“رأي اليوم” – محمود القيعي:
ربما كانت الستون يوما القادمة هي الأخطر في تاريخ الشرق الأوسط ، حيث يتم ترتيب الأوراق وترسيم واقع جديد سعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وربيبتها التي صنعتها على عينها.
تحولات كبرى تنتظر تلك المنطقة وشعوبها المغلوبة على أمرها، فماذا عسى أن تكون ردود الأفعال الشعبية والحكومية؟!
برأي السفير محمد مرسي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق فإن الخطوط الرئيسية لملامح إدارة ترمب الجديدة اتضحت تقريبا، والتي غلب عليها كما كان متوقعاً سيطرة غلاة اليمين الصهيوني المتطرف علي أبرز مفاصلها ، وخاصة الخارجية والمالية ومستشار الأمن القومي والمندوب الدائم في نيويورك وغيرهم.
ويضيف أن ذلك يعني أن شروع ترامب في تنفيذ أكثر برامج أمريكا تطرفاً في التاريخ في دعم إسرائيل سيري النور خلال أسابيع قليلة من تسلمه البيت الأبيض.
ويقول إنه لن يتحدث عن الدعم العسكري والاقتصادي المفتوح دون قيود، ولكن سيشير فقط إلي مخطط ضم الضفة الغربية الذي بدأت حكومة نتنياهو في الإعداد له منذ خمس سنوات، وكذا تفريغ غزة من سكانها تمهيداً للغزو الاستيطاني ثم ضمها لاحقاً، الأمر الذي يصبح معه الحديث عن مبادرة العرب للسلام وحل الدولة أو الدولتين مجرد عبث وحرث في الماء.
وعما يعني ذلك، يقول : ترجيح تعرض مصر المأزومة اقتصادياً والصامدة رغم ذلك وحتي الآن للمزيد من الضغط الأمريكي للقبول بصيغ ومسميات مختلفة لاستقطاع جزء من سيناء لاستيعاب النازحين الفلسطينيين ، بل وربما طلب استقطاع جزء آخر تحت مسمي اقتصادي براق لصالح توسيع الدولة اليهودية ذاتها حيث يراها ترامب الآن صغيرة المساحة ولا تتناسب مع دور إسرائيل المستقبلي في المنطقة وتزعمها لتحالف الشرق الأوسط الجديد وديانته الإبراهيمية الجديدة.
ويلفت السفير المصري السابق إلى أن هذا يندرج قطعاً علي الأردن ولبنان وسورية، وإذا أخذنا بالمسميات الجديدة التي تستهدف حفظ ماء الوجه وإخفاء الحقائق، فإن هذا الطوفان سيشمل كذلك شمال غرب السعودية وربما العراق.
ويردف: “لن أتحدث عن الإمارات والبحرين، فلهما مقام آخر لا يتسع له المقام.
ويخلص إلى أن العالم العربي في أسوأ لحظات الانكسار التاريخي ، وبالتالي فإنه لا يمتلك القدرة علي المواجهة الحقيقية، لافتا إلى أنه ربما كان هناك بصيص أمل محدود في إعاقة هذه الخطط وشيكة التنفيذ إذا ما صمد التعاون الروسي الصيني ومعه الإيراني في وجه مطارق ترامب وصفقاته الحمقاء أو الواقعية كما يراها الكثيرون.
ويختتم متمنيا أن يطرح كل عربي حاكماً كان أم محكوماً علي نفسه هذا التساؤل: ماذا نتوقع أن يُفْعَل بنا؟ وماذا نحن فاعلون؟ أو هل نستطيع أن نكون فاعلين؟
هل نستطيع أن ننسق معاً كعرب وحتي كمسلمين خلال الستين يوماً القادمة بعض فعل تحوطي أو بعض رد فعل لتقليص حجم الخسائر القادمة؟
أم سنوظف ما بقي لنا من قدرة وطاقة في المزيد من الانقسام والرضوخ والانبطاح، وتجنيد المزيد من كتائب الباطل للترويج للهزائم وإلباسها رداء الانتصارات المزيفة؟
أما د.إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية فيؤكد أن كافة الدلائل والشواهد والمؤشرات تنطق بل تكاد تقطع بأن الفترة القريبة المقبلة سوف تكون أكثر عنفا وأشد دمارا وأفظع في تداعياتها ومضاعفاتها المتوقعة علي الصعيدين الأمني والجيوسياسي من كل ما أصاب هذه المنطقة علي مدار عام كامل شهدت فيه من حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن التدمير الشامل والمتواصل ومن التهجير القسري في الجنوب اللبناني، ما يكاد يكون بلا مثيل له في أي مكان آخر في العالم.
ويضيف أن الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب، القادم إلي البيت الابيض في العشرين من يناير المقبل، بزخم سياسي داخلي هائل، وبحضور عالمي غير مسبوق، وباكتساح ساحق لكل المعوقات التي سبق وأن وقفت في طريقه خلال فترة رئاسته الأولي، من إعلامية وحزبية وتشريعية.
ويضيف أن ترامب سوف يتعامل عندما يتسلم مقاليد الرئاسة مع المعطيات الفعلية ومع الحقائق الماثلة علي الأرض، وهي حقائق لن يكون بمقدوره ان ينكرها او يلغيها، وسوف يكون موقفه ازاءها اقرب الي شرعنتها وتقنينها ضمن اطار توافقي من نوع او آخر، والانطلاق منها الي ما بعدها من التدابير والمشاريع والترتيبات الاقليمية وفق رؤيته السياسية التي سيجيء بها الي البيت الابيض في يناير القادم.
ويتابع قائلا: “وتفسيري لموقف الرئيس ترامب بحكم العلاقة التحالفية الوثيقة التي تربطه باسرائيل وبرئيس وزرائها نتنياهو، والي الحد الذي جعل نتنياهو يصفه خلال فترة رئاسته الاولي بانه افضل صديق لاسرائيل من بين كل الرؤساء الامريكيين الذين جاءوا الي البيت الابيض وان عودته تعني احياء التحالف العظيم القائم بينهما، هو ان علي اسرائيل خلال فترة الشهرين القادمين ان تنجز وبأقصي سرعة ممكنة كل ما تهدف اليه من وراء هذه الحرب ، حتي تخلق الأمر الواقع الجديد الذي تخطط له والذي سوف يجده الرئيس الامريكي جاهزا في انتظاره عندما يبدأ في تسلم مهامه رسميا.. وهو الوضع الذي سوف ينطلق منه الي البحث عن حلول وتسويات لهذه الحرب التي دخلت عامها الثاني دون حسم يمكنه ان يضع نهاية قريبة لها.. وهو ما يتصور انها سوف تكون مهمته مع ادارته الجديدة.
وينبه أستاذ العلوم السياسية أنه يجب ألا يخفي علينا ان اتصالات المسؤولين الاسرائيليين مع الرئيس المنتخب ترامب من خلال القنوات الخلفية او السرية وغير المعلنة لا تهدأ لحظة.. ينسقون ويرتبون معه ويطلعونه علي ما يهمهم اطلاعه عليه لوضعه في الصورة معهم قاصدين من ذلك حصولهم علي توافقه معهم علي ما هم بصدده، مشيرا إلى أن الرئيس ترامب وإن كان يتظاهر باللعب علي الحبال الإسرائيلية والعربية في نفس الوقت، الا انه يجب ألا يداخلنا أدني شك في انه سوف يلقي بكامل ثقله الي جانب اسرائيل متذرعا في دعمه المطلق لها بدواعيها الأمنية الملحة وبالتزام امريكا بإزالة مخاوفها وبالقضاء علي كل مصادر التهديد والخطر القريبة منها.
ويوضح أنه في سبيل ذلك سوف يتم خلال فترة حكم الرئيس ترامب اعادة رسم الخرائط الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الاوسط بما يحقق لاسرائيل دورا استراتيجيا محوريا فيها، وبما يتيح دمجها فيه، ويحقق لها نقلة، ان لم تكن طفرة هائلة وغير مسبوقة فيما يتعلق باندماجها في هذه المنطقة من العالم في ظل سلام اقليمي جديد في قواعده وأسسه وترتيباته ومفاهيمه واهدافه وآلياته، سوف يكون الرئيس ترامب هو داعمه وراعيه،وهو ما كان ينوي أن يفعله إبّان فترة رئاسته الاولي ولم يتمكن منه بحلول بايدن مكانه في البيت الابيض وخروجه منه.
ويؤكد” مقلد” أنه في ظل هذا السلام الشرق الاوسطي الجديد، لن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة ولا حل دولتين ولا غير ذلك من الصيغ والمشاريع المطروحة حاليا، وانما ستتركز جهود الأمريكيين مع حلفائهم الاسرائيليين علي البحث عن أماكن للفلسطينيين خارج بلادهم يمكن تهجيرهم اليها، سواء كانت في دول الخليج، او في اوروبا او في امريكا وكندا او حتي في استراليا، الخ، وسوف يكون الخيار المطروح وقتها امام الفلسطينيين إما بقاؤهم تحت الحصار الدائم لهم والموت جوعا وغير ذلك من وسائل الابادة الجماعية والقتل العنيف وهم اكثر من اكتووا بناره ودفعوا ثمنا انسانيا فادحا فيه، أو النزوح خارج فلسطين بتسهيلات امريكية واوروبية الي بلدان اخري يجدون فيها الامن والامان والمستقبل لهم ولابنائهم بعيدا عن الخطر والتهديد.
السعودية الوجهة الأولى!
ويقول إن هذه هي محاور استراتيجيتهم الجديدة التي سيحاولون من خلالها اغلاق ملف القضية الفلسطينية مرة واحدة والي الابد، دون اكتراث من جانب الرئيس الامريكي باي ردود فعل عربية رافضة، او منددة بتلك الخطط والسياسات الامريكية والاسرائيلية العدائية والمستفزة للعرب..فهو يعرف كيف يتعامل معها بطريقته ويحتويها ويخمدها ليفقدها كل تأثير فعلي لها، لافتا إلى أنه قادر علي ذلك بحكم معرفتنا به وتجربتنا معه طيلة فترة رئاسته الاولي..فقد اخذ من العرب، ومن دول الخليج العربية النفطية بشكل خاص، أضعاف اضعاف ما قدمه لهم، هذا اذا كان قد قدم لهم شيئا علي الاطلاق غير اطلاق الوعود بحماية عسكرية امريكية وهمية لم تجد طريقها يوما الي التنفيذ علي ارض الواقع وتقاضي منهم مقابلها مئات المليارات من الدولارات، ومن هنا يأتي حرصه علي أن تكون السعودية هي اول محطة خارجية له بعد دخوله الي البيت الابيض في يناير المقبل، وهو ما أعلنه منذ ايام وأثار به دهشة واستغراب من لا يعرفون دوافعه ونواياه من هذه الزيارة السابقة لأوانها.
ويختتم أستاذ العلوم السياسية متسائلا: اذا كانت هذه هي طريقته المعروفة عنه وهذه هي عقليته السياسية الانتهازية التي يفكر بها، فلماذا يكون استثناء هذه المرة وهو التاجر والسمسار الشاطر الذي يعرف كيف يشتري ولا يبيع؟ وكيف يعقد الصفقات ويكون هو دائما الطرف الرابح فيها؟