بغداد ـ «القدس العربي»: تدخل جميع المحافظات والمدن العراقية، اليوم الأربعاء، في حظرٍ شاملٍ للتجوال يستمر يومين، لإتمام عملية التعداد العام للسكّان، عقب مرور 37 عاماً على آخر تعدادٍ شهده العراق، بُغية الإفادة من معلوماته في أهدافٍ تنموية، حسب ما تقول الحكومة التي كانت تعتمد على النسب التخمينية في رسم السياسات العامة للبلاد منذ عام 2003، وسط تحذيرات من مساءلة قانونية، تشمل الحبس والغرامة، تطال من يقدّم معلومات خاطئة للفرق الجوّالة.
خطوة «حضارية»
رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، اعتبر التعداد العام «خطوة مهمة» تضمن حقوق المواطنين في الخدمات العامة، نافياً ما يجري تناقله بشأن وجود علاقة بين التعداد وفرض ضرائب جديد أو قطع معونات المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية.
وقال في كلمة مصوّرة وجهها للشعب العراقي، «نخطو غداً (اليوم) خطوة حضارية وتنموية مهمة بإجراء التعداد العام للسكّان والمساكن، بعد مضي 37 عاماً على آخر تعداد سكاني شامل نفذ عام 1987، وتعداد عام 1997 الذي لم يشمل إقليمَ كردستان العراق».
وأضاف: «نشرع في تنفيذ التعداد العام للسكّان، لاستكمال أولويات البرنامج الحكومي، وضمان حقوق المواطنين في الخدمات العامة» مؤكداً أن إجراء التعداد يهدف لـ«ضبط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية علمية حديثة، وسدِّ الفجوات المعلوماتية في العمل الخدمي والتخطيط وصناعة القرار الوطني».
وتابع: «نؤسس اليوم لمعايير رقمية رصينة، وأنْ يصبح التعداد العامُ للسكّان والمساكن أداةً علميةً في التخطيط، ووسيلة للتطوير، بعيداً عن التقديرات والاجتهاد غير المستند للحقائق» مشيراً إلى إن اتخاذ قرار تنفيذ التعداد جاء لـ«ثقتنا بقدرات أجهزتنا الحكومية».
وأكد تصميم حكومته على «خدمة شعبنا وفق أرقى المناهج العلمية، وتشخيص نقاط الخلل، ووضع الخدمات الصحيحة للمواطن» لافتاً إلى اعتماد «أفضل الوسائل الحديثة لإجراء التعداد بصورةٍ علمية إلكترونيةٍ دقيقة، لتكون النتائج في خدمة حاضر العراقيين ومستقبلهم».
إجراءات أمنية مشدّدة… والسوداني اعتبره خطوة مهمة لضمان حقوق المواطنين
وفيما اعتبر أن التعداد سيكّون «قاعدة البيانات بخدمة مؤسسات الدولة، كما ستسهم في دعم الشرائح الأكثر حاجةً للخدمات، وتشخيص بؤر الأزمات، ورسم خريطة العراق التنموية» بيّن إنه «ليس مجرّد أرقام تتراكم، بل وسيلة لتحديد القرارات الفعالة، كضمان توزيع الموارد والخدمات بين المحافظات وفق قواعد أكثر عدالةً».
رئيس الحكومة دعا المواطنين إلى «التعاون مع الفرق المكلفة بإجراء التعداد، والالتزام بحظر التجوال، والإدلاء بالمعلومات الصحيحة» محذّراً من «الإنصات للشائعات عبر ربط التعداد بقضايا تتعلق بالضرائب، أو الحماية الاجتماعية، وهذا منافٍ للصحة».
وثمّن «دور وزارة التخطيط، وهيئة الإحصاءِ ونظم المعلومات، لجهودهم طيلة الشهور الماضية في الإعداد والتهيئة للتعداد» كما أشار إلى «الدور الكبير لجميع الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة، والمحافظات، ووزارة التخطيط في حكومة إقليم كردستان العراق، وهيئة الإحصاء في الإقليم».
وفيما شكر «صندوق الأمم المتحدة للسكان للدعم والإسناد لجميع المراحل» ثمّن أيضاً «دور الأجهزة الأمنية، في توفير بيئة آمنة مستقرةٍ، والدور المتميز للإعلام والصحافة الوطنية في دعم هذا المشروع التخطيطي المتميز».
ووفق المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، التعداد السكاني إنجاز مهم وضروري.
وأفاد للوكالة الرسمية أن «التعداد هو قاعدة من البيانات الملائمة لإجراء المقارنات والإسقاطات للبيانات الديموغرافية وخصائص المجتمع الاجتماعية والاقتصادية».
ولفت إلى أن «التعداد السكاني خطوة مهمة يمكن أن تكون ركيزة أساسية في شتى المجالات الاقتصادية والمعيشية والتنموية والخدماتية وحتى الأمنية التي تساعد مؤسسات الدولة في بناء خططها على أساس أرقام وتفاصيل دقيقة» موضحا أن «ذلك يقود إلى رصد موازنات أدق وخطط أكثر دقة في التركيز على القطاعات الأشد حاجة للاهتمام بناء على المعلومات المفصلة».
ويحظى التعداد بدعمٍ حكومي وسياسي واسع، إذ أعلنت جميع القوى والأحزاب السياسية (شيعية، سنية، كردية) دعمها له، وحثّت العراقيين على المشاركة فيه.
مشاركة واسعة
وأمس الثلاثاء، دعا النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، المواطنين للمشاركة الواسعة في التعداد السكاني، مبينا أن التعداد يعكس واقع المجتمع واحتياجاته.
وذكر في بيان أن «التعداد السكاني يُعدّ أداة رئيسية لجمع البيانات والمعلومات الدقيقة التي تعكس واقع المجتمع واحتياجاته، والذي سيبنى على ضوء نتائجه خطط واستراتيجيات التنمية، وأسس مكافحة الفقر والبطالة والتطور الاقتصادي والمعيشي والعلمي والصحي والخدمي وحصة كل محافظة من درجات التعيين» حاثا المواطنين على «المشاركة الفاعلة والواسعة في التعداد السكاني الجاري وإبداء التعاون مع الموظفين المعنيين، وعدم الانجرار خلف الشائعات المغرضة التي تدعو للمقاطعة وإضعاف نسب المشاركة في بعض المحافظات للنيل من حصصها وحقوقها في الموازنة وخطط التنمية».
وأكد أن «التعداد سيحدد حجم احتياج كل محافظة من التخصيصات السنوية في قانون الموازنة» مطالبا فئات المجتمع من مختلف الأعمار والمناطق، بـ«المشاركة والتعاون مع فرق التعداد».
وحذر «من الانجرار وراء الشائعات التي تحاول إفشال هذا الإنجاز الذي طال انتظاره» لافتا إلى أن «التعداد يهدف إلى تصحيح جميع مسارات الخطط العامة ورفع كفاءتها، وبناء قاعدة بيانات دقيقة يمكن الرجوع لها في تنفيذ خرائط التنمية للمحافظات حسب النسب السكانية الحديثة». في مقابل ذلك، كشف عضو اللجنة القانونية النيابية، النائب رائد المالكي، عن عقوبات قضائية تُفرض على من يقدم معلومات كاذبة بالتعداد السكاني.
وفي «تدوينة» له، أشار قائلاً: «طبقا لأحكام المادة 19 من القانون رقم 32 لسنة 2023 فإن (السجن أو الحبس أو الغرامة) حسب الأحوال، هي عقوبة من يقدم معلومات إحصائية كاذبة إلى الجهات الرسمية، ويسري ذلك بالنسبة للتعداد العام للسكان».
ووفقا للمادة 19 من قانون العقوبات العراقي، «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على (7) سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن (5) ملايين دينار (نحو 3500 دولار) ولا تزيد على (10) ملايين دينار (نحو 7000 دولار) من قدم عمدا معلومات احصائية كاذبة الى الجهات المنصوص عليها في هذا القانون». وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات والغرامة التي لا تقل عن (3) ملايين دينار (نحو ألفي دولار) ولا تزيد على (5) ملايين دينار إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في البند (أولا) من هذه المادة من غير الموظف أو المكلف بخدمة عامة، حسب النائب المالكي.
… والصدر يحث على إبعاده عن التدخلات الخارجية والحزبية
وجّه زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، أمس الثلاثاء، دعوة إلى الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، إلى إجراء تعداد سكّاني «شفاف ونزيه» بعيداً عن التدخلات الخارجية والحزبية، حسب وصفه، فيما دخل رجال دين شيعة وسنّة على خط حثّ الشعب العراقي على المشاركة في التعداد.
وقال في «تدوينة» له: «أود التنبيه لأمرين مهمين. الأول: على الحكومة العراقية السير نحو (تعداد سكاني) شفاف ونزيه بعيدا عن التدخلات الخارجية والحزبية، وعلى الشعب إعطاء إحصائيات دقيقة لبيان الحقائق على وجهها الصحيح والدقيق فهناك من يريد تزييفها».
ودعا أيضاً في «أمره الثاني» الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي إلى «العمل على تشريع قانون منع الاستيراد من بعض الدول الداعمة للكيان الصهيوني وخصوصاً الداعمة له بالسلاح بشرط عدم الإضرار بالاقتصاد العراقي.. فهذا أقل ما تقوم به الجهات العراقية المختصة وفاءً للشعبين الفلسطيني واللبناني. وهذا هو المتوقع من الدولة الممانعة: العراق العظيم».
ويحظى التعداد السكّاني الأول من نوعه في العراق منذ 37 عاماً، بدعم حكومي وسياسي واسع، انضم إليه مؤخراً دعم ديني تمثل بتوجيه المرجع الشيعي، محمد اليعقوبي، للمواطنين بضرورة الإدلاء بإجابات صحيحة ودقيقة على استمارة التعداد العام للسكان. وقال مكتبه في بيان أصدره ردا على استفسار حول عدم الإدلاء بمعلومات صحيحة من قبل المواطنين للموظف المختص فيما يتعلق بالتعداد السكاني، «نحثُّ المواطنين على الإدلاء بإجابات صحيحة ودقيقة على استمارة التعداد العام للسكان، لما يترتب على هذا التعداد من حقوق للمواطنين، وخطط تنموية للمحافظة التي يسكنون فيها، وأي إخفاء للمعلومات الضرورية لا يقتصر ضرره على الشخص نفسه بل على أهله وأبناء المحافظة آنياً ومستقبلياً».
ودعا الدوائر الحكومية المنظَّمة للتعداد للاحتفاظ «بسرّية المعلومات» إذ «لا يجوز لها تسريبها إلى جهة داخلية أو خارجية، ولأي غرض غير الهدف المعلن وهو الاستفادة من المعلومات لوضع الخطط التنموية لازدهار البلد وخدمة المواطنين».
كما حثّ موظفي التعداد على أن «يبذلوا وسعهم لتسجيل المعلومات الكاملة والدقيقة، ويكون عملهم صدقة جارية في ميزان أعمالهم الصالحة».
كذلك، دعا مكتب المرجع الشيعي، بشير النجفي، المواطنين إلى المشاركة الفاعلة في عمليات التعداد السكاني.
وقال نجله والمتحدث الرسمي باسم المكتب، علي بشير النجفي، للوكالة الرسمية: «نحيي جهود إجراء عملية التعداد السكاني في العراق، ونشجع المواطنين على التفاعل والمشاركة فيه».
وأضاف أن «التعداد السكاني سيمنح مؤشرات واضحة عن واقع العراق بتفاصيل متعددة ودقيقة من شأنها أن تساعد الحكومة في تقديم الخدمة للمواطنين خلال نتائج هذه الإحصاءات».
وأشار إلى أن «نتائج التعداد ستساعد في صرف الموازنات وتحقيق المشاريع في البلد» معربا عن أمله في «أن تستثمر الحكومة هذا المشروع خدمة للعراق».
على المستوى ذاته، رأى ديوان الوقف السني، أن المشاركة في التعداد السكاني «واجب وطني».
وقال في بيان أمس، إن «على رب الأسرة أو من ينوب عنه التواجد في المنزل وتهيئة جميع المستمسكات (الوثائق) لتثبيت البيانات المطلوبة».
ودعا وفقاً للبيان إلى «تعاون الجميع لاستقبال فرق الإحصاء والإدلاء بكل البيانات المطلوبة بشكل دقيق، للقيام بواجبهم الوطني لإنجاح هذه العملية المهمة».