بيروت – عمان -بغداد – إسطنبول – دمشق الزمان
أكد الرئيس السوري بشار الأسد الأحد «أهمية دعم الحلفاء» في «التصدي للهجمات الإرهابية»، في خضم هجوم واسع تشنّه هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها في شمال البلاد وخصوصا في حلب. ونقلت الرئاسة السورية عن الأسد تشديده خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على «أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج وإفشال مخططاتها»، وذلك في أول اجتماع يعقده الرئيس السوري منذ بدء الهجوم في شمال سوريا.
في وقت أصبحت حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، بالكامل خارج سيطرة الحكومة السورية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع، مع سيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل حليفة لها على كل الأحياء بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان الأحد.
وناقش وزير الخارجية التركي مع نظيره الأميركي الأحد الهجوم المفاجئ الذي تشنه فصائل معارضة في سوريا، مؤكدا أن أنقرة ستدعم خطوات «تهدئة» في البلاد التي مزقتها الحرب. وقال وزير الخارجية هاكان فيدان في اتصال هاتفي مع أنتوني بلينكن إن تركيا «تعارض أي تطور من شأنه أن يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة ونحن ندعم خطوات ترمي إلى التهدئة في سوريا»، بحسب مصدر في الوزارة.
وشدد على أن «العملية السياسية بين النظام والمعارضة يجب أن تكتمل» لضمان السلام والأمن في سوريا، مؤكدا أن أنقرة «لن تسمح أبدا بأنشطة إرهابية ضد تركيا أو ضد المدنيين السوريين».
فيما توقف هجوم المعارضة على مدينة حماه التي انتشر الجيش السوري النظامي مع المليشيات الشيعية فيها، مع دخول المعارضة جزء من ريفها. واشتد القصف الروسي بالطيران الاحد على مدينة حلب حيث سقط مدنيون قتلى. وتعيش دمشق وضعا مستقرا وهادئا.
وأكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأحد في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي محمّد شيّاع السوداني، «وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء في سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها».
والعراق والأردن يخشيان تداعيات الازمة في سوريا. وارتفعت حصيلة الهجوم الخاطف الذي شنته فصائل معارضة الأربعاء في شمال سوريا إلى 412 قتيلا على الأقل بينهم 61 مدنيا، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الأحد.
وأوضح المرصد أن الهجوم أسفر عن 214 قتيلا في صفوف الفصائل و137 قتيلا في صفوف قوات النظام والميليشيات الموالية لها و61 قتيلا مدنيا، بينهم 17 سقطوا الأحد.
ومنذ الأربعاء، بدأت هيئة تحرير الشام مع فصائل سورية أخرى معارضة أقل نفوذا، هجوما مباغتا يعد الأعنف منذ سنوات في محافظة حلب (شمال) حيث تمكنت من التقدم، بموازاة سيطرتها على عشرات البلدات والقرى في محافظتي إدلب (شمال غرب) وحماة (وسط) المجاورتين. وفي ضوء التطورات المتسارعة، استبق وزير خارجية إيران عباس عراقجي وصوله الاحد الى دمشق، بتأكيد دعم بلاده «الحازم» للسلطات السورية، في حين توعد الرئيس بشار الأسد باستخدام «القوة» للقضاء على «الإرهاب». والأحد، قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة متحالفة معها «باتت تسيطر على مدينة حلب بالكامل، باستثناء الأحياء الخاضعة لسيطرة القوات الكردية» في شمالها. وبذلك أصبحت المدينة «لأول مرة خارج سيطرة قوات النظام منذ اندلاع النزاع» في البلاد عام 2011. ويضم الجزء الشمالي من مدينة حلب أحياء عدة تقطنها غالبية كردية، أبرزها الشيخ مقصود والأشرفية، وتخضع لسيطرة القوات الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركيا والتي تشكل الذراع العسكرية للإدارة الذاتية الكردية.
وكانت القوات الحكومية استعادت السيطرة على كامل مدينة حلب نهاية عام 2016 بدعم جوي روسي، بعد معارك وجولات قصف وسنوات من الحصار للأحياء الشرقية فيها والتي شكلت معقلا للفصائل المعارضة منذ صيف 2012.
وكان لإيران والمجموعات الموالية لها نفوذ واسع في مدينة حلب ومحيطها، قبل أن تخلي عددا من مواقعها تباعا خلال الأشهر القليلة الماضية، وفق المرصد. وتقود الهجوم هيئة تحرير الشام، المصنفة «إرهابية» من الأمم المتحدة والتي تعد منطقة إدلب معقلها الرئيسي مع فصائل سورية أخرى أقل نفوذا. وتمكنت خلال اليومين الماضيين من السيطرة على غالبية أحياء حلب والمطار الدولي، إضافة الى عشرات المدن والقرى في محافظتي إدلب وحماة «مع انسحاب قوات النظام منها»، وفق المرصد. وشنّ الطيران الروسي الأحد، وفق المرصد، غارات على ساحة قرب جامعة مدينة حلب أوقعت خمسة قتلى، لم يتمكن من تحديد ما إذا كانوا مدنيين أو مقاتلين.
واستهدفت غارات مماثلة مخيما للنازحين في مدينة إدلب، ما أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين بينهم طفلان وإصابة أكثر من خمسين آخرين بجروح.
وبين القتلى زوجة ابن أم محمّد التي قالت لفرانس برس بينما كانت تجلس وأحفادها والغبار يكسوهم في مستشفى في المدينة «كنا نجلس في الغرفة، لم نسمع إلا دوي انفجار وسقطت الجدران علينا».
وأضافت وبجانبها إحدى حفيداتها تمسك بدمية كبيرة ورأسها مضمد، «كنت برفقة أولاد ابني الخمسة، الحمد لله أن إصاباتهم طفيفة».
تعزيزات عسكرية
منذ بدء الهجوم، قُتل أكثر من 370 شخصا بينهم 52 مدنيا و114 مقاتلا من قوات النظام ومجموعات موالية له، وفق المرصد.
وأعلنت الدفاع الأحد إن وحداتها العاملة في المنطقة أقدمت على «تعزيز خطوطها الدفاعية بمختلف الوسائط النارية والعناصر والعتاد، وتصدت للتنظيمات الإرهابية ومنعتها من تحقيق أي خرق». وجاء ذلك، وفق عبد الرحمن، في «إطار منع أي محاولة تسلل أو دخول محتمل» للفصائل غداة سيطرتها على بلدات استراتيجية.
واستهدفت غارات روسية عدة المنطقة، وفق المرصد. وفي هجوم منفصل، تخوض فصائل سورية موالية لأنقرة الأحد مواجهات ضد القوات الكردية شمال مدينة حلب، حيث تسيطر على بلدات عدة أبرزها تل رفعت، بحسب المرصد.
كما تخوض اشتباكات مماثلة ضد قوات النظام في ريف حلب الشرقي، حيث تمكنت من التقدم والسيطرة على مطار كويرس العسكري، وفق المصدر ذاته.
والتصعيد الميداني حاليا لم تشهد له سوريا مثيلا منذ سنوات. فقد أتاح وقف لإطلاق النار رعته موسكو وأنقرة عام 2020 هدوءا إلى حد كبير في إدلب، حيث كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على نحو نصف مساحة المحافظة وعلى أجزاء ملاصقة لها من محافظات حلب وحماة واللاذقية (غرب). وانهارت الهدنة الأربعاء مع بدء الفصائل هجومها، من دون أن تتضح خلفيته وآفاقه بعد. وغداة توعّده بـ»دحر» التنظيمات «الإرهابية»، قال الأسد الأحد، وفق الرئاسة السورية، «الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أيا كان داعموه ورعاته».
دعم «حازم»
وتشكل خسارة حلب بعد نحو 14 عاما من النزاع، صفعة لنظام الأسد.
ويقول الباحث آرون لوند من مركز «سنتشري انترناشونال» للأبحاث لفرانس برس «يبدو أن النظام قد خسر حلب، وما لم يتمكن من شن هجوم مضاد قريبا، وما لم ترسل روسيا وإيران دعما أكبر، لا أعتقد أن الحكومة ستستعيدها».
ويضيف «قد تخسر الحكومة كل شيء في سوريا، وتظل تُعتبر دولة إلى حد ما، لكن خسارة حلب أو دمشق هي النقطة التي تبدأ الامور عندها تبدو غامضة». وأعربت ثلاث دول منخرطة بالنزاع السوري، روسيا وإيران حليفتا الأسد، وتركيا الداعمة للفصائل المعارضة، عن قلقها إزاء «التطور الخطير» في سوريا.
ويعتزم وزير خارجية إيران بعد دمشق التوجه الى تركيا لعقد «مشاورات حول القضايا الإقليمية، وخصوصا التطورات الأخيرة»، بحسب طهران. وأثار التصعيد الميداني ردود فعل إقليمية ودولية.