الوثيقة | مشاهدة الموضوع - شبكة لتهريب زيت الوقود تدرّ مليار دولار لإيران ووكلائها
تغيير حجم الخط     

شبكة لتهريب زيت الوقود تدرّ مليار دولار لإيران ووكلائها

مشاركة » الثلاثاء ديسمبر 03, 2024 10:54 am

2.jpg
 
دبي: قالت خمسة مصادر مطلعة لرويترز إن شبكة معقدة لتهريب زيت الوقود، يعتقد بعض الخبراء أنها تدرّ ما لا يقل عن مليار دولار سنوياً لإيران ووكلائها، ازدهرت في العراق، منذ تولى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منصبه، في عام 2022.

وتستغل عملية التهريب سياسة حكومية يقوم العراق وفقاً لها بتخصيص زيت وقود لمصانع الأسفلت بأسعار مدعومة بشدة، وتشارك فيها مجموعة من الشركات والفصائل والأفراد في العراق وإيران ودول الخليج، بحسب المصادر الخمسة، وثلاثة تقارير مخابراتية غربية، يعود تاريخ اثنين منها إلى أغسطس/آب من هذا العام، بينما الثالث غير مؤرخ.

تعتبر إيران جارَها وحليفَها العراق بمثابة رئة اقتصادية لها، وتمارس نفوذاً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً كبيراً هناك من خلال الفصائل الشيعية القوية والأحزاب السياسية التي تدعمها

وأوضح مصدران أنه بموجب المخطط الذي تتبعه الشبكة، يتم تحويل ما بين 500 ألف إلى 750 ألف طن من زيت الوقود الثقيل، بما في ذلك زيت الوقود عالي الكبريت، وبما يعادل 3.4 مليون إلى خمسة ملايين برميل من النفط، من المحطات كل شهر وتصديرها في الغالب إلى آسيا.

ولم يسبق أن تطرقت أي تغطية لحجم تهريب زيت الوقود منذ تولي السوداني السلطة، وتورُّط جهات متعددة داخل العراق في التجارة غير المشروعة.

كما لم يرد المسؤولون الإيرانيون والعراقيون على طلبات مفصّلة للتعليق على النتائج التي خلصت إليها تغطية رويترز.

وتعتبر إيران جارَها وحليفَها العراق بمثابة رئة اقتصادية لها، وتمارس نفوذاً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً كبيراً هناك من خلال الفصائل الشيعية القوية والأحزاب السياسية التي تدعمها.

ويقول مسؤولون عراقيون وأمريكيون إن إيران تحصل أيضاً على العملة الصعبة من العراق من خلال الصادرات، وتلتف على العقوبات الأمريكية من خلال نظامها المصرفي.

وفي حين تعمل بغداد، منذ سنوات، على تحقيق توازن دقيق بين دورها كحليف لكل من واشنطن وطهران، وبينما من المتوقع أن يتخذ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب موقفاً صارماً إزاء محاولات إيران الالتفاف على العقوبات الأمريكية، فمن المتوقع أن تخضع أنشطة طهران في العراق لتدقيق متزايد.

وقالت المصادر الخمسة، التي طلبت عدم ذكر أسمائها بسبب حساسية الأمر، إن هناك مسارين رئيسيين يتم بهما نقل زيت الوقود من العراق، أحدهما عن طريق مزجه بمنتج مماثل من إيران وتقديمه على أنه عراقي تماماً، بما يساعد طهران على التهرب من العقوبات الأمريكية الصارمة على صادرات الطاقة.

ويتضمن المسار الآخر تصدير زيت الوقود الذي كان مخصصاً في الأصل للبرنامج المدعوم باستخدام وثائق مزورة لإخفاء أصوله.

وتستفيد إيران بشكل مباشر من المسار الأول. فعادة ما تبيع إيران وقودها بأسعار مخفضة بسبب العقوبات، ولكنها تستطيع بيعه بسعر أعلى إذا تم الترويج له باعتباره عراقياً. أما المسار الثاني فتستفيد منه الفصائل المدعومة من إيران في العراق، والتي تتحكم في مخطط التهريب.

وقدمت ثلاثة مصادر تقديرات لحجم العائدات التي يدرّها كل من المسارين استناداً إلى افتراضات تتعلق بالكميات التي يتم تداولها والأسعار المتناسبة. وتراوحت تقديراتهم بين مليار دولار سنوياً إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار.

وقالت المصادر الثلاثة إن التجارة غير المشروعة قد تجعل المؤسسات والمسؤولين العراقيين عرضة لخطر العقوبات الأمريكية لمساعدتهم إيران، وإن بعض المسؤولين العراقيين يشعرون بالقلق من أن إدارة ترامب قد تستهدفهم.

ولفتت المصادر إلى أن الزعماء العراقيين يعتمدون بشكل كبير على دعم الفصائل الشيعية ذات النفوذ المدعومة من إيران للبقاء في السلطة، ما يجعل من الصعب عليهم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الأنشطة غير المشروعة، مثل تهريب زيت الوقود.

ولم يرد مكتب السوداني على طلبات للتعليق بشأن التجارة، أو احتمالات العقوبات، أو محاولات الحكومة للحد من هذه الأعمال.
تحت مجهر واشنطن

تراقب واشنطن بالفعل عمليات التهريب المربحة وعلاقاتها بإيران وأفراد خاضعين للعقوبات الأمريكية.

وقال أحد المصادر إن المسألة طُرحت في المناقشات بين المسؤولين الأمريكيين والسوداني عندما زار رئيس الوزراء العراقي الولايات المتحدة، في سبتمبر/أيلول.

ورداً على سؤال من رويترز عما إذا كان قد تم إثارة مسألة التهريب، قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: “بينما لا نعلق على مناقشات بعينها، يمكننا أن نؤكد أن الوزارة أكدت لنظرائنا العراقيين على أضرار التجارة غير المشروعة، ودعمنا لإيصال النفط إلى السوق بشفافية”.

ولم ترد وزارة الخزانة الأمريكية على أسئلة بشأن تجارة زيت الوقود، أو ما إذا كانت الكيانات والمسؤولون العراقيون معرّضين لخطر العقوبات.

وتأتي العقوبات الأمريكية على إيران في المقام الأول رداً على برنامجها النووي ودعمها لجماعات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط تعتبرها الولايات المتحدة منظمات إرهابية، بما في ذلك حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة وجماعة “حزب الله” في لبنان والحوثيون في اليمن.

وفي حين تمارس واشنطن ضغوطاً على المسؤولين العراقيين لوقف الأنشطة التي تعود بالنفع على إيران، فإن نفوذ طهران يضرب بجذوره.

ووفقاً للمصادر الخمسة والتقارير الثلاثة، فإن “عصائب أهل الحق”، وهي قوة شبه عسكرية وحزب سياسي، كانت من أوائل الداعمين للسوداني ومكوّناً رئيسياً في الكتلة التي رشحته لمنصب رئيس الوزراء، الطرف المحوري في عملية التهريب.

عادة تبيع إيران وقودها بأسعار مخفضة بسبب العقوبات، ولكنها تستطيع بيعه بسعر أعلى إذا تم الترويج له باعتباره عراقياً

وتستند النتائج التي خلصت إليها التقارير التي اطلعت عليها رويترز على مجموعة واسعة من المصادر في العراق ودوائره الحكومية دون أن يتم الكشف عنها.

ولم يرد مكتب السوداني ولا عصائب أهل الحق أو زعيمها قيس الخزعلي على أسئلة وجهتها رويترز.

وبدعم من “الحرس الثوري الإيراني”، جرى دمج “عصائب أهل الحق” في الأجهزة الأمنية العراقية في عام 2018، ولديها الآن 16 عضواً في البرلمان.

وفرضت واشنطن عقوبات على الخزعلي، في عام 2019، على خلفية اتهامات تتعلق بدور “عصائب أهل الحق” في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان تخص قتل متظاهرين في العراق، في ذلك العام، وغير ذلك من أعمال العنف، بما في ذلك هجوم وقع عام 2007 وأسفر عن مقتل خمسة جنود أمريكيين.

وسخر الخزعلي من العقوبات، وقال، في مقطع فيديو نُشر على موقع إكس بعد يومين، إنه شعر بأذى شخصي لأن واشنطن استغرقت وقتاً طويلاً لمعاقبته.
كيف يتم ذلك؟

قالت المصادر الخمسة إن تهريب زيت الوقود كان موجوداً قبل تولي السوداني السلطة، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، لكنه زاد تعقيداً، وأصبح أكثر رسمية منذ توليه المنصب.

وأفادت مصادر من القطاع وبيانات تتبع السفن بأن صادرات زيت الوقود العراقية تتجه لتسجيل أعلى مستوى لها على الإطلاق عند ما يزيد على 18 مليون طن هذا العام، أي أكثر من مثلي الصادرات في 2021.

ولخلق فائض من زيت الوقود للتصدير، تبالغ بعض مصانع الأسفلت المشاركة في الشبكة في تقدير احتياجاتها عند طلب مخصصات زيت الوقود الرسمية. وتشير المصادر الخمسة وتقارير مخابراتية إلى أن هناك مصانع أخرى موجودة بالاسم فقط، ما يعني أنه يمكن تحويل مخصصاتها بالكامل للتصدير.

وقالت المصادر إن الشركة العامة للصناعات التعدينية، التي تدير مصانع أسفلت كمشروعات مشتركة مع شركات خاصة، من أسس المخطط. وكانت الشركة قد تأسست في الأصل لتعزيز الصناعات المحلية، مثل إنتاج الفلانكوت، وهي مادة مقاومة للماء من الأسفلت تستخدم في البناء.

وأشار أحد التقارير المخابراتية إلى خضوع الشركة الحكومية لسيطرة صارمة من “عصائب أهل الحق” في عهد السوداني واستخدامها لتصدير كميات كبيرة من زيت الوقود عالي الكبريت. وذكر التقرير المخابراتي أن “عصائب أهل الحق” تستخدم مصنع “الثغر” للصناعات الأسفلتية، وهو أحد مشروعات شركة التعدين الحكومية بحسب موقعها الإلكتروني، موقعاً لتخزين زيت الوقود.

وقال التقرير المخابراتي إن بعض المصانع المزعوم تورطها تخضع لسيطرة “عصائب أهل الحق” أو “كتائب حزب الله”، وهي جماعة مسلحة عراقية أخرى مدعومة من “الحرس الثوري الإيراني” وتصنفها واشنطن منظمة إرهابية.

ولم ترد الشركة العامة للصناعات التعدينية، ولا “الثغر” ولا “كتائب حزب الله” على طلبات مفصلة للتعليق.

وقال اثنان من المصادر، والتقرير المخابراتي، إنه في محاولة سابقة لتضييق الخناق على هذه التجارة، أمر مصطفى الكاظمي، سلف السوداني، بإجراء مراجعة للقدرة التشغيلية الفعلية لمصانع الأسفلت، وخفض المخصصات لها ورفع سعر الوقود المدعوم إلى 220 دولاراً للطن من 70 دولاراً.

ولم يتسن لرويترز تحديد الدافع وراء هذه الحملة.

وفي يناير/كانون الثاني 2023، أي بعد بضعة أشهر من تولي السوداني منصبه، تم خفض السعر إلى ما بين 100 و150 دولاراً للطن، وهو أقل بكثير من سعر الصادرات في السوق، والذي تشير التقديرات إلى أنه يتراوح بين 300 و500 دولار. وكلما انخفض سعر الوقود المدعوم، ارتفع هامش الربح عند تصديره في السوق العالمية.

وقال أحد المصادر إن حكومة السوداني رفعت أيضاً نشاط منح تراخيص مصانع الأسفلت لتشمل 37 مشروعاً جديداً، وهو ما يقرب من مضاعفة حجم القطاع خلال فترة وجيزة. وقالت جميع المصادر إن بعض المشاريع وهمية، ما يشير إلى أنها مجرد ستار للحصول على مخصصات زيت وقود للتصدير.

ويحدد مكتب السوداني مخصصات زيت الوقود من خلال مركز العمليات الوطني لمكتب رئيس الوزراء.

ويتم بعد ذلك تكليف شركة توزيع المنتجات النفطية بمعالجة طلبات نقل الوقود، والتي تشمل أرقام المركبات وأحجام الشحنات والمواصفات، ومعلومات تعريفية بكل سائق وشاحنة.

وقالت ثلاثة مصادر إن حركة نقل الوقود تخضع لمراجعة من مركز العمليات الوطني لمكتب رئيس الوزراء، ويتم الموافقة عليها بمذكرات تسمح للشاحنات بالمرور عبر نقاط تفتيش مختلفة تديرها شرطة النفط العراقية.

“عصائب أهل الحق”، وهي قوة شبه عسكرية وحزب سياسي، ومن أوائل الداعمين للسوداني، الطرف المحوري في عملية التهريب

ولم يرد مركز العمليات الوطني لمكتب رئيس الوزراء، ولا شركة توزيع المنتجات النفطية، ولا شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، وهي الهيئة المسؤولة عن تصدير الوقود العراقي، على طلبات للتعليق.
خلط بالوقود الإيراني

قالت المصادر الخمسة إنه بمجرد تحويل زيت الوقود من المصانع، يأخذ أحد المسارين، وكلاهما تستخدم فيه وثائق مزورة.

فبعض الوقود العراقي يتم تصديره مباشرة عبر الموانئ الجنوبية في العراق بوثائق مزورة تدرجه على أنه منتجات أخرى، مثل مخلفات التقطير الفراغي أو الفلانكوت، وكلاهما من المنتجات الثانوية للتكرير، والتي يمكن شحنها بشكل قانوني.

وقال أحد التقارير المخابراتية إن شركة التعدين الحكومية، التي تمتلك شبكة من مرافق خلط زيت الوقود الثقيل في مناطق مختلفة بالعراق، مخوَّل لها نقل زيت الوقود بين هذه المرافق وتصدير الفلانكوت.

ويتضمن المسار الثاني خلط زيت الوقود غير المشروع بوقود إيراني مماثل وتقديمه على أنه عراقي تماماً، وبوثائق مزورة أيضاً، لمساعدة طهران على تجنب العقوبات الصارمة التي تفرضها الدول الغربية على صادراتها في قطاع الطاقة.

وقالت المصادر الخمسة إن مدينة البصرة في جنوب العراق صارت محور عمليات الخلط، إذ إن ميناءي خور الزبير وأم قصر من النقاط الرئيسية للتصدير غير المشروع للوقود.

ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت السلطات في الميناءين على علم بعملية التهريب.

وأفاد تقريران مخابراتيان بأن عملية المزج يجريها مهندسون عراقيون، عادة أثناء عمليات النقل من سفينة إلى أخرى، ثم يتم شحن زيت الوقود إلى عملاء يتركزون في آسيا بشكل أساسي.

وقال أحد المصادر إن التشابه بين درجتي زيت الوقود العراقي والإيراني جعلت العملية أسهل، ومن الصعب تحديد ما إذا كان المزج قد حدث علمياً بعد إجرائه.

ولم ترد سلطات الموانئ العراقية على طلبات التعليق.

وفي يوليو/تموز، رفعت حكومة السوداني سعر زيت الوقود المدعوم إلى 369 دولاراً للطن، وأوصت بخفض مخصصات مصانع الأسفلت إلى نحو 60 بالمئة من طاقتها، وأمرت أيضاً بمراجعة قدرتها الفعلية.

ولم تتمكن رويترز من تحديد سبب إجراء الحكومة للمراجعة أو النتيجة. وقالت ثلاثة من المصادر إن هذه الخطوة كانت محاولة من الحكومة للنأي بنفسها عن عملية التهريب.

ولم يرد ممثلون عن السوداني على طلبات التعليق.

وبدأت أسعار الوقود المدعوم في الانخفاض، منذ أغسطس/آب، لتتراوح الآن بين 228 و268 دولاراً للطن.

(رويترز)
العناوين الاكثر قراءة









 

العودة إلى تقارير