تواصل فصائل المعارضة السورية المسلحة التقدم في مزيد من القرى والبلدات التي كانت تحت سيطرة النظام السوري، وتستولي بالتالي على مواقع عسكرية حساسة انسحبت منها ألوية جيش النظام والميليشيات المذهبية المتحالفة معه وعناصر «الحرس الثوري» وما تصنفه طهران تحت مسمى «المستشارين». وإذ تحقق القوات المعارضة نجاحات مذهلة في اقتحام مطارات أساسية مثل النيرب وأبو الضهور وكويرس ومنغ وحلب الدولي، ومراكز ذات قيمة عسكرية ورمزية نوعية مثل مدرسة المشاة والأكاديمية العسكرية، فإن مظاهر غياب القتال الفعلي والاشتباك المباشر مع قوات النظام وهيمنة الانسحابات الكيفية والعشوائية ظلّت سيدة الموقف حتى الساعة.
وضمن التطورات الأخيرة بدا لافتاً تضافر عنصرين ينطوي كل منهما على مغزى سياسي وعسكري وعقائدي، الأول هو انضمام كتائب «الجيش الوطني» إلى حملة «هيئة تحرير الشام» والفصائل الجهادية الأخرى المنضوية تحت غرفة عمليات «ردع العدوان» في إشارة لعلها الأوضح على مباركة تركية، بالنظر إلى أن هذا الجيش يرتبط على نحو وثيق بالقيادات العسكرية والأمنية التركية منذ سنة 2017 وانطلاق عملية «درع الفرات».
العنصر الثاني هو اقتراب قوى المعارضة المسلحة من محيط مدينة حماة ونطاق القرى المسيحية في محردة والسقيلبية، من دون أن يحدث احتكاك مشحون بين الفصائل الجهادية ذات التوجه الإسلامي عموماً من جهة، وأبناء الأغلبية المسيحية في البلدتين من جهة ثانية، رغم أن النظام كان في الماضي قد سعى إلى زرع الشقاق وتسعير الحساسيات الدينية مع أبناء محافظة حماة ذات الأغلبية المسلمة السنّية.
ولأن التطورات العسكرية الميدانية اتخذت صفة متسارعة تفتح المشهد على احتمالات شتى، لا تُستثنى منها تقارير تشير إلى عزم قوات «الحشد الشعبي» العراقية على التدخل العسكري المباشر لنصرة النظام في شمال سوريا وشرقها، فقد استفاقت قوى غربية كبرى من سبات طويل كانت قد غرقت فيه إزاء الملف السوري، تغافلت خلاله عن نيران كانت تشتعل تحت الرماد طوال الوقت. وكما هي العادة، كانت الاستفاقة متأخرة وشكلية ولفظية من جهة أولى، وكانت من جهة ثانية أقرب إلى اعتماد لغة خشبية تخفي الكثير من الحقائق المريرة.
وهكذا أعلنت الخارجية الأمريكية أن سياسة واشنطن لم تتغير تجاه بشار الأسد وتعتبره دكتاتوراً يده ملطخة بالدماء، وكانت قبلها قد وقّعت مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بياناً هزيلاً يشدد على حماية المدنيين وتنفيذ القرار الأممي 2254. وهذه هي القوى ذاتها التي سكتت عن رفض النظام السوري تنفيذ أي من بنود القرار المشار إليه، كما وقفت متفرجة على التدخل العسكري من جانب طهران وميليشياتها المذهبية المختلفة، قبل تدخل مماثل من جانب موسكو ظلّ الغرب متعامياً عنه.
كذلك شاركت واشنطن مباشرة في لعبة المحاصصة وفرض الأمر الواقع على الأرض السورية من خلال سيطرتها على «قسد» أسوة بقوى أخرى مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران وروسيا وتركيا، وتابع شركاؤها في لندن وباريس وبرلين ترسيخ السكوت على الأسد أو حتى مغازلته علانية أو عن طريق وسطاء. والأرجح أن القلق المبطن داخل البيان المشترك ليس سوى علائم انقلاب السحر على الساحر.