إسطنبول: يرى خبراء عرب أن التعيينات التي أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أنها ستكون ضمن إدارته المقبلة تُظهر توجها واضحا نحو تعزيز الشخصيات الصهيونية المؤيدة للسياسات الإسرائيلية المتطرفة؛ مما يدفع العرب إلى ضرورة اتخاذ موقف حازم لمواجهة هذه التوجهات.
وأشار الخبراء إلى أن هذه التعيينات جاءت مخيبة لآمال العديد من الناخبين العرب والمسلمين الذين علقوا طموحاتهم على وعود ترامب بإنهاء الحروب وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإنها لم تكن مفاجئة، حيث تعكس نهجا متوقعا لترامب، وتواصل الدعم الكبير الذي قدمه لإسرائيل خلال فترة رئاسته الأولى (2017-2021).
تعيينات مثيرة للجدل
قبل توليه رسميا منصب الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، كشف ترامب، خلال الأيام الأخيرة، عن أسماء مرشحين بارزين لمناصب رئيسية في إدارته المقبلة، وكثير منهم معروفون بتأييدهم القوي لسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف.
من بين هذه الأسماء المثيرة للجدل، برز ترشيح السيناتور الجمهوري ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية. ويعد روبيو من تيار “الصقور” المعروف بدعمه غير المشروط لإسرائيل، ويتجلى ذلك في تصريحاته العلنية منذ توليه عضوية مجلس الشيوخ عام 2011، وعضويته في لجنة العلاقات الخارجية.
أما وزارة الدفاع، فقد اختار ترامب لها المذيع التلفزيوني والعسكري السابق بيت هيغسيث، الذي يُعد من أشد المتحمسين للسياسات الإسرائيلية اليمينية. فقد سبق أن دعا هيغسيث إلى “تدمير غزة”، ودعم اغتيال بلاده لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني عام 2020، كما حث الولايات المتحدة على قصف إيران بشكل مباشر.
وفيما يتعلق بمنصب مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، رشح ترامب إليز ستيفانيك، التي تُعرف بتأييدها القوي لإسرائيل. وقد سبق أن اتهمت الأمم المتحدة بأنها “غارقة في معاداة السامية”، وهي تهمة شائعة يستخدمها السياسيون الإسرائيليون وحلفاؤهم لـ”إسكات” الانتقادات الموجهة ضد سياسات إسرائيل.
كما أعلن ترامب ترشيح مايك هاكابي سفيرا لبلاده لدى إسرائيل. ويُعد هاكابي من أبرز المؤيدين للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومعارضا لحل الدولتين، ويرفض وصف الضفة الغربية بأنها أراضٍ محتلة.
ومن بين التعيينات الأخرى، رشح ترامب رجل الأعمال ستيفن ويتكوف كمبعوث للشرق الأوسط. ويُعرف ويتكوف بعلاقته الوثيقة مع إسرائيل ودعمه لمواقفها الإقليمية.
أثارت هذه التعيينات موجة من الإحباط لدى العديد من الناخبين العرب والمسلمين الذين دعموا ترامب في الانتخابات التي جرت في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، على أمل أن يغير النهج الذي اتبعه سلفه جو بايدن تجاه المنطقة.
فقد اعتمدوا في قرارهم على وعود ترامب الانتخابية بإنهاء الصراعات وتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وهي وعود تبدو الآن بعيدة المنال في ظل هذه التعيينات المثيرة للجدل.
شخصيات صهيونية
وفي تعليقه على تعيينات ترامب، قال الدكتور سامي العريان، رئيس مركز الدراسات الإسلامية والشؤون العالمية في جامعة صباح الدين زعيم التركية، إن “ترشيحات ترامب تغلب عليها شخصيات ذات خلفيات صهيونية، حيث تعتبر تحقيق الأهداف الصهيونية أولوية استراتيجية لا بد من تنفيذها”.
وأوضح العريان أن “هذه الشخصيات ترى أن على الولايات المتحدة أن تقدم دعما كاملا لإسرائيل لتحقيق كل أهدافها. بل إن بعضها ينتمي لما يمكن وصفه بالصليبيين الجدد، الذين يؤمنون بنظرية حروب نهاية الزمان”.
ويُستخدم مصطلح “الصليبيون الجدد” للإشارة إلى شخصيات أو تيارات في الغرب، غالبا ما تكون مرتبطة بجماعات إنجيلية متشددة تؤمن بنبوءات توراتية تتعلق بما يُعرف بـ”حروب نهاية الزمان”، التي يعتقدون أنها تمهد لعودة المسيح وإنشاء حكمه على الأرض.
في هذا السياق، يتبنى “الصليبيون الجدد” دعما مطلقا لإسرائيل، حيث يؤمن هؤلاء بأن دعم إسرائيل، بما في ذلك توسعها الاستيطاني والسيطرة على القدس، هو واجب ديني وسياسي لتحقيق تلك النبوءات.
وأشار العريان إلى أن ترامب قد يمنح إسرائيل حرية التصرف بشكل كبير قبل موعد تنصيبه الرسمي في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، لكنه استبعد أن تتمكن إسرائيل من تحقيق جميع أهدافها العسكرية.
وقال: “من المرجح وفقا لذلك أن تسعى إدارة ترامب بالتعاون مع إسرائيل إلى تحقيق أهدافها عبر تسويات سياسية بدلا من الدخول في حرب شاملة”.
وأضاف العريان أن “كل هذه الخطط تعتمد بشكل كبير على طبيعة الرد الإيراني المتوقع” على الهجوم الإسرائيلي في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتوقع أن ترسل إدارة ترامب رسائل تحث إيران على عدم الرد عسكريا على إسرائيل، لفتح المجال أمام تسوية سياسية في غزة ولبنان.
وأوضح أن هذا هو نفس النهج الذي اتبعته إدارة بايدن “المخادعة” مع إيران لتعطيل ردها (الذي نفذته مطلع أكتوبر الماضي) على ما قالت إنه اغتيال تل أبيب لزعيم حركة حماس الأسبق إسماعيل هنية أثناء تواجده في طهران، نهاية يوليو/ تموز.
ورجح العريان أن ترد إيران، لكن يبقى السؤال حول طبيعة هذا الرد وقوته، وهل سيؤدي إلى اندلاع حرب شاملة من عدمه.
ولفت إلى أن “الولايات المتحدة، سواء في عهد الديمقراطيين أو الجمهوريين، لا ترغب في خوض مواجهة مباشرة أو حرب شاملة في المنطقة مع إيران”.
مجرد وعود انتخابية
وفيما يتعلق بالحديث المتصاعد بشأن نكث ترامب وعوده للناخبين العرب والمسلمين بإنهاء الحروب عبر ترشيحاته لشخصيات إداراته المقبلة، قال العريان إن الأمر يرتبط بتحقيق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية، سواء عسكريا أو سياسيا.
وأوضح: “ترامب لديه أجندة سياسية داخلية يسعى للتركيز عليها، وبالتالي قد يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعما مفرطا حتى فترة تنصيبه أو بعدها بقليل لتحقيق أهدافه. وعندما يفشل في تحقيق هذه الأهداف سيكون هناك محاولة لوقف الحرب”.
ولفت إلى أن “السياسة الأمريكية تقوم على إعطاء الكيان الصهيوني حرية كبيرة جدا في ضرب المقاومة، لكن لا يستطيع الكيان أن يأخذ بإرادته الخاصة قرارا بمواجهة دولة كإيران بدون الضوء الأخضر الأمريكي. هذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه”.
وأضاف أن “سياسات ترامب خلال ولايته الأولى أظهرت بوضوح هذا التوجه، من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى إيقاف المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). هذه خطوات عدائية معروفة تصب في خدمة الأجندة الصهيونية. لذلك، لا يمكن توقع تغييرات جوهرية من رئيس يواصل هذا النهج المتطرف”.
ووصف ما وعد به ترامب خلال حملته الانتخابية بأنها “مجرد وعود انتخابية، لن يكون لها حقيقة على الأرض”.
المواجهة الحقيقية بالميدان
فيما يتعلق بدور العرب في مواجهة هذه السياسات، شدد العريان على أن “المواجهة الحقيقية هي في الميدان من قبل المقاومة؛ فعندما تفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الميدانية، وعندما تُستنزف قواتها، سيُجبر العدو على التراجع والنزول من على الشجرة (التنازل عن مواقفه المتصلبة)”.
واستبعد العريان أن تكون هناك “ضغوط حقيقية” من الدول الإقليمية على إسرائيل، معتبرا أن التأثير الأكبر سيأتي من الضغط العسكري والميداني.
وقال: “إذا اضطرت إسرائيل إلى التراجع نتيجة خسائر ميدانية في غزة أو لبنان، عندها فقط يمكن أن تتوقف الحرب ويتوقف العدوان”.
تعيينات ترامب ليست مفاجئة
من ناحيته، قال الكاتب والباحث في الشؤون الدولية حسام شاكر: “لا ينبغي أن تفاجئنا تعيينات ترامب بالنظر إلى طبيعة شخصيته الجامحة وسوابقه خلال ولايته الأولى”.
وأضاف أن التعيينات تعكس كذلك “تحالفاته الواسعة مع قطاعات متعددة في الساحة الأمريكية، تشمل المصالح العقارية، رجال الأعمال، التيارات المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، وأخرى ذات توجهات عقائدية وعنصرية وصولية”.
وأضاف شاكر: “ترامب يعتمد في اختياراته على شبكة من المصالح والداعمين الذين ينفذون رؤاه في الحكم. لذلك، لم تأتِ طبيعة هذه التعيينات كمفاجأة، رغم أن لديه فرصة لاختيار شخصيات أكثر حكمة لإبرازها للعالم. إلا أن الواضح هو أنه يتجه نحو تعيينات تعمق سياساته السابقة”.
وتابع: “البعض أُصيب بخيبة أمل نتيجة هذه التعيينات، لكن لا أرى فيها مفاجأة بالنظر إلى طبيعة شخصية ترامب”.
وعن موقف ترامب من الحروب، لفت شاكر إلى أن ترامب قال إنه لو كان بالحكم ما كانت اندلعت الحرب بغزة، أو في “الشرق الأوسط” حسب تعبيره، لكن ذلك “لا يُفهم منه أنه وعد بوقف الحرب على غزة إنصافا للشعب الفلسطيني”.
ولفت شاكر إلى أن إسرائيل في المقابل، ترى في ولاية ترامب فرصة لتعزيز سيطرتها على المنطقة. وقال: “تم التعويل على حقبة ترامب من جانب الاحتلال باعتبارها فرصة تاريخية لتحقيق مزيد من التوسع الاستيطاني، وضم الضفة الغربية، وتعميق هيمنته إقليميا”.
مآلات الحرب على غزة
حول مستقبل الحرب على غزة في ظل إدارة ترامب، اعتبر شاكر أن الغموض يكتنف إلى أي مدى يمكن أن تذهب الحرب في عهد ترامب.
وقال إن ” ترامب سيبقى شخصية لا يمكن الجزم بالسلوك الذي ستقدم عليه، وأتصور أن ثمة قلقا أيضا من جانب حكومة بنيامين نتنياهو من السلوك الحقيقي الذي سيقدم عليه ترامب في ملفات معينة”.
وأشار شاكر إلى أن طبيعة شخصية ترامب، وبسبب تجربته مع نتنياهو الذي سارع إلى تهنئة بايدن بعد فوزه في الانتخابات السابقة، تجعل الباب مفتوحا أمام احتماليه إقدامه على مواقف قد لا تُوافق تماما الرغبة الإسرائيلية خاصة أنه في ولايته الثانية والأخيرة.
وتابع مستدركا: “لكن العقائديين الذين اختارهم (بإدارته) هم خير من يمثل مصالح الاحتلال الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، وعلينا أن نتذكر أن ترامب في ولايته الأولى اعتبر القدس عاصمة للاحتلال. هذا النهج عن الأرجح سيستمر، لكن بأي كيفية وبأي وتيرة، هذا سيبقى مفتوحا”.
وعن مواقف المقاومة الفلسطينية من هذه التعيينات ومستقبل التصعيد المنتظر، قال شاكر: “الجانب الفلسطيني، المقاومة وخطها عموما، أتصور أنه يعني حرب إبادة شهدها الشعب الفلسطيني، لم تزحزح المقاومة الفلسطينية عن خطها”.
وحول مواقف المقاومة الفلسطينية من التعيينات الجديدة لترامب والتصعيد الإسرائيلي المحتمل في ظلها، قال شاكر إن المقاومة الفلسطينية حافظت على نهجها رغم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة.
وأضاف: “ترامب لن يضيف كثيرا فيما يتعلق بالضغط على المقاومة أكثر من حقيقة شن حرب إبادة واغتيالات، وحرب تجويع على النحو الذي شهدناه؛ وبالتالي لا أتوقع أن تغير المقاومة الفلسطينية مواقفها المعروفة عنها في هذا الشأن”.
صفقات مصلحية
من جانبه، أشار عمار قحف، مدير مركز عمران للدراسات، إلى أن “سياسة الرئيس ترامب المقبلة تبدو معاملاتية بشكل واضح، حيث يتعامل مع كل قضية على حدة ويعتمد على الصفقات كنهج أساسي” لإدارة الملفات الدولية.
وأوضح قحف أن “التعيينات التي أجراها ترامب تعكس وعود حملته الانتخابية وتُعد مكافأة لأصدقائه وداعميه في الحزب الجمهوري، إلى جانب شبكة علاقاته مع شخصيات نافذة ساهمت في وصوله إلى السلطة. هذه التعيينات تمثل جزءا من استراتيجية تسعى لتحقيق مكاسب خاصة، بغض النظر عن التوجهات التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية”.
وأضاف أن “بينما كانت الآمال معقودة على توجه ترامب لإنهاء الحروب الخارجية، تشير تعييناته الحالية بإدارته إلى أن هذا الوعد مشروط باستراتيجية أوسع لتقليص نفوذ أطراف معينة دون الوصول إلى حلول دائمة” للصراعات القائمة.
وأشار قحف إلى أن ترامب “يبدو ملتزما بدعم التوجهات الإسرائيلية إلى حد كبير، رغم تصريحاته حول إنهاء الحروب”.
وقال: “قد يتجنب ترامب تصعيد الأوضاع في غزة، إلا أنه من غير المتوقع أن يغير موقفه في دعم المواقف الإسرائيلية بشكل واضح”.
وأكد “من خلال هذه التعيينات يبدو أن ترامب ينحاز إلى الاستقرار المؤقت عبر صفقات تخدم مصالحه وحلفاءه الإسرائيليين، بدلا من السعي لتحقيق سلام دائم وعادل في القضية الفلسطينية”.
وتابع: “هذا النهج يعكس نظرة ترامب للقضية الفلسطينية كملف قابل للتفاوض بناءً على المصالح الخاصة، وليس كالتزام سياسي حقيقي”.
مقاربة عربية جديدة
وحول كيفية مواجهة العرب لهذه السياسات، شدد قحف على أهمية تبني الدول العربية مقاربة مرنة تعتمد على إعادة توزيع مصالحها نحو الشرق، مما يعزز توازنها السياسي والاقتصادي، ويمكّنها من تحقيق نفوذ أكبر في التفاوض مع الإدارة الأمريكية المقبلة.
وأضاف: “مع سعي الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني، يمكن للدول العربية استغلال هذه اللحظة لتنسيق مواقفها. كما أن الموقف التركي اليوم أكثر جاهزية للتفاوض مع الولايات المتحدة، ما يفتح المجال لتحالفات إقليمية قادرة على التأثير في صنع القرار الأمريكي”.
وختم قحف حديثه بالقول: “ترامب، بخلاف إدارة بايدن، يبدو أكثر جدية في إبرام صفقات تعزز استقرارا نسبيا يخدم إرثه السياسي والشخصي، ويحقق مكاسب اقتصادية له ولشركائه. هذا النهج قد يوفر فرصة للدول العربية للاستفادة من هذه الصفقات لصالح مصالحها الإقليمية، شريطة التفاوض بذكاء وواقعية”.
(الأناضول)