قلل وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو، أمس الأربعاء، من أهمية قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديث «العقيدة النووية» لبلاده عبر خفض المعايير التي يمكن بموجبها شن ضربة نووية واصفا الأمر بأنه «مجرد كلام» مضيفا «إن ذلك الأمر لن يرهبنا».
الأغلب أن استخدام الجمع في الجملة الأخيرة لا يقتصر على فرنسا وحدها، التي هي واحدة من تسع قوى نووية في العالم، وتملك 2,7٪ من مجمل السلاح النووي (290 رأسا نوويا) كما أنه لا يقتصر على أوروبا، حيث تمتلك دولة أخرى، بريطانيا، 225 صاروخا (أي 1,8٪ من النسبة العالمية) فيما تملك روسيا 6257 رأسا نوويا وهو ما يعادل 45,2٪ من المخزون العالمي.
لا يمكن إذن للتصريح الآنف أن يعتبر التهديد النووي الروسي «مجرد كلام» مستندا إلى قوة فرنسا وحدها، أو حتى للقوة الأوروبية المضافة التي تمثلها بريطانيا، أو للمنطق المجرّد الذي يرفض احتمال لجوء روسيا لاستخدام قنابل نووية تكتيكية ضد أوكرانيا كردّ على قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن السماح لكييف باستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي.
كي يكون لحديث وزير الخارجية الفرنسي معنى فعليه أن يتكلم إذن، وبشكل صريح وليس ضمنيا، باسم الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدّر قوتها النووية بـ42,7٪ من المخزون العالمي (مع 5550 رأسا نوويا) ولعلّه يحتسب إسرائيل أيضا ضمن «نون الجماعة» الموجهة ضد الكرملين، فالدولة العبرية تملك 90 رأسا نوويا (0,7٪ من مخزون العالم) لكنه لا يمكن، لأسباب جيوسياسية معقدة أن يحتسب باكستان (165 رأسا نوويا) أو الهند (156 رأسا نوويا) وفي المقابل فعليه أن يأخذ في الاعتبار قوة كوريا الشمالية (50 رأسا نوويا) التي دخلت فعلا في المعركة لصالح روسيا داخل أوكرانيا، وكذلك قوة الصين (350 رأسا نوويا) التي ستحتسب ضمن المعسكر الخصم.
تعاملت إدارة بايدن مع الأمر بطريقة مختلفة نسبيا فتحدثت عن توقع حصول ذلك «على مدى الأسابيع الماضية» وأنها لم تكن «متفاجئة» ولكنها لا ترى مؤشرات على استعداد روسيا لاستخدام سلاح نووي وهي بالتالي لا ترى سببا لتعديل موقفها النووي، وهذا كلام أكثر حصافة من حديث وزير الخارجية الفرنسي.
ما يجعل الأمور أكثر تعقيدا هو أن العالم لا يعرف كيف ستكون ردود فعل الإدارة الأمريكية القادمة لدونالد ترامب، الذي كان يكرر خلال حملته الانتخابية أن الحرب الأوكرانية ما كانت لتحصل أصلا لو كان في الرئاسة، وأنه قادم لينهي تلك الحرب.
يتعلّق التهديد النووي الروسي لأمريكا باستراتيجيات هيمنة عالمية كبرى يُفترض ألا تختلف بشكل جوهري من رئيس إلى آخر، لكن الموقف المتوقع في الحالة الآنفة هو أن يعتبر ترامب قرار بايدن باستخدام أوكرانيا الأسلحة الأمريكية البعيدة المدى ضد روسيا شكلا من أشكال تأجيج التوتر المقصود منه توريطه في الصراع مع روسيا وهو ما يتناقض مع استراتيجيته المعلنة التي ستسعى لفرض تسوية ترضي بوتين، بالموافقة على ضمه للمناطق التي استولى عليها (وهو ما عبّر عنه تصريح أطلقه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي قال فيه إن على أوكرانيا ربما أن تنتظر لاستعادة كامل أراضيها) وبهذه الحالة فإن نقلة بوتين بإعلان تغيير العقيدة النووية ستؤدي الغرض منها.
السيناريو الآخر هو أن تلتزم إدارة ترامب بقرارات بايدن الأخيرة وهو ما سيعني أن الحرب الأوكرانية ستستمر وأن احتمالات التصعيد ستزداد، ليس مع روسيا وحدها بل مع الصين وكوريا الشمالية (وإيران طبعا) وعندها لن يكون الأمر «مجرد كلام» لا بالنسبة لروسيا ولا بالنسبة لفرنسا، وستكون مصاريع «يوم القيامة» العالمي قد انفتحت!