اتفاق وقف النار مع لبنان جيد، وردود الفعل السلبية عليه تتمثل بعقاب نتنياهو على إغراق الخطاب بأكاذيب عن “النصر المطلق”. فالاتفاق ينبغي أن يفحص وفقاً للوضع الذي سبقه. لقد نسينا، لكن حزب الله كان يعتبر قبل الحرب خطيراً لدرجة أن الخوف من حرب معه كان من المبررات المركزية، مثلما كشف جاريد كوشنر، صهر ترامب، للامتناع عن المواجهة مع إيران. أما اليوم فواضح أن حزب الله لم يعد تهديداً. وأكثر من هذا: عقب تصفية قيادته، بات في موقع دون، ليس فقط حيال إسرائيل بل حتى حيال باقي الفصائل في المجتمع اللبناني.
لقد أصابت تفجيرات أجهزة البيجر المستويات الوسطى لحزب الله أيضاً، واجتث سلاحنا الجو آلاف الصواريخ، والمناورة البرية في القرى المجاورة للحدود أزالت تهديد الاجتياح. إذا كانت هناك حاجة لمبرر إضافي لإيضاح النصر، يكفي أن نتذكر بأن نصر الله تعهد، بغروره وانطلاقاً من تقديره بأن إسرائيل ضعفت بعد 7 أكتوبر، بإطلاق النار ما دام الجيش الإسرائيلي في غزة. إن تغيير حزب الله لموقفه هو، عملياً، استسلام. وعليه، فبعد أكثر من سنة من معاناة لسكان الشمال، اختارت إسرائيل بحكمة تفادي الإنجاز العسكري باتفاق يضمن هدوءاً للسنوات التالية على الأقل.
بالطبع، كان ممكناً تحقيق أكثر لو تبنى نتنياهو موقف غالنت والجيش في الأسبوع الأول للحرب وانطلق ضد حزب الله في السنة التي انقضت. لكن هذا لم يحصل. وهذا أيضاً أحد أسباب معارضة نتنياهو للجنة تحقيق رسمية ولمحاولات تشويش بروتوكولات أيامها الأولى. فتزوير البروتوكولات خطير على نحو خاص؛ إذ ليس معداً فقط لإخراج نتنياهو جيداً في نظر الجمهور، في حالة تشكيل لجنة تحقيق، بل معد لتضليل حتى المؤرخين الذين سيسعون لاحقاً لاستيضاح ما حصل. هذه محاولة كذب على الأجيال.
المفارقة أن ثقافة الكذب إياها تمنع نتنياهو الآن من التباهي بإنجاز جدير، وهو مضطر لتسويق الاتفاق كوقف نار مؤقت معد فقط لفحص حزب الله إلى حين توريد سلاح إضافي. يتلوى نتنياهو في تفسيراته لأنه لو أصر على “النصر المطلق” في غزة – حيث هناك هزمت حماس تماما الآن – فلماذا لا يتوقع الإسرائيليون “نصراً مطلقاً” على حزب الله أيضاً.
لا يوجد شيء كهذا. لا شيء مضمون للنصر بالقوة، وحتى الكتب المقدسة فسرت النصر بآية: “وتهدأ البلاد لأربعين سنة”. عملياً، في حرب الأيام الستة أيضاً، النصر اللامع في تاريخنا، لم ندمر جيوش مصر وسوريا والأردن بالكامل. فضلاً عن ذلك، النصر لم يمنع الجيوش العربية من التطلع إلى إعادة البناء، وهكذا نشبت حرب الاستنزاف مع مصر، ثم حرب يوم الغفران. لم نحقق النصر المطلق على مصر إلا في 1979، بتوقيع اتفاق السلام معها. بالشكل ذاته، فإن ما ينبغي عمله من الآن فصاعداً لتحييد حزب الله تماماً هو العمل، بمساعدة الولايات المتحدة ودول أخرى، على تعزيز لبنان وإضعاف مكانة حزب الله فيه إلى أن نتمكن في المستقبل من التوقيع على اتفاق سلام مع لبنان مستقر.
إن زعامة شجاعة ينبغي لها أن تقول للجمهور بصدق إن الحروب الناجحة تنتهي باتفاقات ناجحة. أما نشر الرواية عن “النصر المطلق” فمخادعة للجمهور، تسمح للسياسيين الآن بانتقاد اتفاق ناجح وتمنعنا جميعاً عن مدخل لمستقبل أفضل في الشرق الأوسط.
آفي شيلون
يديعوت أحرونوت 28/11/2024