من إسرائيل التي تمر فوق أجوائه”.
وعزا ذلك إلى عدم امتلاك العراق “منظومة دفاعية”، فيما يسيطر التحالف الدولي كليًّا على الأجواء العراقية، وهو ما نفته السفارة الأمريكية في بغداد بعد ذلك.
وبدأت قوى سياسية وفصائل “تصعّد” على خلفية معلومات عن استخدام إسرائيل الأجواء العراقية في الضربة الأخيرة على إيران.
وتنفس العراق الصعداء بعد ضربة إسرائيلية وُصفت بأنها “محدودة”، بعد أسبوعين من التوتر والترقب وتوقعات بتوسع الضربات.
وقرأ محللون المشهد عقب الضربة الأخيرة بأنه ذاهب إلى “التهدئة”، لكن الفصائل استمرت في توجيه الضربات.
وفي آخر موجة هجمات لما يعرف بـ”المقاومة الإسلامية في العراق”، أعلنت الأخيرة مسؤوليتها عن تنفيذ 4 هجمات متفرقة بطائرات مسيرة، مستهدفة “أهدافًا حيوية” في مدينة إيلات الساحلية بجنوب إسرائيل، والمعروفة تاريخيًّا باسم “أم الرشراش”.
وذكرت تلك الجماعات في بيان على منصة تليغرام أن الهجمات جاءت “استمرارًا في نهج مقاومة الاحتلال ونصرةً لأهلنا في فلسطين ولبنان”، مع الإشارة إلى أن الهجمات تعد “ردًّا على المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ”.
في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان على منصة “إكس” أنه اعترض 3 طائرات مسيّرة حاولت الاقتراب من الأجواء الإسرائيلية فوق البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن المسيّرات أُطلقت “من الشرق”.
ولم يوضح البيان مصدر الطائرات المسيّرة بدقة، لكن الفصائل في العراق أعلنت سابقًا مسؤوليتها عن هجمات مماثلة.
توريط العراق
وفي هذا الشأن، يقول مثال الآلوسي، وهو سياسي ونائب سابق، إن “الفصائل العراقية لا تملك تكنولوجيا ولا العدة ولا العتاد لتهديد إسرائيل، أو الدخول في معركة مع إسرائيل أو أي دولة أخرى بالمنطقة”.
ويرجح الآلوسي، بأن من يقوم بتوجيه الضربات إلى إسرائيل من داخل العراق “هي خبرات غير عراقية، لأن الفصائل العراقية ليس لديها قدرة على إطلاق الصواريخ أو استهداف مناطق معينة، وهذه قدرات الحرس الثوري الإيراني”.
وفي تموز الماضي، كانت كتائب حزب الله، إحدى الجماعات المنضوية بـ”المقاومة”، اعترفت بوجود “خبراء لتطوير الدرون” في جرف الصخر.
وجاء ذلك بعد تعرض مواقع تصنيع المسيّرات في الجرف، جنوب بغداد، إلى ضربات من قبل قوات التحالف، بحسب بيان الحكومة العراقية.
وكشفت “الكتائب” في بيان أن خبراء المسيرات الذين تم استهدافهم، كانوا يجرون عمليات تطوير مسيرات استطلاعية، من أجل المشاركة مع القوات الأمنية العراقية لحماية زوار أربعينية الإمام الحسين.
ويرى الآلوسي أن إيران تريد الضغط على إسرائيل حتى تردّ على العراق “حينها ينفلت الوضع بالعراق ويتحول الشارع بيد الفصائل وتعطل الحكومة التي تكسب رضا الإدارة الأمريكية الحالية”، على حد وصف النائب السابق.
كذلك، يشير السياسي العراقي إلى أن تهديدات ضرب إسرائيل من الأراضي العراقية، هي “وسائل ضغط على السوداني لتحجيم اندفاعه إلى أي خط وسط أو وطني مقبول”.
وأضاف أن هذه التهديدات “يراد منها أسر رئيس الحكومة العراقية وتقييده وتهديده بإسقاط الحكومة، وإسقاط الحكومة يعني تهديدًا لأمريكا التي تهتم باستقرار العراق”.