أكثر من 200 صاروخ كل يوم، مصابون في نهاريا و”بيتح تكفا”، وثلاث صافرات خلال 12 ساعة في “هشارون”… أمس، كان أحد أيام الإطلاق الأكثر كثافة من لبنان منذ بداية الحرب. أسباب ذلك كثيرة؛ لقد كان في ذلك انتقام لحزب الله على محاولة تصفية شخصية رفيعة في الحزب، أبو علي حيدر، أول أمس؛ واستغلال حالة الطقس التي تصعب على نشاطات سلاح الجو؛ والرغبة في إعادة ترسيخ معادلة تقول إن قصف الضاحية في بيروت يقابله إطلاق الصواريخ على مركز البلاد؛ وربما محاولة لتحقيق إنجازات معنويات أخيرة كلما تقدمت المفاوضات حول وقف إطلاق النار نحو النهاية الإيجابية.
السطر الأخير واحد: الحياة في الشمال ما زالت مشوشة، والإزعاج اليومي تسرب إلى مركز البلاد أيضاً. في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن إنجازات وتتفاخر بإنجازات الجيش الإسرائيلي، بدأ شعور المواطنين يتضعضع بشأن أمنهم الشخصي، بشكل واضح. حقيقة أن سلاح الجو تسبب بضرر كبير في عمليات القصف على بيروت والبقاع لا تعزي سوى القلائل. في هذه الأثناء، لا يبدو أن هناك عملية عسكرية حاسمة تجعل حزب الله والحكومة اللبنانية يسارعان نحو الاتفاق. إذا توصل الطرفان إلى وقف لإطلاق النار، فسيكون هذا من خلال عامل استراتيجي بارد، خصوصاً من قبل إيران، المعنية بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض بعد شهرين.
في هذه الأثناء، يطلب رؤساء السلطات في الشمال زيادة الهجمات في لبنان رداً على إطلاق الصواريخ. في حين أن رئيس المعسكر الرسمي، غانتس، دعا الحكومة إلى إصدار أوامر لقصف أهداف في الدولة اللبنانية. الجيش الإسرائيلي طلب أمس من المواطنين في الضاحية الإخلاء قبل هجوم كثيف، لكن الأحداث الأخيرة لم تغير حتى الآن موقف هيئة الأركان الأساسي كما عبر عنها المستوى السياسي الأسبوع الماضي. تعتقد هيئة الأركان أن الإنجازات العملياتية التي تحققت في الشمال والجنوب تمهد الطريق لصفقة قريبة، وتوصي بعملية تضمن وقف إطلاق النار في لبنان وغزة، وعقد صفقة سريعة لإطلاق سراح المخطوفين المحتجزين في القطاع.
في جنوب لبنان، إضافة إلى الهجمات الجوية، يقوم الجيش الإسرائيلي بتمشيط الوديان ويدمر منصات لإطلاق الصواريخ موجودة على مسافة بعيدة نسبياً عن الحدود. ولكن الادعاء الذي يفيد بإمكانية التوصل إلى اتفاق بدعم أمريكا، ودخول الولايات المتحدة لدعم الجيش الإسرائيلي (كمراقبة على تنفيذ الاتفاق) سيساعد في استقرار الوضع على طول الحدود. أما بخصوص صفقة التبادل، فهي تحتاج إلى إظهار مرونة من قبل إسرائيل وإنهاء مؤقت على الأقل للقتال حتى لو لم تهزم حماس. وقد يكون البديل موت المخطوفين في القطاع.
أول أمس، قالت حماس إن مختطفة ماتت مؤخراً. والجيش الإسرائيلي أبلغ عائلتها، لكنه لم بيت بشأن موتها حقاً مع غياب أدلة كافية على ذلك. وطمس التفاصيل يؤدي إلى إبعاد ضائقة المخطوفين عن رأس أجندة الجمهور. هذا لا يحدث في فراغ؛ فالمراسل براك ربيد نشر بأن ترامب تأثر خطأ من أن معظم المخطوفين قد قتلوا، وتفاجأ مؤخراً عندما اكتشف أن الأمر ليس هكذا. مهم معرفة من الذي غرس في عقل الرئيس المنتخب هذا التفكير غير الصحيح.
تم العثور على المذنب بالفشل
هدف تعيين إسرائيل كاتس ليكون بديلاً لغالانت في وزارة الدفاع بدأ يتضح. رئيس الحكومة نتنياهو وضع اسم كاتس كي يشعل الحريق في جهاز الأمن، وكاتس يفعل المطلوب منه. الجمعة، أعلن الوزير بأنه سيوقف إصدار أوامر اعتقال إداري ضد اليهود، الأمر الذي يغضب “الشاباك” (أما للعرب فسيستمر الاعتقال الإداري ضدهم كالعادة). أمس، أعلن كاتس عن تجميد تعيينات لضباط برتبة عقيد، الذين قرر ترقيتهم رئيس الأركان هرتسي هاليفي، لتولي منصب قائد لواء المظليين ومنصب قائد وحدة “يهلوم”. وعشرات التعيينات الأخرى صودق عليها.
الذريعة الأساسية التي يطرحها كاتس منطقية. المرشحون للترقية تولوا مناصب رفيعة في قيادة الجنوب، ضابط قسم العمليات وضابط قسم الهندسة – في فترة الهجوم الإرهابي في 7 أكتوبر. والتحقيقات التي تجريها القيادة لم تنته بعد. ولكن القصد من هذه الخطوة واضح؛ فهو يهدف إلى تخريب مكانة هاليفي، التي تقوض الآن على يد نتنياهو وشركائه وأبواقه.
من وجد نفسه رغم إرادته في خط النار، هو العقيد افرايم افني، الضابط الذي تم تجميد تعيينه في منصب قائد المظليين، وقبعته المنسوجة التي يرتديها لم تساعده، أو أنه من نتاج تعليمي واضح لـ “الصهيونية الدينية” (المعسكر وليس القائمة). البيبيون في الشبكات الاجتماعية ألقوا عليه أمس ملف الفشل كله، وألصقوا به عدة اتهامات لا أساس لها. هذا الانقضاض يخدم هدفاً أكبر، وهو حرف النار عن الزعيم.
ما زال جهاز الأمن يستصعب التخلص من الانطباع الذي ولده خطاب نتنياهو المنفعل السبت، والأمر الذي أثار رئيس الحكومة هو مقدمة المقابلة مع المحامي عوديد سابوراي، محامي المتحدث والمتهم إيلي فيلدشتاين، التي بثت الجمعة في “أخبار 12”. حيث قال سابوراي بأن فيلدشتاين لم يعمل من تلقاء نفسه في قضية الوثائق المسروقة، بل هو عمل لصالح نتنياهو.
كان هذا كافياً لنتنياهو كي يسجل، ربما السبت، الفيلم الذي دام 9 دقائق، وتطاول فيه على “الشاباك” وجهاز القضاء. يورام كوهين، رئيس “الشاباك” السابق، اعتبر وبحق هذا الانقضاض على رئيس الجهاز الحالي رونين بار “تصرفاً معيباً”. حتى الوزير آفي ديختر تحفظ من ذلك. ولكن في حالة ديختر الذي كان رئيساً سابقاً للجهاز، فهذا يرتبط أيضاً بقرار نتنياهو تجاهل رغبته في تولي منصب وزير الدفاع.
ونشرت الصحف أمس فحصاً للحقائق، كشف الأكاذيب والتضليل الموجود في الفيلم الذي نشره نتنياهو. ولكن الفيلم في الأصل لا يتساوق مع الواقع بأي شكل من الأشكال. كل هدفه هو إثارة حماسة المعسكر المؤيد لرئيس الحكومة، في الوقت الذي يبحث فيه عن ذريعة أخرى لوقف أو تأجيل الإجراءات الجنائية ضده. أمس، طلب محاموه تأجيل البدء في تقديم شهادته في المحكمة لـ 15 يوماً. ومن غير المستبعد أن توافق النيابة والقضاة على ذلك في هذه المرة.
عاموس هرئيل
هآرتس