بغداد -لندن – باريس — الزمان
بدأت في العراق عملية التعداد الشامل للسكان والمساكن، التي تشمل جميع محافظات البلاد للمرة الأولى منذ عام 1987. تأتي هذه العملية التي تستمر يومين في سياق محاولات الحكومة لجمع بيانات دقيقة تُساعد على التخطيط التنموي وتوزيع الموارد والتعاطي الإيجابي مع المنظمات الدولية. فيما أثارت العملية الكثير من الجدل على الصعيدين المحلي والخارجي. وركز التعداد السكاني على الديانة وتجاهل القومية والطائفة في خطوة وصفت بالترضية السياسية لأطراف معينة تخشى على مكاسبها المجنية من معطيات وهمية في العقدين الأخيرين بحسب ناشطين. فقد أثار اقصاء عراقيي الخارج عن التعداد استياءً واسعاً في اوساط الجاليات بالخارج،لاسيما ان اعدادهم تزيد على ثلاثة ملايين، اذ عبّر ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي تصريحات خاصة للزمان عن شعورهم بالتهميش وان انكار وجود الجاليات العراقية يعني موقفا سياسيا وغير انساني وقال الدكتور فارس المهداوي امين عام منظمة المغتربين العراقيين في بريطانيا لمراسل « الزمان» ان الاستهانة بالعراقيين في الخارج كوجود بشري مليء بالطاقات والكفاءات دليل على مسارات خاطئة وقعت فيها سلطات التخطيط ،ودعا المهداوي لمساءلة وزير التخطيط بوصفه المسؤول الأول لكي يوضح لملايين من العراقيين أسباب هذا التجاهل. وأكد أن وزارة التخطيط تجاهلت مطالبهم المعلنة مرارا بتضمينهم في التعداد. وقال المحامي فوزي الزريجاوي احد الناشطين الحقوقيين في فرنسا لـ «الزمان»: «التعداد هو فرصة لربطنا بالوطن الأم، لكن الوزارة لا تُعير اهتماماً للمغتربين وكنا نتوقع ان يقوم وزير التخطيط بزيارات ميدانية لعدد من الجاليات بالخارج او ان تصل وفود مختصة لهذا الغرض».
وفي السياق ذاته، انتقد نواب في البرلمان تخصيص ميزانية ضخمة للتعداد دون أن تخضع للمراقبة الكافية، واعتبروا أن هذه الميزانية كانت تكفي لتغطية عملية تشمل المغتربين ووصفوها بالاكبر في مجالها في تاريخ الدولة العراقية. وقبل ذلك قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي ان موازنة التعداد ارتفعت اضعافا مضاعفة عما أعلنته الوزارة.
وداخل العراق، أبدى مواطنون استياءهم من سوء التنظيم، حيث شكا البعض في بغداد من زيارات متكررة للفرق الإحصائية نتيجة «تداخل في البيانات». وتداول مستخدمو منصة «إكس» صوراً لطوابير طويلة أمام مكاتب الأحوال المدنية، مما أثار موجة من التعليقات الساخرة. وكتب أحدهم: «لما تكون فرق التعداد عند الباب وأنت مو محدّث بطاقة السكن… فيلم فوضى عراقي بامتياز!». وشهدت مدينة كركوك تصاعداً في التوترات إثر تقارير عن قدوم أعداد كبيرة من الأكراد لتسجيل أسمائهم في المدينة. واعتبر سكان من مكونات أخرى أن هذا قد يُؤثر على التوازن السكاني. وقال مواطن من المدينة: «إحنا نريد إحصاء شفاف وعادل، مو وسيلة للتلاعب».
في المقابل، دافع ناشطون أكراد عن هذه التحركات، معتبرين أنها تعكس حق المواطنين في العودة إلى مدنهم الأصلية.
و تعد كركوك والمناطق المتنازع عليها محوراً أساسياً في الخلافات بين بغداد وأربيل. وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، اتفقت الحكومة العراقية على تسجيل السكان بناءً على أماكن إقامة أجدادهم أثناء تعداد 1957.
تخشى الأقليات، مثل المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائية، من التغيرات الديموغرافية التي طرأت على مناطقهم، خاصة بعد نزوح أعداد كبيرة منهم بسبب الحروب والصراعات. وازدادت هذه المخاوف بعد بناء أحياء جديدة استقبلت موجات من النازحين العرب خلال السنوات الماضية.
ويشمل التعداد الجديد أسئلة متنوعة تتعلق بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية، إلى جانب أسئلة عن المقتنيات المنزلية، وستؤثر النتائج بشكل مباشر على التمثيل البرلماني، حيث ينص الدستور على وجود نائب لكل 100 ألف مواطن.
وتُعد هذه المرة الأولى التي يشمل فيها التعداد جميع محافظات العراق الـ18، بما في ذلك إقليم كردستان، منذ أن استُثني الإقليم من تعداد 1997. وقد أُجلت هذه الخطوة عدة مرات بسبب الأوضاع الأمنية والخلافات السياسية التي شهدها العراق خلال العقود الأخيرة.
وسط هذه المعطيات، يبقى التعداد السكاني خطوة كبيرة لطالما انتظرها العراقيون، لكنها تحمل في طياتها تحديات تنظيمية وسياسية تعكس تعقيدات المشهد العراقي.