بغداد/ تميم الحسن
دخلت الإجراءات العسكرية في العراق مرحلة الجدية بعد وصول تعزيزات إلى الحدود مع سوريا.
وحذرت جماعات في الأنبار من “التلاعب” بأمن المناطق السُنيّة، على خلفية تحذيرات بإمكانية تحرك “خلايا نائمة”.
وأكد سياسي في الموصل أن “تغييرًا قادمًا” في المناطق السُنيّة، لكن ليس على طريقة سوريا أو 2014.
منذ الأربعاء الماضي، تواصل فصائل مسلحة في سوريا السيطرة على مدن في شمالي البلاد مع انسحاب جيش النظام.
وقد قتل حتى الآن قرابة 327 شخصًا، معظمهم من الطرفين المتحاربين، بالإضافة إلى مدنيين.
وأعلن الجيش الروسي أنه يساعد الجيش السوري في “صد” فصائل معارضة في ثلاث محافظات شمالي البلاد.
في العراق، أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، يوم الإثنين، عن تحريك “قطعات مدرعة” من الجيش باتجاه حدود البلاد الغربية.
وأوضح رسول، في بيان، أن تلك القطعات ستتمركز على الحدود المفتوحة من منطقة القائم جنوبًا إلى أن تصل إلى حدود الأردن.
يرتبط العراق مع سوريا بخط حدودي يبلغ أكثر من 600 كيلومتر طولًا، وكانت “داعش” قد أعلنت عن “كسر الحدود” في صيف 2014، وأدخلت مئات المسلحين إلى البلاد.
إجراءات غير مسبوقة
إلى ذلك، أكدت وزارة الداخلية أن الحدود العراقية ـ السورية مؤمنة حاليًا بشكل لم يسبق له مثيل طوال تاريخ الدولة العراقية.
قال المتحدث باسم الداخلية، مقداد ميري، في مؤتمر صحفي، إنه تم “تأمين 3813 كيلومترًا من الحدود العراقية”، بالإضافة إلى أن “الحدود مع سوريا مؤمنة بشكل أكبر مقارنة ببقية حدود دول الجوار”.
وأفاد ميري بأن “اختراق الحدود غير ممكن إطلاقًا بحكم التحصينات والقطعات العسكرية الموجودة على الحدود العراقية-السورية”، ولأنها “مؤمنة عبر فرقتين من قيادة قوات الحدود، إضافة إلى دعم من الجيش والحشد الشعبي”.
ومع ذلك، فإن “وزارة الداخلية أرسلت قطعات من الرد السريع وقيادة قوات الشرطة الاتحادية إلى هناك”، بحسب ميري.
وفي المؤتمر ذاته، قال قائد قوات الحدود، محمد عبد الوهاب سكر، إن “ما حققناه في ضبط الحدود لم يتحقق على مدى تاريخ الدولة العراقية، من خلال عدة إجراءات، أبرزها الخنادق والسواتر والجدار الكونكريتي”.
ووفقًا لسكّر، فإن “النقاط الموجودة على الحدود تبعد كل نقطة عن الأخرى بمسافة كيلومتر واحد، بالإضافة إلى وجود كاميرات مراقبة ترصد وتوثق جزءًا كبيرًا من الحدود العراقية-السورية”.
ولفت سكّر إلى “وجود منظومة من الطائرات المسيّرة والنواظير الحرارية”، مبينًا أن “معنويات المقاتلين عالية جدًا للدفاع عن البلاد”.
وكان القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، قد ترأس مساء الأحد اجتماعًا طارئًا للمجلس الوزاري للأمن الوطني، دعا فيه إلى “مراقبة الحدود” و”تكثيف الجهد الاستخباري”.
وأكد السوداني دعم العراق الكامل لسوريا بعد سقوط مدينة حلب، في ظل المخاوف من تورط البلاد في الأحداث، خصوصًا مع إعلان الفصائل استعدادها للمشاركة.
عبور الفصائل
يفترض أنه وصل أمس مقاتلون عراقيون من “الحشد الشعبي” إلى سوريا لدعم قوات النظام السوري، وفقًا لوكالة “رويترز”.
ونفى المتحدث باسم الداخلية، خلال المؤتمر الصحفي، صحة هذه المعلومات، ووصفها بأنها “كلام إنشائي” يتم تداوله على “فيسبوك”، مشيرًا إلى أنه لا توجد أي حركة مسجلة على الحدود.
وقال مصدر بارز في جيش النظام السوري للوكالة، إن “العشرات من مقاتلي الحشد الشعبي العراقي وصلوا إلى سوريا عبر ممر عسكري قرب منفذ البوكمال الحدودي”.
وكانت عدة فصائل عراقية قد أكدت أنها ستذهب إلى سوريا للدفاع عن مرقد “السيدة زينب” في دمشق.
وفي المقابل، أعلنت ما يسمى بـ”حكومة الإنقاذ السورية”، في رسالة إلى العراق، أنها “ثورة ضد الأسد ولا تشكل قلقًا على أي دولة”.
وجاء في الرسالة الموجهة إلى “الحكومة العراقية الموقرة وإلى الشعب العراقي العظيم”:
“نحن في حكومة الإنقاذ نطمئن الحكومة العراقية والشعب العراقي الشقيق بأن سوريا لن تكون مصدرًا للقلق أو التوتر في المنطقة”.
وأضافت: “على العكس من ذلك، فإننا ملتزمون بتطوير وتعزيز علاقات التعاون الأخوي مع العراق لضمان استقرار المنطقة وتحقيق المصالح المشتركة لشعبينا”.
ويخشى في العراق أن تتواصل هذه الجماعات في سوريا مع “خلايا نائمة”، خصوصًا في المدن الحدودية التي كانت تحت سيطرة “داعش”.
رسالة “الصحوات”
وبهذا الخصوص، حذرت ما يعرف بمجموعة “صحوة أبناء العراق” من وصفهم بـ”سياسيي الصدفة”، بشأن العبث بالمناطق المحررة.
وأعلنت الصحوة في بيان، أمس، عن جاهزيتها الكاملة واستعدادها للدفاع عن أرض الوطن ومقدراته.
وقالت إنها “تحت إمرة رئيس الوزراء”، وأكدت أنها لن تسمح “لأحد مهما كان بالعبث أو التلاعب بمستقبل المناطق المحررة”.
وحذر البيان “سياسيي الصدفة من ركوب الموجة مرة أخرى كما فعلوا خلال الأعوام السابقة”.
وأكدت صحوة أبناء العراق، التي تأسست في عام 2006، أنها “ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه ذلك، سواء كان سياسيًا أو عسكريًا، مهما كلفنا الأمر”.
وكان المستشار السياسي لرئيس الوزراء، فادي الشمري، قد دعا أبناء محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين إلى “عدم تصديق الشائعات” في ظل الأحداث الجارية في سوريا.
تغيير بصورة مختلفة
وعن الأوضاع في المناطق ذات الأغلبية السُنيّة، يقول القيادي في حزب متحدون، أثيل النجيفي، إن “سيناريو الموصل السابق لن يتكرر، لأن خلفيات أحداث تلك الفترة غير متوفرة الآن في محافظاتنا”.
ويستدرك موضحًا: “لكن بنفس الوقت، لا يمكن أن تبقى الأمور كما هي الآن في المحافظات السنيّة، لأن ما يحدث في سوريا سيؤدي إلى ضعف النفوذ الإيراني، وأكيد ضعف النفوذ الإيراني سيمتد إلى العراق”.
وأضاف: “الفصائل الموالية لإيران ستدخل في صراعات مؤكدة مع الجهات التي تعمل للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذا سينعكس على مناطقنا”.
لذلك، يرى النجيفي، وهو محافظ نينوى السابق، أنه “من المهم أن يكون هناك تحرك سياسي من قبل الحكومة العراقية لتشجيع العمل السياسي في المناطق السنيّة، وتشجيع الشخصيات السياسية السنيّة القوية التي تؤمن بالدولة وتحافظ عليها، حتى لا يكون هناك مجال للعمل من تحت الأرض للمتطرفين”.
ويعتقد النجيفي أن التغيير في العراق سيحدث، “لكن ليس بالسيناريو الذي حدث سابقًا أو كما يحدث في سوريا الآن”.
ويتابع: “وضعنا في العراق الآن مختلف عما هو في سوريا، لكننا بحاجة إلى عمل سياسي جاد يعيد للمناطق السنيّة نفوذها السياسي وقدرتها على التفاعل مع الأحداث. نحتاج إلى شخصيات قيادية يثق بها المجتمع السني وتمثل تطلعاته”.
وأوضح النجيفي أن “الشخصيات الموجودة حاليًا، التي تعلن ولاءها للفصائل، ستزول من مناطقنا”.
وأشار إلى أن “المجال مفتوح للقيادات السياسية التي تؤمن بالدولة. وعلى العموم، المجتمع السني يؤمن بالدولة أكثر من مجتمعات أخرى”.
وختم قائلًا: “المجتمع السني بطبيعته مجتمع دولة، ويتمسك بالنظام، لكن يجب أن تُمنح له الحرية والصلاحية ليعبّر عن رأيه”.